Ads

معزي تسليم الإرهابيين أنفسهم للشرطة

الدكتور عادل عامر
الإرهاب هو عمل مجموعات غير شرعية تسعى، من خلال بث الرعب، إلى إنتاج حالة من الاضطراب بين السكان تساعدها على تحقيق أهدافها، حيث سيفقد المواطنون ثقتهم بقيادتهم شيئاً فشيئاً، ويخشون الغد، ويعيشون كل يوم بيومه. إذاً.. أصبح الإرهاب وسيلة فاعلة لإسقاط الحكومات (شرط أن يكون الإسقاط هو الهدف الوحيد!)، أو لخلق الفوضى بكل بساطة، وعليه.. فهو القوة الموجهة الأساسية لتشجيع ظهور عقيدة جديدة. إنه يسمح بالاعتراف بحزب أو حركة، أو ظهور دولة جديدة أحياناً، وينتزع اعتراف الشعب بها. تفتح وسائل الإعلام الباب على مصراعيه أمام إمكانيات التواصل، وتمرير رزمة من الرسائل الأكثر إثارة للهلع - كقتل السجناء على الهواء مباشرة - إلى أعرض آمال الجماهير التي تشعر أنها قد أقصيت. لم تدرك الولايات المتحدة الأمريكية خطر الإسلاميين إلا متأخرة، إذ اعتبرت قيادة الأركان الأمريكية، ولمدة طويلة، أن الأمر بتعلق بمشكلة فرنسية ثقافية وتاريخية مرتبطة بالاستعمار الفرنسي، وبالاستقلال القسري عنه. كانت المخابرات المركزية الأمريكية CIA تقيم علاقات جيدة مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية أثناء حرب الاستقلال، ومنذ بضع سنوات خلت، كان بن لادن نفسه مقرباً من المخابرات المركزية الأمريكية، ويتم " التعاطي " معه. جرى، في إحدى المراحل، تجهيز مجموعات مسلحة لتقاتل ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وللتدخل في الأراضي الأفريقية لتثبيت، أو زعزعة استقرار، هذا النظام أو ذاك، وتسليح وإرشاد جيش صدام حسين في حربه ضد إيران. لعبت جميع البلدان الأوروبية لعبة خطرة، وتقودنا بعض الأحداث إلى توقع خطر كبير، أو مؤامرة دولية، أو حرباً خفية بلا هوادة. دعونا نتذكر أن أول اعتداء على برج التجارة العالمي، عام 1993، قامت به الجماعة الإسلامية/ ونجم عنه سقوط أكثر من ألف جريح. الإرهاب مسألة معقدة لا يمكن تناولها بشكل شامل في بضع صفحات، ونظراً للفيض الهائل من المعلومات، التي تصلنا اليوم عبر وسائل الإعلام، يجب أن نحاول فرز الأساسي عن " الثانوي "، وفصل المعلومة التي قد تكون هامة، ولا يؤبه لها، عن تلك التي تحتل المشهد. إن مصر كانت مؤهلة لأن تصبح مثل ليبيا، لولا تماسك المؤسسات بها، لان الجماعات الإرهابية مسلحة بأسلحة ثقيلة، واستخدمتها في عدد من العمليات في الفترات السابقة. أن الواقع يظهر أن طرفي الصراع لا يبديان حرصا على التوافق رغم أن خطابهما حافل بالمفردات التي توحي بذلك، لان المسؤولية الأكبر تقع على عاتق السلطات.لذلك بعد أن شعر الإرهابيون بنجاح مداهمات الشرطة والجيش في سيناء وأنة لا مفر من تسليم بعضهم للجيش حماية لأنفسهم من المواجهة وضياع دمهم وقلتهم في ظل مواجهة غير متكافئة فكان لامفر من تسليم أنفسهم لاينئوا بانسفهم من الهلاك والدمار وقد تحتاج مصر للاعتماد على عقيدة الحرب المركبة ضمن سياساتها الدفاعية .. فلا نستبعد محاولات للهجوم على مصر بأشكال مختلفة من الإرهابيين والعصابات والدول .. وفي ذات الحرب المركبة تشمل العمل الجاد من استغلال الموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية للدفاع عن نفسها والسعي لعمل حروب إعلامية إستباقية وبناء المصائد الإعلامية واستهلاك قواهم في معارك إعلامية سبق اصطيادهم بها والحرص على رفع روح المواطنة والانتماء وتوعية المواطنين ضد المخاطر الحالية ورفع مستوى الوعي وإدراك معنى الحروب بأجيالها المختلفة والتجهيز على الفور جيش مصر لمراحل حروب الجيل السادس ورفع تقنياته لمواجهة حروب الجن .. رغم وصول الإخوان للرئاسة فى يوليو2012 الا ان افتقادهم للثقة فى قدرتهم على الإستمرار دفعهم للبحث عن منطقة يمكن لهم اللجوء اليها بعيداً عن مطاردة السلطات الجديدة فى حالة خروجهم من الحكم ، وبالطبع فإن سيناء هى أفضل اختيار يحقق هذا الهدف فى ظل توافر عدد من الإعتبارات الموضوعية
 ولذلك فقد شجعت جماعة الإخوان المسلمين الجهاديين المصريين بالخارج على العودة للبلاد مرة أخرى ، كما سمحت بدخول العناصر المتطرفة دينياً من مختلف الجنسيات بما فى ذلك المدرجين قوائم منع او ترقب وصول بمعرفة أجهزة الأمن ومن بينهم  عناصر تنتمى الى تنظيم القاعدة ، حيث اتجهوا للتمركز بسيناء التى تحولت تدريجياً الى مركز تجمع وتدريب لقرابة (30) من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية ابتداء من “التوحيد والجهاد” و”أنصار السنة” و”التكفير والهجرة” وانتهاء “بالقاعدة”
 وقد كشف تقرير للمخابرات الألمانية نشرته صحيفة “هيرالد تريبيون” الأمريكية  أن مصر تتصدر الأماكن المفضلة للميلشيات المسلحة للتدريب، على مستوى العالم بعد أن كان إقليم “وزيرستان” بباكستان هو المقصد المفضل لدى هذه الجماعات. وأعربت المخابرات الألمانية عن قلقها الشديد إزاء النمو المتزايد لعناصر المتشددين الإسلاميين في مصر معتبرة إياه تعزيزا لموقف أنصار هذه الميليشيات في أوروبا، لافتة إلى أن هذه الجماعات سريعة النمو ولها تأثير كبير على باقي الجماعات المتطرفة في العالم. ولاشك فى ان استغلال مثل هذه الظاهرة ضد مصر يمكن ان يشكل تهديداً لوضعها الدولي وموقف المجتمع الدولى منها خاصة فيما يتعلق بإدعاء وجود تهديدات محتملة لقناة السويس وعمل ترتيبات دولية لحماية الممر الملاحي الدولي.
ومما يزيد من خطورة تلك الظاهرة على الأمن القومي المصري اندساس أعداد كبيرة من عملاء الموساد وسط هذه الجماعات ، حيث يأتمرون بأوامر تل ابيب وعلى استعداد تام لتنفيذ كل ما يطلب منهم  ، فضلاً عن وجود عناصر أخرى تنتمى لمنظات فلسطينية تعادى حركة حماس فى غزة ويهمها قطع حبال الوصال بين حكومة حماس فى غزة والحكومة المصرية. وقد حاولت بعض القيادات السلفية التوسط وإجراء مصالحة بين السلفية الجهادية فى سيناء والدولة ، ونجحت فى ذلك بالفعل ، وخرج الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية فى منتصف ابريل 2013 ليؤكد إن الدعوة السلفية توصلت بالفعل لاتفاق مع الجماعات المسلحة بسيناء لتسليم أنفسهم وأسلحتهم بشرط حسن المعاملة ، لكنه عندما تم عرض الاتفاق على رئاسة الجمهورية ردت: “إحنا هنتصرف”!! ونتيجة ذلك فى مجمله ان تكررت حوادث الأرهاب والخطف والقتل للجنود المصرين فى عهد مرسى بصورة زادت عن 12 حادث أرهابى إلى جانب حوادث خطف السياح والحوادث القبلية الحادث الأبرز كان “مذبحة رفح ” التى وقع ضحيتها 16 جندى مصرى فى 18 أغسطس  2012 ، ورغم ان القوات المسلحة قامت بشن العملية “نسر”  وتمكنت من القبض على 7 مسلحين من بينهم أحد المشاركين فى المذبحة “محمد ابو شيته” وقتل 11واعتقال 32 من العناصر الإجرامية ، الا ان  العملية توقفت بتعليمات الرئاسة. والغريب ان ثانى ابرز تلك الحوادث – وهو اختطاف الـ6 مجندين مصريين من قوات الأمن المصرى واحد العسكريين يوم 16 مايو – أشارت كافة الدلائل الى تورط أقارب ابوشيته فى تنفيذه بهدف الإفراج عن المذكور ، وقد أصرت قيادة الجيش على سرعة التحرك وشن عملية عسكرية خاطفة ضد الإرهابيين، الا ان الرئاسة طلبت وقتاً للوصول الى حل غير عسكري من منطلق “الحرص على سلامة الخاطفين أسوة بالمخطوفين على حد قول الرئيس” ، وكان لافتاً تأييد جهاز الأمن الوطني لمقترح الرئاسة ، في حين أيدت المخابرات العامة اقتراح الجيش ، وانتهت العملية بسيناريو بالغ الغموض أفرج بمقتضاه عن المخطوفين ، ولم يتم القبض على الخاطفين ، بل ان ضابط الأمن الوطنى “الرائد محمد ابوشقرة ” الذى اوفد الى العريش لتتبع الخاطفين قد تم إغتياله فور وصوله فى كمين نصب له ، وسط شكوك حول تورط مسئولين بالرئاسة فى تلك العملية!!
وفى محاولة لتجفيف منابع الإرهاب والسيطرة على منافذ تهريب العتاد والسلاح والأفراد بدأت القوات المسلحة فى إطار العملية “نسر” فى تدمير وإغلاق الأنفاق التى تربط قطاع غزة بمصر ، الا ان الرئاسة وبضغط من حماس قامت بوقف هذه العملية ، واضطر الجيش الى استخدام اسلوب آخر فى محاولة لتحقيق هدف الإغلاق دون مخالفة تعليمات الرئاسة وهو يعتمد على إغراق هذه الأنفاق بالصرف الصحى فيصعب الإنتقال داخلها وربما تهدم جدران بعضها .. واقعة غير مسبوقة فى التاريخ ان رئاسة الدولة تلعب ضد شعبها وتتخذ من الإجراءات مايمس الأمن القومى .. ألا تكبرون ؟!

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق