Ads

المسئولية الدستورية للفساد السياسي


دكتور عادل عامر
المنع يجب أن يمتد لمهدري المال العام ومزوري الانتخابات وأصحاب القروض تأصيل المسئولية الدستورية ضروري لحماية التجربة السياسية الجديدة من المهم جدًا إبداع حلول قانونية سريعة ووقائية وحاسمة، للحيلولة دون تأثر المرحلة الانتقالية القائمة بعناصر الفساد القديمة التي مازالت موجودة وناشطة فى الجسد المصري.
وهنا نقترح إيجاد صيغة قانونية تمكن من شل حركة هؤلاء المسئولين عن إفساد الحياة السياسية، بشكل مؤقت خلال هذه المرحلة الانتقالية، وحتى تستعيد الدولة المصرية عافيتها، باكتمال تشكل مؤسساتها الدستورية، على الأسس الديمقراطية القويمة التي نرنو جميعا إليها، ثم يرد الأمر إلى سابق عهد الشرعية الدستورية والقانونية العادية.
بحيث يعد هذا الإجراء كما التدابير الاحترازية التي تتخذ فى مواجهة مصادر الخطر. ولا يعزب عن نظر حجم الخطر المحدق بالمفاهيم الدستورية العليا التى نؤمن بها جميعا، إن بقى أولئك الفسدة مطلقي السراح سياسيا ــ وأؤكد على قول سياسيا لنفى أى أبعاد جنائية عن المسألة ــ وهم يملكون من المال وأدوات الرشوة والبلطجة فضلا عن علاقاتهم التنظيمية التى مازالت قائمة، والتي يخشى منها بشدة، من أن تمكنهم من إعادة التغلغل ثانية فى أجساد مؤسسات الدولة التشريعية والنيابية بانعكاساتها فى أجهزة السلطة التنفيذية والأمنية.
الأمر الذى يدفعنى إلى تسمية هذا التدبير الاحترازى بالمسئولية عن الفساد السياسى، أى قيامه قانونا على مفهوم المسئولية السياسية الدستورية.
أولا: نوع وجوهر المسئولية المقررة:
ربما يثير مثل هذا التدبير الاحترازى تساؤلات عدة حول ماهية هذه المسئولية، ودعائمها، هل هى مسئولية قانونية جنائية أو مسئولية قانونية مدنية أم ماذا؟
الحقيقة، ثمة جانب مهم بالفقه القانونى، بات يميل إلى تعدد أنواع المسئولية، فيذهب أستاذنا الدكتور محمد كمال إمام إلى تغليب هذا الرأى فيقول «والرأى عندى أن المسئولية تتعدد بتعدد أفرع القانون فهى دولية فى القانون الدولى، وإدارية فى القانون الإدارى وهكذا وهى مسئوليات تتفق فى أمور وتختلف فى أمور (المسئولية الجنائية ــ دار البحوث العلمية بالكويت ــ الطبعة الأولى 1983 ــ ص 110).
لذا فإذا كانت القاعدة القانونية المخالفة أو المنتهكة قاعدة جنائية كانت المسئولية المترتبة مسئولية جنائية، وإذا كانت القاعدة القانونية المنتهكة أو المخالفة هى قاعدة مدنية أو تجارية كانت المسئولية المترتبة هى مسئولية مدنية أو تجارية.
وهديا بهذا فإن مخالفة أى نص دستورى أو انتهاك أى حق من الحقوق الدستورية أو الافتئات على أى من الأوضاع المقررة دستورا أو الانحراف بها أو بأى من السلطات الدستورية المقررة على نحو يؤدى إلى أفساد الحياة الدستورية، بكل ما يقرره هذا الدستور من حقوق وحريات، عامة أو خاصة، فإن هذا إن رتب فإنه يرتب مباشرة مسئولية دستورية، وإن كان هذا لا يمنع من تقرير مسئوليات جنائية أو أى مسئوليات أخرى من أى نوع، إن تحققت فيها شرائط هذه المسئوليات.
تلك المسئولية الدستورية، درج رجال القانون المنتمون إلى عهد الرئيس المعزول، على التعمية عليها بتسميتها مسئولية سياسية، خلطا لها بالمسئوليات التى تتقرر عند اتخاذ أى من أفراد أو أجهزة السلطة التنفيذية سياسات خاطئة. وهو خلط عمدوا إلى تأكيده، حتى يهرب مفسدو الحياة الدستورية والسياسية من أى مسئولية قانونية يمكن أن تطالهم. والفارق كبير جلى بين اتخاذ سياسات خاطئة تتقرر فيها المسئولية عبر طرق سياسية شرعية على قاعدة من علاقة الرقابة المتبادلة بين البرلمان والحكومة حيث يخطئ وزير أو الحكومة فى تنفيذ بعض أو كل المهام الموكولة إليه أو إليها أو ينحرف أيهما عن مقتضيات المصلحة العامة، -أقول- فارق كبير جدا بين هذا وبين تسميم الحياة السياسية بالكامل، انقلابا على أفكار ومبادئ الدستور، المكرسة للديمقراطية وحقوق الممارسة السياسية. فالأخير صلته لا تتعلق بالأساس بسياسات السلطة التنفيذية، وإنما يتعلق بمؤامرة وتواطؤ بين عديد من النافذين فى السلطة ممن يملكون مقاليد الأمور، للافتئات على أفكار الدستور ومبادئه الديمقراطية، والانقلاب بها إلى عكسها. وجوهر المسئولية الدستورية فى هذا الخصوص، هى تحمل تبعة انتهاك أى من أفكار ومبادئ الدستور، على نحو يودى إلى نفيها والانقلاب بها إلى خلافها. فثمة علاقة عضوية، نعرفها فى القانون بعلاقة السببية، بين الفرد المسئول عن هذا الانتهاك الدستورى وبين الأثر المترتب عليه من مساس بحقوق تقررت دستورا أو إفساد لنظام الدولة الذى عينه الدستور، والانقلاب على أى من مقوماته السياسة أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ومن ثم فإن كل من أتى من الأفعال أو التصرفات ما يمثل انتهاكا لأى من أحكام الدستور ونظمه، يتعين أن يقع تحت طائلة ما يمكن أن نتعارف عليه باعتباره المسئولية الدستورية. وهذا أمر لم يعالجه النظام القانونى المصرى إلى يومنا هذا، على الرغم من أهميته فى حماية وصون النظام الدستورى وما يعكسه من تأسيس للحياة السياسية. فقط وردت المعالجة على مستوى جزئى تمثل فى منح اختصاص ولائى للمحكمة الدستورية العليا بإلغاء تشريعات السلطة التشريعية أو لوائح السلطة التنفيذية إن هى خالفت الدستور. أما أحوال انحراف القائمين على الشأن السياسى بالسلطات الدستورية، على ما يؤدى إلى انتهاك الأطر الدستورية المقررة للممارسة السياسية أو الاقتصادية أو المقومات الاجتماعية، فكل هذا لم يعالج وترك الأمر لنصوص قانون العقوبات، التى تقف عاجزة عن مواجهة مثل هذه الأحوال، وهو حال فريد وشاذ على الفكر القانونى المقارن. على أى حال، ما يهمنا فى هذه الجزئية، ليس التأسيس الفقهى لمفهوم مبتكر لمسئولية قانونية جديدة، وإنما ما يهمنا هنا هو إيضاح القابلية القانونية من الناحية الفلسفية، لتقرير نوع من المسئولية القانونية يمكن من خلاله حماية وضع سياسى مستجد وليد، نسعى جميعا على تهيئة ظروف مناسبة لنموه بعيدا عن أى تأثيرات سيئة من أفراد كانوا السبب فى إفساد هذه الحياة سابقا.
الحدود المقصودة لهذه المسئولية الدستورية فى إطار الوضع القائم. من المعروف أن المسئولية القانونية لا تتقرر إلا بموجب نص تشريعى، وتسرى من حيث تطبيقها الزمنى على ما يحصل مستقبلا من أفعال أو تصرفات تخالف إما النموذج القانونى المعد للسلوك الإنسانى وإما الأحكام القانونية الضابطة لهذه التصرفات والأفعال والوقائع.
إلا أن هذا لا نعنيه فى حالنا القائم، إذ متطلبات المرحلة الانتقالية القائمة، تستلزم فرض حماية سريعة ووقائية للتجربة السياسية التى تترسم خطاها الآن، من أى وكل محاولات تشويه أو إفساد يمكن أن تتعرض لها، من قبل أفراد ــ أو حتى هيئات مؤسسية ــ اعتادوا إتباع تصرفات ودرجوا على اتخاذ إجراءات وأفعال كان من شأنها إفساد الحياة السياسية، من خلال انتهاك الأفكار والنظم التى أسس عليها الدستور المصرى أسس الدولة المصرية ومقومات نظامها السياسى والاقتصادى.
فهؤلاء لا يؤمن جانبهم على التجربة السياسية الحالية التى هى عماد التأسيس الدستورى الجديد للمستقبل، إثر ميراثهم العريق فى الإفساد والانحراف عن جادة الصواب الدستورى. لذا فإن ما يعنينا هنا التأصيل على المسئولية الدستورية، لإبداع تدابير احترازية تحول دون احتمال اقتراف أفعال قد تودى بالتجربة السياسية برمتها.
تدابير احترازية تقوم على مفهوم الخطورة المحتملة. أى تدابير يتحرز منها ضد كل احتمالات خلق أوضاع خطرة على تلك التجربة السياسية الوليدة، التى مازالت بعد فى مهدها.
وفكرة الخطورة التى نعنيها هنا، تقوم على عنصرين:
أولهما مفهوم الخطر أى أن يكون ثمة سلوك معين يخشى من أن يؤدى إلى إجهاض التجربة السياسية، وثانيهما أن تتوافر فى شخص معين عوامل هذه الخطورة عن طريق اعتياده على سلوك واتخاذ أفعال فى الماضى كانت هى السبب الرئيسى والمباشر فيما آل إليه الوضع الدستورى من فساد سياسى وانغلاق ديمقراطى. هنا تأتى التدابير الاحترازية المقترحة، لتحول دون تحقق هذا الخطر من قبل الأفراد الذين اعتادوا القيام بهذه الأفعال التى أفسدت الحياة السياسية قبل.
هذه التدابير لن تمس أيا من حقوقهم الشخصية أو الخاصة أو الحماية الجنائية المقررة للجميع، فقط هى سوف تمس حقوقهم السياسية التى طالما أساءوا استخدامها، فى انتهاك جميع نظام الدولة الذى قرر الدستور قيامه على الديمقراطية وسيادة الشعب.
وعليه فيتعين أن يحظر عليهم فحسب ممارسة النشاط السياسى خلال هذه المرحلة الانتقالية، صونا لها من عوامل مخاطر فساد وإفساد، اعتاد هؤلاء القيام به. وقاية للتجربة السياسية الوليدة من عناصر الخطورة تلك المحيطة بهم، والتى تنبئ ظروف الحال أنه لم يتطهروا بعد منها. وهى مرحلة لن تدوم لأكثر من هذه الفترة الانتقالية التى تنتهى بإعادة تكون المؤسسات الدستورية كافة، بعد إجراء انتخابات مجلسى الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية، وتشكلهما صحيحا على أسس دستورية قويمة. وبعدئذ يترك لهذه المؤسسات مهمة تقييم أداء هؤلاء، وكيفية مراجعتهم قانونا، والكيفية التى يستردون بها حقوقهم السياسية ثانية. وهنا يكتمل الاقتراح: بأن تمارس السلطات القضائية دورا فى اتخاذ هذه التدابير، بأن تصدر القرارات الفردية التى تتعاطى مع أى من أولئك الأشخاص الذين ينطبق عليهم الحظر الوارد فى النص المقترح، إما من قبل النائب العام وإما من جانب محاكم الجنايات المختصة، ضمانا لنزاهة تطبيق هذا النص.

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق