Ads

على مشجب


 ذرعت الحجرة ذهابا وإيابا وهي تفكر فيما ينتظرها  ...

كانت قد تركت معطفها القديم الضخم الذي كان يدثرها من البرد واللسعات المنفلتة التي توخز العظام وهي لم تعد تحتمل المزيد من الوخز فعظامها ملتهبة كروحها تماما .

كان المعطف مهيبا كبيرا متسعا وكان اتساعه يمنحها حرية فريدة لإنثناءات الجسد من تحته ولكنه يعطي مجالا أكبر لتسرب لسعات البرد الواخذة.. كم تمنت معطفا محبوكا  يقيم أودها ويمنحها الدفء والدعم أكثر من ذلك ولو قيد جزء من حركتها.

كان المعطف مهترئا من الداخل، خشن البطانة على عكس ظاهره المهيب الناعم الفضفاض.

ومع كل انثناءة أو حركة كانت بطانته الخشنة الجافة تجرح جزء من جلدها المتورم بسبب الالتهاب.

ضاقت به ذرعا رغم أنها لاتملك معطفا غيره ولا تستطيع أن تدبر ثمن معطف آخر في هذا التوقيت.

ولكنها لم تعد تحتمل...

فتركته قابعا في خزانة ملابسها محمولا على مشجب أنيق إكراما لأيام كان فيها سببا أساسيا للدفء والحماية رغم أنها كانت أيام قليلة ومحسوبة من مجمل عمره معها.

في الغد ذهبت لتشتري معطفا آخر وهي تعلم أنها قد لا تستطيع، ولكنها على أية حال ستستمع بالمشاهدة فالمعاطف كثيرة ومحال الملابس تحتفي بها وتضعها في واجهات المحلات...المعاطف كثيرة ومتنوعة الألوان والأنسجة..أخذت تفكر وتملكتها الحيرة وهي تتساءل عن أي معطف يصلح لها من حيث اللون والنسيج .

هل تختار معطفا أرجوانيا كالذي كانت تحلم به في أيام مراهقتها؟! 

تلك الأيام التي لم تعش فيها لحظة مراهقة واحدة كرفيقاتها وكأنها ولدت كبيرة رزينة على قدر كبير من النضج الذي دفعت ثمنه لاحقا.

منذ طفولتها تقيدها المعاطف عن حلم البلل والانطلاق تحت المطر بحجة الحماية من البرد وكانت تمتثل لا عن قناعة ورضا ولكن عن خوف من الوهن والألم والمرض.

أم تراها تختار معطفا ذهبيا مطعم بالفراء الناعم يحتضنها في ليالي البرد ويمنحها دفئا ناعما حرمت منه سنوات وهي ترتدي معطفها القديم الخشن.

ولكنه معطف يحتاح لحياة مرفهة وأماكن راقية لن يصلح للعمل ومشاوير الجهد والعناء التي تعد جزء لا يتجزأ من حياتها...حتما سيتمزق ولن يحتمل ما تحتمله هي.

فكرت مليا وقررت أن الصدفة لابد وحتما ستجمعها بمعطفها المنشود الذي يصلح لحالتها وظروفها وقدرتها وأنه سيجذب عينيها عندما تقع عليه دون تردد.

سارت كثيرا تبحث وتجول بعيونها في واجهات المحلات باحثة عن حلم الدفء المخبأ في طيات معطف جديد يحمل طزاجة وفرحة ورونق الجدة ودفء الحلم.

تعبت وشعرت بعظامها تتكسر من الألم فجهد البحث وعناء التفكير رفاهية لا مجال لها مع ألم يسكن البدن وإلتهاب يسكن العظام ولكنها وياللعجب ضريبة ضرورية لتجد المعطف المناسب الذي يساهم في شفاء كل هذه الآلام وربما ينهيها....وربما تظهر له عيوب هو الآخر  تؤذيها بشكل أو بآخر من جديد.. من يعلم؟

مازال الخوف ومازالت الحيرة وتردي حالتها يسيطرون على الموقف يجثمون على صدرها ويكبلون حلم الراحة والدفء.

ظلت سائرة حتى وجدته ...كان متواريا وكأنه خجلا في جنبات أحد المحال، تطل ياقته الفروية التي تشبه فراء النمر، خطف قلبها دون تردد وصلت إليه ومدت يدها لتأخذه في سعادة غامرة وارتياح بالغ، ولكن لسوء الحظ إمتدت له يد سبقتها وأسرته وأخذته راحلة أمام أعينها دون التفات.

نغزات الوجع فاقت لسعات البرد وآلام الإلتهاب...فقد فقدت حلم الدفء الأخير.

وعادت تتجول مع الحيرة يمتص رحيق روحها الإنتظار كلما مر الوقت وهي تتجول باحثة عن حلم أخير للدفء يصلح للتحقق.

رانيا ثروت


0 تعليقات:

إرسال تعليق