Ads

قضاء العالمين


كتابة الخبير بالملكية الفكرية : صالح عطاالله 

إن التحكيم في اللغة هو مصدر حكم يحكم - أي جعله حكما، والحكم هو القضاء، وجاء بمعنى العلم والفقه والقضاء بالعدل، ومنه قول الله عز وجل: «و آتيناه الحكم صبيا» ومنه الحكمة بمعنى وضع الشيء في محله ومن أدلته في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (35) سورة النساء، وقوله تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (65) سورة النساء. 
فالتحكيم هو نظام أو طريق خاص للفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات سواء كانت مدنية أو تجارية عقدية كانت أو غير عقدية قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية فيعتمد أساساً على أن أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضاتهم بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي للبلد التي يقيمون بها من خلال «هيئة التحكيم» والتي تتكون من محكم واحد أوأكثر حسبما يتفق الأطراف بمشارطه التحكيم أو في الوثيقة المنظمة للعلاقة التي يتناولها التحكيم. 
وقد اختلف الفقهاء حول طبيعة التحكيم  فأضفى عليه بعضهم الطبيعة القضائية انطلاقاً من طبيعة عمل المحكم التي تتماثل مع عمل القاضي، بينما ذهب بعضهم إلى تبنى الطبيعة العقدية للتحكيم استناداً إلى أن أساس التحكيم هو اتفاق الأطراف ، بينما ذهب الرأي الراجح إلى اعتبار التحكيم ليس اتفاقاً محضا ولا قضاءً محضا فهو في أوله اتفاق وفى وسطه إجراء وفى آخره حكم.
يعد وجود التحكيم قديما قدم وجود الإنسان على هذه الأرض فيعد التحكيم الدولي هو تتويج لتطور طويل من طرق التسوية السلمية للمنازعات الدولية والمحلية وإذا تتبعنا تاريخ التحكيم الدولي القديم  فنجد انه عرف منذ أن وجد الإنسان على الأرض ولعل النزاع بين قابيل وهابيل على أيهما أحق بالزواج من شقيقتهما وكان الحل المقبول منهما هو الاحتكام إلى السماء وهى الصورة البدائية للتحكيم وقد عرفت الحضارات القديمة التحكيم فكان القانون السومري قد عرف نظاما للتحكيم شبيها بالقضاء حيث كان يتوجب عرض النزاع على محكم عام كما أن الحضارة اليونانية قد عرفت التحكيم في تشريعاتها، وكذلك عرف التحكيم في القانون الروماني وفي مزايا التحكيم قال أرسطو "أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء  وذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بما يظهر له من التشريع"، وقد عرفت اليونان القديمة والهنود القدماء و الصين بالتحكيم ، و قد أقر بين القبائل العربية التحكيم ووضعوا له قواعد تتشابه مع القواعد الموجودة في عصرنا الحاضر ثم نجد في الجاهلية الأولى كان المتنازعون يلجئون إلى شيوخ القبائل وزعماء العشائر من أجل حل الخلافات والمنازعات التي تنشأ بينهما عن طريق التحكيم باعتبار ذلك الشيخ أو الزعيم محكما فيما بينهم وكان لحكم هذا المحكم من القوة الأخلاقية ما يجعل جميع أطراف النزاع يحترمون هذا الحكم ويمتثلون له ويقبلون به ، وقد عرف العرب التحكيم عن طريق ما يسمى "المنافرة" حيث كان الطرفان يحتكمان إلى محكم لحسم النزاع بينهم بمسائل كالشرف ثم جاء الإسلام والشريعة الإسلامية أجاز التحكيم بالدعوى المتعلقة بحقوق الناس ولعل أبرز صور التحكيم عند المسلمين هي التحكيم عند نشوب خلاف بين الزوجين التي حضت على حل النزاعات عن طريق التحكيم وقد شجع عليه القرآن الكرم بآيات عديدة وأن أصل التحكيم في الشريعة الإسلامية يعود إلى ما جاء في سورة النساء ((وإن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما))ليدل على أن التحكيم اتفاقي واختياري ولأطرافه حق الرجوع عنه قبل صدور الحكم فإذا صدر فهو ملزم لهم ولهم عزل المحكم قبل صدور الحكم ومن أدلة التحكيم في السنة النبوية المطهرة عن أبي شريح أنه كان يسمى أبا الحكم فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم: إن الله هو الحكم، وإليه الحكم (فلم تكنى أبا الحكم؟) فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: - رسول الله صلى الله عليه وسلم-: ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟ (قال: لي) شريح، ومسلم، وعبدالله. قال: فمن أكبرهم؟ (قال) قلت: شريح، قال: فأنت أبو شريح رواه أبو داود ثم تجلى التحكيم في إطار القانون العرفي البحري في أوروبا في القرون الوسطى والممارسة البابوية و في التاريخ الحديث  يعود التحكيم إلى معاهدة Jay Treaty بعام 1794 بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وهى  معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة تنص على إنشاء ثلاث لجان مختلطة تتكون من راعية أمريكيين وبريطانيين بأعداد متساوية تهتم بتسوية المسائل العالقة بين البلدين وبما أنه لم يكن من الممكن حل عن طريق التفاوض .
 ونجد المادة 33من ميثاق الأمم المتحدة يسرد الطرق التالية من أجل التسوية السلمية للمنازعات بين الدول وهى المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلى الوكالات أو التكتلات الإقليمية حيث يسمح من  خلالها بحل نزاعهما بتدخل طرف ثالث محايد بحيث يمكن التوصل إلى تسوية ملزمة ينطبق الشيء نفسه على التسوية القضائية (الطريقة التي تطبقها محكمة العدل الدولية) إلا أن محكمة تخضع لقواعد أكثر صرامة من هيئة التحكيم ولا سيما في المسائل الإجرائية ،حتى وجدنا الدول تبرم معاهدات التحكيم العامة لتسوية أنواع محددة من المنازعات بينها .
ومن المعروف أن التحكيم يطلق عليه بعض الفقهاء القانونيين «القضاء الخاص» وذلك لأنه لا يدخل في تشكيله أي في تشكيل محكمة التحكيم سلطان الدولة ونفوذها رغم تطبيق قوانينها، ويرأس محكمة التحكيم محكمون. 

رئيس وحده مكافحة الجريمة الالكترونية والمعلوماتية التابعة لخبراء الملكية الفكرية بالنقابة العامة لمستشاري التحكيم 
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق