Ads

ختام الحياة بابتسامة ساعة اللقاء


بقلم حسن عزالدين 

عاد الأب من حقله منهك القوى باد على محياه التعب نزل من على دابته الغبراء بالكاد ليودعها مربطها بجانب الحظيرة التى بداخلها بعض أغنام من ضأن وماعز جبلي كان قد أستجلبها من بعض الريف بجنوب كردفان . وهي ماعز لها القدرة على تسلق الجبال الملساء كبدنها وهى عادة لا تكون ذات شعر وصوف كثيف كتلك التى تعيش فى البلدان الباردة . فتح الأب باب داره ملقيا بالتحية ثم جلس على متكأه بزاوية داره التى عبارة عن كوخين دائرين معروشتين بجريد النخل وسعف مخصوف وبينهما عريش يضلل وعلى الجانب الاخر مطبخ صغير مؤثث من طاولة كبيرة ومقاعد خشبية منسوجة بحبال.من جلد البقر وثلاث أثافى من أقتطعت من بعض الجُدد السود التى على مشارف القرية الريفية التى تطل على وادي سرف ومعاليق تدلت من السقف ( مشعليب) لوضع قدر الطبخ واخر يحمل دناً من شجرة القرع به بعض من اللبن المخيض (روب) وسعن(قربة) من جلد الماعز به ماء للشرب وآخر به سمن بقري . وفى ركن من الدار مخزن لحفظ الغلال . وعلف من تبن جاف . فنادى زوجته بصوت متقطع أن تسرع باحضار ابريق الماء لكى يتوضأ لصلاة الظهر ويلحق بالمزاوية التى بجوار الدار ليصلى مع الجماعة . ثم ما فتئىء يتمتم بصوت منخفض وهو يلفظ زفرة من تناهيد الزمان كيف ولى ومضى به العمر بعد ان كان شابا فتيَّا ذو وسامة وشجاعة روت عنه أشعار البادية وتغنت بها الحسناوات فى محافل العُرس والحماس فى اعياد القرية ومهرجانات الفراسة التى كانت تنصب بعد الحصاد كل عام . استغفر ربه بصوت عالى وقال غرَّارة العبوس دار كمال ونقاص دوبو أبوي للعلوم درَّاس . ماني فيك طامع غير رحمة ربى وذكرى خير بين الناس . بسمل ثم توضأ وخرج للصلاة متوكأً على عصاته وفى يده مسبحة خشبية من ثمار الهجليج ولسان حاله صلاة وسلاما وحمدا وشكرا . أعدت الزوجة الطعام وهو غالبا ما يكون من عصيد مصنوع من دقيق الدُخن أيدام من قديد وبامية مطحونة بعد ان جففت بغرض الحفظ. وبعض من فاكهة الصيف وهي ثمار البطيخ ذو اللُب الأبيض وطبقا من سلطة مكوناتها الطماطم والفقوس وورق الموليته ذو الفوائد الصحية مع عصير الليمون الحامض والفلفل الأخضر . مرَّ بعض الوقت وهي كانت قد أدت صلاتها وزلفت الى مصحف والدها المخطوط يدويا لتتناول بعض من صفحات سورة النجم تتلوها باتقان وتدبر . ثم ترفع يديها للدعاء بان يرحم الله والديها ويلحقها بهم فى الجنة . دخل الرجل داره مبتسما وهو يقول قد مضى يومي يا أم زينة ولا ندري ما فى صحفنا والموازين . فردت عليه لعل الله يغفر لنا ولك ويجعلنا نفارق هذه الدنيا سويا حتى لا نحزن بقيه عمرنا . فقال آمين جلسا لتناول الطعام ثم قال أي منا سبق الآخر فليدعو الله رحمته . ثم ابتسما فى توافق كأنما قد اتفقا روحيا عبر الخواطر . وبعد ان فرغا من طعامهما قال الرجل أدنو مني لأخبرك شيئا قالت خير ان شاء الله فهنس فى أذنها صباح الغد ساسافر الى ربي قالت او تتركني قال كلا لااستطيع ولكن ستكونين معى فى السفر . فلما كان من الغد .شاع الخبر أن الرجل وزوجته انتقلا الى رحمة ربهما ووجدا فى دارهما مبتسمان وروحهما قد فاضات الى بارئها . وتجمع الناس وهم يهللون ويشهدون عليهما بكل خير فقد مضت سنة الأولين ولم يبقى فى هذه الحياة الا رب العالمين أبد الآبدين ولنكن بالله مؤمنيين عاملين عابدين .مخلصين حتى نلقى الله ونحن مبتسمين .

0 تعليقات:

إرسال تعليق