Ads

مفهوم البنيوية

عدي علي حماد 


       إن من أهم المدارس النقدية التي ظهرت فيما بعد الحداثة هي البنيوية والتي أخذت مجالاً واسعاً كمدرسة فنية نقدية ليس على صعيد الفنون التشكيلية فحسب إنما في مجال الأدب والإجتماع كذلك , والتي سعت الى قراءة النص أو العمل الفني من الداخل ضمن نظام سياقي للوصول الى قراءة شاملة وموسعة لذات العمل .
      وبما إن أي مرحلة من مراحل التفكير الإنساني و التي تنبثق عنها مرجعية آيديولوجية كالبنيوية تمثل مرحلة من مراحل النضوج الحضاري و تمثل إتجاهاً يعكس "وعي الشعوب بقدرتها على الحركة و التجدد وتغيير حالة الجمود التي تعيشها ". وإن البنيوية ظهرت كحاجة ملحة لتلبي مطلباً مهماً لدى العاملين في مجال النقد الفني والأدبي كونها تمثل منهجاً يقدم رؤية جديدة في تفسير الأعمال الفنية , " من هنا كان للبنيوية أن ترتكز مرتكزاً معرفياً , فأستحوذت علاقة الذات الإنسانية بلغتها وبالكون من خلالها على إهتمام الطرح البنيوي في عموم مجالات المعرفة ". ووفقاً لهذا التوصيف فإن البنيوية نظام علمي دقيق " وقد يصفه البعض بأنه فلسفي لاشتماله على نظرية منتظمة عن الإنسان والعالم ", إذ إنها تعمل على تحليل عدد من الأجزاء المكونة للعمل الفني والتي تعمل ديناميكياً في لحظة معينة من الزمن , وفهم العمليات التي تجري داخل إطار ذلك العمل. 
       و لعل من أبرز " المفاهيم الأساسية التي إنبثقت منها البنية مفهوم المجموعة , وهي نظرية تعنى أساساً بالتأليف بين الأعداد , وهي تنطلق من ثلاثة حدود أولية للمعرفة هي : المجموعة , العنصر , علاقة الإنتماء " .
        ومما سبق نستنتج أن المجموعة هي جملة من العناصر يربط بينها رابط معين يعد خاصية وميزة مشتركة لتلك العناصر مكونة تكوينات متآلفة جمالياً , " فهي ليست مجرد وحدات مستقلة جمعت قسراً وتعسفاً , بل هي أجزاء تتبع أنظمة داخلية من شأنها أن تحدد طبيعة الأجزاء وطبيعة إكتمال البنية ذاتها ".  وعلى ذلك فإن البنيوية تعمل على دراسة العلاقات التي تنظم عناصر البنية , والكشف عن الإرتباطات التي تتكون بين البنيات المختلفة . حيث إنها في قراءتها للعمل الفني " تعطي الأهمية الى الكل وليس الى الأجزاء , ولا ترى الكل الا في الأجزاء المكونة له , لا بل إن هذه العناصر تخضع لقوانين تتحكم في بناء العلاقة التي تجمعها ". 
       لذا فإن البنيوية تعد إتجاهاً لرؤية الفن بمختلف تفاعلاته ونشاطاته وهي أيضاً محاولة فك الرموز التي يتضمنها العمل الفني وتفسيرها والكشف عن الأنظمة و القوانين التي تحكمها و التي تنتج من علاقة البنية بالأخرى أو علاقة الأجزاء ببعضها البعض . " وتؤكد البنيوية على إن إدراك الأشياء لايمكن عزله عن مادة الإدراك وعن نسق التلقي المتداول فهناك علاقة تربط بينها ".
      وهذا ما يدل على أن تحليل العلاقات بين الأجزاء والعناصر في نتاج أدبي أو فني ما يعد من أهم التحليلات عند البنيويين إذ إن هناك ترابطاً وثيقاً بين هذه العناصر والعلاقات المتكونة بينها من خلال نسق معين وهذه العلاقات هي التي تمثل خصائص العنصر " وإذا أراد المرء أن يكتشف ويميز البنى عليه أن يحلل النظام الذي يحدد الوصف البنيوي للمواضيع التي هي قيد الدرس ".
      وتأسيساً على ماسبق يمكن القول بأن البنيوية تتكون ضمن مجموعة من العلاقات بين مجموع  مكونات العمل الفني أو الأدبي للوصول الى دراسة التعبير الواقي بكامله وبجميع مستوياته ومراحله وتحديد العلاقة المتبادلة مابين الرموز ضمن إطار العمل نفسه و " يمكن تحديد البنائية على أساس أنها ... تحليل العلاقات بين العناصر المختلفة ... حيث يتم تصورها على أنها كل شامل تنتظمه مستويات  محددة ". 
         ولا يمكن أن ننظر ونفهم تلك الأجزاء والعناصر الا من خلال إنتظامها في كلٍ موحد ونظام معقد تتناسق في داخله هذه الأجزاء ( البنى ) وتتعارض فيما بينها العمل أي بموضعها في نظام العمل ولا يمكن معرفة هذا الموضع بدقة الا بعد تحديد بنية هذا العمل " الإتجاه البنائي لابد أن يقوم على منهج متكامل غير منعزل إذ إن كل حدث يعالج على إنه وحدة جزئية تنتظم مع وحدات أخرى في مستويات مختلفة ".     

0 تعليقات:

إرسال تعليق