Ads

حــســـن زايــــــد .. يكتب : اللـيـــبرالــيـــة وتــزيـيــف الــوعـــي الجـمـعـي

لم أكن أتوقع أن تكون هناك ليبرالية بأدوات فاشية ، هذا ما شهدته وعشته في ظل الليبراليين الجدد في مصر . فإذا كانت الليبرالية في أبسط صورها تعني الحرية ، فإن ذلك يعني بالضرورة  أن الإنسان يخرج إلى هذه الحياة فرداً حراً له الحق في الحياة وله الحق في الحرية وله الحق في الفكر والمعتقد والضمير، أي : له الحق في الحياة كما يَشاء ـ بفتح الياء ـ هو ووفق قناعاته، لا كما يُشاءـ بضم الياء ـ له . لأن الفرق بين المشيئتين هو الفرق بين الأنظمة الليبرالية وغيرها من الأنظمة الأخري . إذن لا محل مع الليبرالية لفرض قناعات معينة علي الإنسان الفرد . حتي في مجال العلاقة بين الليبرالية والأخلاق، أو الليبرالية والدين، فإن الليبرالية لا تلتفت ولا تهتم ولا تأبه ـ  من قريب أو بعيد ـ  لسلوك الفرد ما دام محدوداً في دائرته الخاصة من الحقوق والحريات ، فالليبرالية تتيح للشخص / الفرد أن يمارس حرياته ويتبنى الأخلاق التي يراها مناسبة . ومن هنا فإن فرض قناعات معينة علي الفرد يتنافي ويتناقض مع الأصل الفلسفي لليبرالية من ناحية ، ويعد استخداماً لأدوات فلسفة / أنظمة تناهضها الليبرالية من ناحية أخري . وهذا الفرض قد يكون مادياً ، وقد يكون معنوياً ، أو مادياً / معنوياً معاً . والواقع أن الليبراليين المصريين يقعون في هذا الفخ إما نتيجة انفصام الشخصية الذي يعانون منه نتيجة حالة التغريب الناشئة عن قناعاتهم الفكرية ، وواقعهم النفسي / الإجتماعي / الإقتصادي الذي يعيشون به ،  ومن خلاله في مجتمعاتهم  ، أو نتيجة الولاءات الإرادية لمنشأهم الفكري علي حساب الولاء للوطن أو أن تبنيهم للإتجاه الليبرالي باعتباره وسيلة للإتجار بها في سوق النخاسة الفكرية . هؤلاء الليبراليون يسعون بملء إرادتهم لتزييف الواقع تمهيداً لتكسير الوعي الجمعي وتفتيته وإعادة صياغته علي نحو يتوافق وهذا الواقع المزيف .  ومن ثم يصبح الوعي المزيف هو المرجعية لخلق إدراك مزيف ، ووجدان مزيف يصدر عنهما سلوك منحرف يتصادم مع حقائق الأشياء / القيم / الواقع / مصلحة المجتمع / الدولة . وقد ذهب أحدهم إلي القول بأن الأغلبية الساحقة من المصريات والمصريين ـ مقدماً المؤنث علي المذكر كتقليد غربي محض ـ يتعرضون لقصف إعلامي مكثف .. لماذا ؟ . ليروج زيفاً لجدية وتنافسية مشهد الإنتخابات الرئاسية القادمة  . وقد تجاهل هذا الليبرالي حقائق سابقة انتزعها من السياق العام حتي يبدو كلامه صحيحاً ومقارباً للحقيقة ، لأن التفكير الآني في السؤال منزوعاً من السياق قد يعطي هذا الإنطباع .  والسياق العام يقول أن الإنتخابات الرئاسية القادمة ستجيء بعد مظاهرات 30 يونية غير المسبوقة في التاريخ البشري ، ثم 3 ، 26 يولية ، ثم الخروج في الإستفتاء علي الدستور ، وكان هذا الخروج الجماهيري الحاشد خروجاً إرادياً دون قصف إعلامي أو محاولة لتزييف الوعي . ولا يدري أحد إن كانت الجماهير ستحتشد للإنتخابات الرئاسية القادمة أم لا ، وإن كان الرهان علي وعي الشعب في هذه القضية محسوماً . إذن فالإنتخابات جدية وتنافسية رغم هذه الفرية  . وقد سيقت هذه الفرية لتبرير الهجوم التالي لها علي المؤسسة العسكرية / الهدف . لذا سنجده يذهب إلي القول أن هذا القصف الإعلامي المكثف ، يتجاهل في ذات الوقت الحقائق الكبري التي تحيط بهذه الإنتخابات ، فما هي تلك الحقائق ؟ . الحقيقة الأولي : ترشح وزير الدفاع السابق للرئاسة بعد أن تدخلت المؤسسة العسكرية في السياسة في يوليو 2013 م . وهذا الليبرالي يتجاهل حقيقة اعترفت بها أمريكا حين وصَّفت ما حدث في يونيه ليس باعتباره انقلاباً عسكرياً أفضي إلي تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة ، وإنما انقلاباً شعبياً ساندته المؤسسة العسكرية تجنباً لوقوع حرب أهلية بين المصريين ، وهي مسألة تتعلق بالحفاظ علي الأمن القومي المصري لا علاقة لها بالسياسة ، وإنما عمل مهني يعد من صميم اختصاص القوات المسلحة . أما ترشح وزير الدفاع السابق للرئاسة فهي مسألة تتعلق بحقوقه الشخصية المكفولة له دستورياً وقانونياً طالما أنه قد أصبح سابقاً . والرؤساء من ذوي الخلفيات العسكرية لا تخلو منهم بلاد منشأ الليبرالية . والحقيقة الثانية : سيطرة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية علي الحكم وتحالف النخب الإقتصادية والمالية معها . ولا أدري متي حدث هذا ؟  . ففي أعقاب الإطاحة الشعبية بالإخوان تم إعلان خارطة المستقبل ، وتولي رئاسة البلاد رئيس المحكمة الدستورية ، وتم تشكيل حكومة مدنية  . فمتي حكمت المؤسسة العسكرية ؟ . إن كان قد حدث هذا فقد حدث في أعقاب الثورة الأولي التي تولي فيها المجلس العسكري تسيير أمور البلاد طوال الفترة الإنتقالية . هذه الفترة التي نشط  فيها الليبراليون أيما نشاط ، وشكلوا أحزاباً سياسية ، وشاركوا في اللعبة حتي نهايتها  ، وكانوا سعداء بالعمل في ظلال حكم المجلس العسكري ، وكانوا هم الطرف الثالث في التحالف بين المجلس العسكري والنخب الإقتصادية والمالية . الحقيقة الثالثة : انتهاكات واسعة للحقوق والحريات ، وأعمال إرهابية متتالية تنهك الدولة والمجتمع وتساعد على فرض فاشية الرأى الواحد والصوت الواحد والموقف الواحد ومرشح الضرورة / البطل المنقذ بثنائية من ليس معنا فهو ضدنا، وهي حقيقة زائفة لأن الطرف الثاني في المعادلة لم يرضخ لإرادة الشعب كما رضخ النظام الأسبق ، وإنما وضع نفسه في خصومة ليست سياسية وإنما خصومة دينية ، وليس مع النظام والدولة فحسب ، وإنما مع المجتمع . وتجاوز حدود المظاهرات السلمية إلي المظاهرات المسلحة التي شاهدناها علي شاشات التلفاز ومواقع التواصل الإجتماعي ، وليس مع العين أين كما يقال . وتحول اعتصامهم السلمي إلي اعتصام مسلح ، وبؤرة صديدية في جسد الدولة لا شفاء منها إلا باستئصالها ، لسعيها الدؤوب لتشكيل دولة موازية للدولة المصرية ، وهنا يبرز السؤال : مَن ينتهك حقوق مَن في تلك اللعبة السخيفة التي تحاول فرض المسخ علي الدولة . وهل كان البديل الوحيد المتاح لمن فشل سياسياً أن يفرض إرهاباً علي الدولة والمجتمع ؟ . ومع ذلك فإن هذه الأوضاع لم تفرض ما ذُكر من نتائج ، وإنما العكس هو الصحيح . فإذا تناولت وسائل الإعلام هذه الحقائق ، ونقلتها نقلاً حياً ،عملاً بحق المواطن في المعرفة وتداول المعلومات ، نقول بأنها تقصف العقول لتزيف وعيها . وبعد ذكر ما زعم الليبرالي من حقائق يذهب إلي القول بأن هذه الحقائق تجرد المشهد الإنتخابي من الجدية والتنافسية . أما تجريدها من الجدية فيرجع إلي عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين من ناحية ، وانحياز الدولة ومؤسساتها لمرشح بعينه من ناحية أخري . أما تجريدها من التنافسية فمرده انعدام عدالة القوانين ، وغياب نزاهة الإجراءات . وفي هذا الكلام مصادرة علي المستقبل ،وأعتقد أن الواقع ـ حتي الآن ـ  يدحض هذه الفري ، حيث الفرص بين المرشحين متكافئة  بلا انحياز من الدولة أو مؤسساتها . فضلا عن نزاهة الإجراءات .  ومن ثم فلا محل لما ذهب اليه الليبرالي / النموذج / المثل من وقائع متوهمة ، بني عليها أدواته القمعية الفاشية التي لا تتوافق مع أصوله الليبرالية . أم أن الأمر تجاوز حدود القناعات الأيديولوجية إلي ما وراء الأيديولوجيات من أجندات مدفوعة الثمن .

0 تعليقات:

إرسال تعليق