Ads

( القطرب ) قصة من عالم الرعب والخوارق .. الحلقة ( 1 )




عندما كان " سميي فندان " يعبر تلك الأرض القاحلة بمفرده وقعت تلك الحادثة البسيطة .. لقد رأي ذنبا !
لم يثر هذا الأمر أي مخاوف لدي السيد " فندان " المسن الذي شاهد مئات ، بل آلاف ، الذئاب من كافة الأحجام والأشكال والفصائل طوال تجواله في عرض فرنسا وطولها في تلك الأزمنة القاحلة .. إنه يعمل مزارعا وراعيا للغنم وتاجرا للمحاصيل وسمسارا للأراضي والعقارات إن وجدت ..
ورجل متعدد الأعمال متعدد المواهب رأي ما رأي من أخطار طوال عمره المديد لن يخاف من مجرد ذئب متوحش صغير كهذا !
لكنه فيما يبدو لم يكن ذنبا صغيرا .. وإن كان متوحشا بالفعل .. متوحشا أكثر مما ينبغي حتى وإن لم يكن ذنبا حقيقيا على الإطلاق !
كان ظل الذئب وحدوده الخارجية ظاهرة من أعلي التبة الرملية الصغيرة المظلمة .. وصوته المخيف يندفع مولولا في عواء متصل شاكي مخيف .. عواء أكبر وأقوي مما ينبغي لذئب صغير .. لكنه وبمجرد أن أقترب من دائرة الضوء التي يصنعها القمر علي الرمال والأعشاب القليلة المتناثرة حتى شهق " فندان " بفزع وهمس راجيا إلهه بتوسل :
" يا إلهي الرحيم .. يا إلهي الرحيم ! "
ذلك أن هذا الذئب كان أكبر واحدا من جنسه رآه طوال ستين عاما من عمره ..
شهق الرجل فزعا لكنه لم يأخذ فرصة كبيرة للتعبير عن رعبه الشديد .. فقد هاجمه الذئب في أقل من لحظة .. قفز قفزة طولية هائلة قاطعا نحو عشرة أمتار في الهواء ليسقط فوق صدر " فندان " المذعور ..
صرخ الرجل ومد يده المرتجفة بحثا عن سيفه الذي يحتفظ به في أسفاره النائية دائما لكن الذئب المهاجم أدرك غرضه فيما يبدو ، فأنقض أول ما أنقض علي يد ضحيته اليمني ومزقها بوحشية وأقتلع أثنين من الأصابع الطويلة المرتجفة ..
سقط " فندان " أرضا والدماء تسيل من يده الممزقة والذئب الأبيض الضخم يعلوه مواصلا تمزيق ما تبقي من جسد ضحيته ومن عقله كذلك ..
وحينما أشرقت شمس الصباح علي تلك المنطقة المنعزلة كان هناك على الرمال رجل ممدد وسط بركة من الدماء وقد تطايرت أجزاء من جسده واختفت .. وظل ملقي علي الرمال الساخنة حتى جاء بعض السيارة بالصدفة لقطع بعض الأشجار الباسقة من الغابة القريبة فوجدوه هناك في أسوأ حال وقد فقد وعيه كما فقد عقله .. لكن العجيب حقا هو أن السيد " فندان " قد نجا من تلك التجربة .. نجا ليكون أقصوصة تحكي في طول فرنسا وعرضها وإن كان هو نفسه ظل حيا بما تبقي من جسده غير واع لأي شيء يدور حوله حتى آخر لحظات حياته .. وإن لم يعرف أحد سبب إصابته بالجنون رغم كل ذلك !
..................................
كانت تلك حادثة عابرة بالطبع .. مجرد اعتداء حيوان مفترس علي إنسان مسافر بمفرده في الخلاء الموحش .. أي غرابة في مثل ذلك الأمر ؟!
لكن تلك الثقة تكون علي حق عندما تحدث الحادثة مرة واحدة .. أما عندما تتكرر ثلاث مرات أخري في نفس الأسبوع فهناك شيء خطأ بالتأكيد !
ففي اليوم الثالث لوقوع حادثة السيد " فندان " خرجت الفتاة الجميلة " هارميس " التي تقيم في قرية صغيرة بالقرب من باريس لترعي أبقارها في أراضي عشبية قريبة وهناك استقرت بقطيعها الذي عكف علي تناول المزيد من تلك الأعشاب الرخصة اللذيذة وشرب الماء من بركة صافية صغيرة في المنتصف .. كانت " هارميس " قد سمعت ، شأنها في ذلك شأن كل سكان باريس والمناطق المحيطة بها ، عن حادثة السيد " فندان " وأسفت لها كثيرا .. لكنها لم تتخيل أنها ستكون الضحية التالية لذلك الذئب الذي ليس ذئبا في الحقيقة !
فبينما كانت الأبقار ترعي علي مقربة منها في حراسة مجموعة من الكلاب المدربة علي حراسة حيوانات المرعي إذ حدثت حركة غريبة بين الأبقار التي بدأت تركض محاولة الفرار في نفس الوقت الذي علا فيه نباح الكلاب الشرس بشكل يدل علي وجود دخيل في المكان .. دخيل مخيف !
نهضت " هارميس " من مكمنها تحت احدي الأشجار لتتطلع حولها .. وبالفعل وعلي بعد خطوات صغيرة منها رأت الفتاة شيئا غريبا يتجه نحوها .. كان شيئا شبيها بالذئب لكنه كان في حجم يقرب من حجم بقرة كبيرة .. اتسعت عينا " هارميس " دهشة ورعبا قبل أن يقفز الذئب فوقها .. أنشب مخالبه في عنقها وأنيابه في صدرها ووصلت لعمق بعيد في لحظة .. صرخت الفتاة رعبا وحاولت الاستغاثة بالناس لكن لا أحد كان قريبا بما يكفي ليسمعها .. الغريب حقا أن الكلاب قد فرت هاربة ولم تهاجم الذئب !
طافت رؤية معتمة للحظة في ذهن " هارميس " قبل أن تفقد وعيها متأثرة بصدمة عصبية عنيفة وبجراحها المخيفة .. ماتت الفتاة بين يدي الوحش العجيب الذي مزقها تمزيقا دون أن يترك قطعة واحدة سليمة في جسدها .. وخلال لحظات كان الوحش قد أنتهي من تمزيق ضحيته المسكينة وأبتعد في قفزات سريعة .. كان الوحش يبتعد بسرعة غير مبال بقطيع الأبقار الفار الهائج أمامه .. أنه لا يهاجم الأبقار ولا الحيوانات الأخرى كلها .. إنه لا يهاجم سوي البشر .. فمشكلته الحقيقية كانت مع البشر وليس غيرهم !

بقلمي : منال عبد الحميد

0 تعليقات:

إرسال تعليق