أود إخباركم أولا أن أمي لا «تشحت» استسهالا للرزق ولا تفترش الأرض من باب زيادة الدخل لكن مأساة أمي أنها ولدت فقيرة والفقر في هذا الزمان مرض يستعصي الشفاء منه هكذا تقول امي....
أمي منذ رأيتها وهي حزينة كنت أظن أنها ستضحك في العيد أو حينما يكون لها حفيد لكن ضاعت ملامحها في كثرة التجاعيد.. وخطوط الزمن على وجهها
كانت أمي تردد في كل محنها «ما ضاقت إلا ما فرجت» لكنها كانت ومازالت تضيق وتضيق عليها وهي تحبس دمعها... امي انتظرت الفرج اكثر من سبعين عاما على باب دارها لكن لم يأتي ولم يجيئ ساعي البريد منه بخبر في أول كل شهر كانت تخرج تتكئ على همها ومعها «سرك قديم وختم» وتقول «أنا رايحة أصرف المعاش»، وحينما كنا نعرض عليها الذهاب معها كانت ترفض لكن أي معاش هذا الذي مازال يصرف الآن بـ«سرك وختم»، كانت أمي تعود وتقول: «قالولي تعالي بكرة.. تستمر هكذا أسبوع أو أسبوعين»، قبل أن تعطيني مصاريف الشهر وتعطي شقيقاتي مصاريف الدروس وتشتري بعضا من طحين ودقيق وزيت للبيت ثم تخبرنا أن معاش أبينا الذي مات قد نفد لهذا الشهر فنتحمل حتى يأتي ميعاد خروج أمي بـ«السرك»،
اليوم غيرت مكان ركوب محطتي للمترو وقررت أن أسير ثلاث محطات حتى لا أدخل في شريحة أعلى وإذ بي أجد سيدة تفترش الرصيف هي أمي؟؟ لا لا.. نعم هي أمي «تشحت» لتعطينا المصاريف فأبي الذي مات ليس له معاش وأمي ليس لها قدرة على العمل... أمي سيدة عجوز....
وقفت على مسافة أبكي..
لم أذهب إليها خشيت من ردة فعلها.. خفت أن أزيد وجعها؟
بل خفت أن تراني وتعرف أنني أمشي لثلاث محطات حتى لا أخل بالميزانية فتشحت أمي طوال الشهر بدلا من أسبوعين.. آه من عجزي عن حفظ ماء وجهك يا أمي.. بعدما التقينا بالمنزل وجدتها تزيد المصروف وتقول: «خد هذه زياده بالمصروف علشان تذكرة المترو غليت يا ضنايا».
امي ما أعظمك وما أكرمك...
0 تعليقات:
إرسال تعليق