Ads

ركودنا .. إلى أين؟


عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات

تعرضت أمريكا في الفترة الأخيرة من حكم كارتر لهزة اقتصادية هائلة، وتوجه المتعاطفون مع الحزب الديمقراطي ليغيروا أقوالهم أمام صناديق الاقتراع ليعرف الجمهوريون طريقهم نحو مجلس الشيوخ لأول مرة في تاريخ البلاد. وحين سأل أحد الواقفين على حافة الفقر رونالد ريجان وريث الأزمة عن تعريفه للكساد، قال الرجل في ثقة: "الكساد أن تكون بلا عمل، وأن يكون جارك عاطلا." فلما سأله عن التعافي، قال ريجان:" يتحقق التعافي حين يكون جيمي كارتر بلا عمل." 
وفي مناسبة أخرى بعد أن لبس ريجان خوذة القيادة، واستأجر البيت الأبيض، جلس الرجل يخطب في أنصاره وحوارييه معددا مثالب كارتر، حتى فاجأه أحد الليبراليين بغصة: "تحدثت منذ بداية المؤتمر عن الأزمة الاقتصادية، وألقيت اللوم كله على الماضي واتهمت أعضاء الكونجرس بالمسئولية المباشرة عن الأوضاع الكارثية التي تمر بها البلاد، ألا توجه اللوم إلى نفسك أبدا؟" فرد ريجان: "نعم ألوم نفسي كثيرا على الأعوام التي قضيتها داخل المعسكر الليبرالي."
كان الأمريكيون الجالسون على يمين الفقر أمام شاشات التلفاز يؤمِّنون على عبارات رونالد ريجان ويهزون رؤوسهم في تأثر بالغ، فلطالما حبس المقهورون أنفاسهم وهم يرون البلاد تسير من هوة إلى نفق، ولطالما عضوا أناملهم من الغيظ وهم يجدون صور كارتر وتصريحاته تملأ الصحف بالوعود، لكنها لا تصل أبدا إلى أمعائهم الخاوية. كان الأمريكيون يشعرون بالسخط على قائد لم يقطر في حلوقهم العطشى ثمة أمل على مدار شهور حكمه الأخيرة. 
وصفق الشعب لريجان، وحملوه على أعناقهم ذات انتخابات، لا لأنه الخيار الأمثل، لكن لأنه خيار بديل عن اليأس والإحباط والفقر. وتمكن ريجان من حصد أصوات البائسين والتعساء والمشردين وجلس بين صفحات التاريخ ليسطر مستقبلا أقل بؤسا للشعب الأمريكي. لكن الرجل لم يدخر وسعا في ركوب موجة التشفي، ولم يترك ساحة للكلام إلا همز فيها ولمز بغريمه الأسبق.
لكن الرجل القادم من أقصى اليمين المهمش لم يقتصر عهده على الخطب الرنانة، فقد كان يمتلك مشروعا كبيرا أعلن عنه في أول خطاب ألقاه على مسامع الأمريكيين فور إمساكه بعجلة القيادة، ولكثرة ما وعد به يومها، قال غريمه كارتر: "لا يستطيع فعل هذا كله إلا ممثل." وبالفعل، أصبح ريجان الممثل الأكثر شعبية لدى الأمريكيين. فبعد أشهر معدودات من حكمه، بدأ الأمريكيون يتنفسون الصعداء، ويجلسون على المقاهي لتبادل الذكريات المؤلمة عن نكسة لم تكن الأخيرة في التاريخ الأمريكي. وتمكن العجوز من إنهاء فترة الحرب الباردة بنصر أعاد للأمريكيين خطم ناقة العالم المتمردة.
لكن التاريخ يشهد أن الرجل لم يقض أعوامه الثمانية داخل مكتبه البيضاوي، فقد اضطر للبقاء في المشفي فترة نقاهة بعد إخراج رصاصة أحد الموتورين من صدره. ويشهد أيضا أن أمريكا لم تتقدم بساق واحدة نحو الانتعاش، لكنها كانت تتقدم بكامل وعيها نحو تاريخ مختلف أكثر رخاء وتقدما بجمهورية غالبة وقليل من الليبراليين والمقعدين والعجزة وكثير من الأمل.  
واستطاع العجوز نيكسون أن يربح الانتخابات والحرب ويجتاز عنق الركود الاقتصادي بعد أن سجل رقما آخر في ويكابيديا التاريخ باعتباره أكبر الرؤساء الأمريكيين سنا - فقد ترشح للانتخابات الأمريكية عام 1980 في ربيعه التاسع والستين بعد أن رفض أن يتخذ من حداثة سن غريمه أداة للبروباجاندا الزائفة، ودون أن يعترض أحد على عود عمره اليابس. ففي أمريكا يُقدم الناس بأفهامهم لا بسنوات عمرهم التالفة.

-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق