الناقد شعبان يوسف
أعتقد أن اعتصام المثقفين قد أتى بثماره الناضجة والإيجابية ، وإذا كان البعض يرون مقياس النجاح هو تحقيق المطالب المرفوعة ، فهذا مقياس خاطئ ، لأن ماحدث من نتائج يفوق ماهو كان مطلوبا ، وكان المطلب الأول للمعتصمين هو إقالة وزير الثقافة الذى اعتبر أن وزارة الثقافة عزبة خاصة لسيادنه ، فراح يتصرف فيها باعتباره صاحبها والمتصرف فى شئونها ، وكان أول قرار اتخذه هو إقالة الدكتور أحمد مجاهد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب ، وعلل ذلك بأن مجاهد هو الذى أقال نفسه من منصبه عندما كتب على صفحته بالفيسبوك أنه فى منزله حتى إشعار آخر ، وبعضنا لام مجاهد على هذه الجملة الاعتراضية التى أغضبت السيد الجديد للوزارة ، ولكن بعدما تأكد للجميع أن مرض الاستبعاد والإقصاء والمحو والإلغاء متأصل فى طبيعة السيد الجديد للوزارة ، اقتنع بأن مجاهد لم يخطئ ولا يحزنون ، لأن ماكينة الإقصاء راحت تعمل بقوة غير عادية ، فطالت الدكتورة إيناس عبد الدايم رئبس دار الأوبرا المصرية ، وكذلك الدكتور عبد الناصر حسن رئيس دار الكتب ، ثم رئيس قطاع الفنون التشكيلية ، ثم أربع قيادات وسيطة ورؤساء إدارات مركزية فى دار الكتب ، وهكذا وهكذا كان أعراض المرض تستفحل وتنتشر بقوة فى عزبة السيد الوزير ، لذلك كانت تحركات المثقفين سريعة وحادة ردا على هذه التصرفات العنيفة ، عملا بقاعدة "العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم" وانتهت هذه التحركات بالاعتصام السلمى الذى شارك فى بدايته كتاب وفنانون كبار من طراز بهاء طاهر وصنع الله ابراهيم وخالد يوسف ومحمد العدل والناشر محمد هاشم والمخرج أحمد ماهر والشاعر سيد حجاب والمخرج مجدى أحمد على وغيرهم ، والذين كانوا أمام وزارة الثقافة فى ذلك اليوم فى شارع شجرة الدر ، والمبنى عبارة عن فيلا قديمة يطل أحد جوانبها على شارع شجرة الدر ، وجامب آخر يطل على النيل ، وكان المعتصمون يقفون على السلم الداخلى يشيرون بأصابعهم معلنين علامة النصر ، وكان هناك من يهتفون للتضامن مع هذا الفعل ، وعلى الجانب الآخر ، وعلى طرف سور الوزارة كان بضعة أشخاص يقفون لتأييد السيد الجديد للوزارة ، ويرفعون شعارات من طراز "طهر طهر ياعلاء " وهكذا ، وكان هؤلاء يقفون بجوار سماعات ضخمة ، ورغم ضخامتها لم تفلح فى إسكات هتافات الطرف الآخر الذى كان يتزايد لحظة بعد أخرى ، حتى أن رحل المؤيدون وهم يجرجرون أذيال الهزيمة التى لم يفكروا فيها أصلا ، لأنهم يعتقدون طوال الوقت بأنهم القوة القاهرة أمام هؤلاء المثقفين ذوى العظام الطرية ، والحقيقة كانت تكمن فى أن هؤلاء المثقفين كانوا يملكون الحق والحقيقة ، وكانت تساندهم من حشود الفنانين والمثقفين والمبدعين والكتاب ، وكان هذا اليوم الأول ملحمة كبيرة فى سجل الثقافة المصرية والمثقفين المصريين ، وكان هذا وحده انتصارا حقيقيا فى وجه الفاشية المسلحة بالفوضى والبلطجة ، تحت عناوين براقة ، مثل التطهير ومقاومة الفساد ، ولكن هذه العناوين لم تتجاوز سوى أنها عناوين ، ولم يظهر لنا السيد الوزير حتى الآن أوراق هذا الفساد ، ونحن نتمنى ذلك ، أنا شخصيا سأكون سعيدا عندما سيفعل ذلك ، واستمر الاعتصام بكل تجلياته الإيجابية العظيمة ، رغم أن هناك مناوشات وسلبيات ومحاولات ركوب الاعتصام بأشكال مختلفة ، ولن أتحدث إلا عن مشهد السيد البدوى رئيس حزب الوفد وهو يدخل مبنى الوزارة مصطحبا الكاميرا الملاكى "بتاعته" لقناة الحياة ، كذلك مجموعة كبيرة من البوديجاردات تحسبا لأى شخص يشرع لضربه أو التعدى عليه كما حدث من قبل ، وجلس البدوى وراح يتحدث عن القوى الناعمة التى تملكها مصر الخ الخ ، وكانت تداعيات أفعال هذا الرجل تترجل فى رأسى ، وأكثرها سطوعا هو تحالفه مع الجماعة فى مرحلة ما من مراحل الثورة ، لذلك اندهشت عندما تم طرد عصام شرف الذى جاء محمولا على الأعناق من ميدان التحرير إلى مجلس الوزراء ، الاندهاش هنا هو أن الاعتصامات ليست لها شروط عضوية ، فكل من يدعمنا ويؤيد مطالبنا دون التدخل فى شأننا فشكرا له ، بعيدا عن أفلام الاستعراض الواضحة تماما للبعض من عاشقى الوقوف أمام الكاميرات ، فقد يأسنا على المستوى العام من التخلص من هذه النماذج ، وستظل تلازمنا طوال الوقت ، وكذلك ستجنى هذه النماذج ثمارا خاصة على المستوى الإعلامى ، كما حدث مع القورة تماما ، هناك من صنعوا الثورة ، وهناك من يجنى الثمار ، وهؤلاء الذين يجنون ثمارا مختلفة يحترفون هذه المهنة ، ويظهرون فى الأوقات المناسبة ، وسوف نكشف عنهم ، وسوف تسقط أقنعتهم بعد قليل ، هؤلاء الذين يخرجون من عندك ، ليذهبوا هناك لتأدية فروض الطاعة ، وهم يسحبون أيديهم من يدك ، حتى يضعونها فى يد الخصوم والأعداء.
0 تعليقات:
إرسال تعليق