القضاء في أمريكا ليس أقل شموخا من مثيله في بلادنا، و سواعد رجال الشرطة هناك مفتولة كسواعد رجال داخليتنا. وعلى المحتجين هنا أو هناك أن ينفخوا صدورهم بالهواء بعد أي صيحة استهجان في الوجوه العابسة، لأنهم قد لا يتمكنون من التقاط أنفاسهم بعدها. في أمريكا، تسقط المواطنة بضغطة ساعد، وتزهق الأرواح التي لم تتلون بلون الأجساد المهاجرة دون حساب لأن القضاء الأمريكي الشامخ قادر على لي ذراع القانون ورقبته وإخراج الساهرين على أمن المواطن من الباب الخلفي للتشريعات.
يوما، خرج إريك غارنر يحمل أكياسا من التبغ تحت إبطيه، وقدمين لا تكادان تحملانه، لكنه لم يعد في المساء لزوجته بشيء، وكان على المرأة "الملونة" أن تستلم جثة باردة كالثلج من إحدى مستشفيات نيويورك. كانت "الزنجية" التعسة تمني نفسها بمرق لذيذ، وكأس من النبيذ المعتق وليلة حب دافئة، لكنها لم تكن تعلم أن ضريبة بيع التبغ فوق أرصفة المدن الباردة كسر الحناجر. كانت المرأة تعلم أن زوجها المغدور يساهم بشكل فعال في تلويث عشرات الرئات في الأحياء المجاورة، لكنها كانت تعلم أيضا أنه لم يصادر أبدا حق أحد في التقاط أنفاس صدأة كما فعل معه الضابط بنتاليو.
كانت عينا غارنر الجاحظتين تلفظان نظرة وداع، وكانت انفاسه المتسارعة تستجدي أي قدر من الهواء، لكن بنتاليو لم يلتفت إلى استغاثاته المتوقعة، وظل يضغط بما أوتي من قوة فوق حنجرته حتى استل الريو روحه في صمت من المارة مريب. حتى فيديو الفوتوشوب والذي شاهده عشرات الآلاف من الأمريكيين في أيام معدودات لم يكن كافيا لإقناع قاضي القضاة بإدانة بنتاليو. وهكذا، خرج ذو الأكتاف العريضة من وراء القضبان ليمارس دوره المعتاد في حماية المواطن الأمريكي من كل من أراده بتبغ ملفوف أو مستورد.
يستحق غارنر الذي تهرب من ضرائب التبغ عن سابق إصرار وترصد أن يرحل في صمت، وأن يوارى جثمانه الثرى في جنائزية باردة ومتكررة جزاء وفاقا لمن خان الوطن، فقد اعتاد المجرم (لا سامحه الله) أن يبيع لفافة التبغ بأربعة عشر دولار كاملة فوق أرصفة فرجينيا! كما استطاع أن يتهرب من ضرائب المواطنة وأن يكون ثروة مكنته من البقاء خارج زرائب الخنازير ردحا من الزمن ! أما بنتاليو الطيب، فيمكنه أن يمارس بياضه بهمة كيفما يحلو له في مجتمع اختلطت فيه الألوان طويلا دون أن تذوب.
في أمريكا، يسقط بائعو التبغ وإن طال بقاؤهم فوق أرصفة المواطنة، لأن سواعد نيويورك المفتولة قادرة على سحق أي حنجرة ترفع أنفاسها المتحشرجة فوق صوت الوطن. والقانون في بلاد الحرية لا يحمي أصحاب الجلود الملونة والأنفاس الممزقة والأسنان الصفراء. ولا عزاء فيمن باع سجائر الوطن "فرطا" دون أكشاك مرخصة. وكان الله في عون بنتاليو ورفاقه الذين يحاولون اليوم رد الملونين إلى ثكنات ما قبل الثالث من ديسمبر.
لماذا يتوافد الناس اليوم على ميادين نيويورك ومدن الجوار ليطالبوا بالثأر لزنجي أسود خان الوطن جهارا فوق الأرصفة، وباع التبغ غير المرخص دون إذن من ولي الأمر، وأصيب بالربو دون أن يخطر شرطيه القرين بوضعه الصحي البائس؟ صحيح أن نسبة ذوي الحلوق المهشمة من ذوي الجلدة السوداء تتجاوز نسبة أمثالهم من ذوي البشرة البيضاء بأربعة أضعاف، لكن الأرقام وحدها لا تعني الكثير بالنسبة للمشرع الأمريكي المحنك. فلربما امتلك السود حناجر أضعف من تلك التي منحها الله لمواطنيهم البيض، من يدري؟
الشرطة والقضاء في أمريكا "إيد واحدة". والمظاهرات التي تندلع اليوم في ضلوع الوطن الحر كنار الهشيم لن ترد حكم المحكمة، فلا سلطان في أمريكا لحاكم على قاض، ولا كتف يعلو فوق كتف بنتاليو. وعلى المتضررين من الملونين اللجوء للعنف وقطع الطرق والبلطجة، لكنهم لن يستطيعوا بعد اليوم أن يرفعوا رؤوسهم عاليا لأن سواعد رجال الشرطة الأشاوس ستكون لرقابهم بالمرصاد.
عبد الرازق أحمد الشاعر
يوما، خرج إريك غارنر يحمل أكياسا من التبغ تحت إبطيه، وقدمين لا تكادان تحملانه، لكنه لم يعد في المساء لزوجته بشيء، وكان على المرأة "الملونة" أن تستلم جثة باردة كالثلج من إحدى مستشفيات نيويورك. كانت "الزنجية" التعسة تمني نفسها بمرق لذيذ، وكأس من النبيذ المعتق وليلة حب دافئة، لكنها لم تكن تعلم أن ضريبة بيع التبغ فوق أرصفة المدن الباردة كسر الحناجر. كانت المرأة تعلم أن زوجها المغدور يساهم بشكل فعال في تلويث عشرات الرئات في الأحياء المجاورة، لكنها كانت تعلم أيضا أنه لم يصادر أبدا حق أحد في التقاط أنفاس صدأة كما فعل معه الضابط بنتاليو.
كانت عينا غارنر الجاحظتين تلفظان نظرة وداع، وكانت انفاسه المتسارعة تستجدي أي قدر من الهواء، لكن بنتاليو لم يلتفت إلى استغاثاته المتوقعة، وظل يضغط بما أوتي من قوة فوق حنجرته حتى استل الريو روحه في صمت من المارة مريب. حتى فيديو الفوتوشوب والذي شاهده عشرات الآلاف من الأمريكيين في أيام معدودات لم يكن كافيا لإقناع قاضي القضاة بإدانة بنتاليو. وهكذا، خرج ذو الأكتاف العريضة من وراء القضبان ليمارس دوره المعتاد في حماية المواطن الأمريكي من كل من أراده بتبغ ملفوف أو مستورد.
يستحق غارنر الذي تهرب من ضرائب التبغ عن سابق إصرار وترصد أن يرحل في صمت، وأن يوارى جثمانه الثرى في جنائزية باردة ومتكررة جزاء وفاقا لمن خان الوطن، فقد اعتاد المجرم (لا سامحه الله) أن يبيع لفافة التبغ بأربعة عشر دولار كاملة فوق أرصفة فرجينيا! كما استطاع أن يتهرب من ضرائب المواطنة وأن يكون ثروة مكنته من البقاء خارج زرائب الخنازير ردحا من الزمن ! أما بنتاليو الطيب، فيمكنه أن يمارس بياضه بهمة كيفما يحلو له في مجتمع اختلطت فيه الألوان طويلا دون أن تذوب.
في أمريكا، يسقط بائعو التبغ وإن طال بقاؤهم فوق أرصفة المواطنة، لأن سواعد نيويورك المفتولة قادرة على سحق أي حنجرة ترفع أنفاسها المتحشرجة فوق صوت الوطن. والقانون في بلاد الحرية لا يحمي أصحاب الجلود الملونة والأنفاس الممزقة والأسنان الصفراء. ولا عزاء فيمن باع سجائر الوطن "فرطا" دون أكشاك مرخصة. وكان الله في عون بنتاليو ورفاقه الذين يحاولون اليوم رد الملونين إلى ثكنات ما قبل الثالث من ديسمبر.
لماذا يتوافد الناس اليوم على ميادين نيويورك ومدن الجوار ليطالبوا بالثأر لزنجي أسود خان الوطن جهارا فوق الأرصفة، وباع التبغ غير المرخص دون إذن من ولي الأمر، وأصيب بالربو دون أن يخطر شرطيه القرين بوضعه الصحي البائس؟ صحيح أن نسبة ذوي الحلوق المهشمة من ذوي الجلدة السوداء تتجاوز نسبة أمثالهم من ذوي البشرة البيضاء بأربعة أضعاف، لكن الأرقام وحدها لا تعني الكثير بالنسبة للمشرع الأمريكي المحنك. فلربما امتلك السود حناجر أضعف من تلك التي منحها الله لمواطنيهم البيض، من يدري؟
الشرطة والقضاء في أمريكا "إيد واحدة". والمظاهرات التي تندلع اليوم في ضلوع الوطن الحر كنار الهشيم لن ترد حكم المحكمة، فلا سلطان في أمريكا لحاكم على قاض، ولا كتف يعلو فوق كتف بنتاليو. وعلى المتضررين من الملونين اللجوء للعنف وقطع الطرق والبلطجة، لكنهم لن يستطيعوا بعد اليوم أن يرفعوا رؤوسهم عاليا لأن سواعد رجال الشرطة الأشاوس ستكون لرقابهم بالمرصاد.
عبد الرازق أحمد الشاعر
0 تعليقات:
إرسال تعليق