الدكتور عادل عامر
إن شرعية النظام السياسي تجد أساسها في قدرتها على الاستجابة لخيارات المواطنين وعلى قدرته على التوافق مع القيم والمصالح الأساسية للمجتمع وكذلك قدرته على الاستجابة لآمال وتطلعات الناس في الحياة الكريمة، أخذًا في الاعتبار إن الشرعية السياسية ليست شيئاً جامدا، بمعنى أنها إما أن توجد أو لا توجد على الإطلاق، وإنما هي عملية قابلة للنمو والتطور أو على العكس قد تكون قابلة للتآكل و الانعدام .
فقد يستولي نظام سياسي معين على السلطة دونما سند من مصادر الشرعية، ولكن بمرور الوقت قد يكتسب هذا النظام مشروعيته من قبول المحكومين به، بحيث يصبح قائماً على الرضا والإقناع، والعكس صحيح فقد يصل نظام سياسي إلى السلطة بطريق مشروع ويكون متمتعاً بالقبول الاجتماعي، ولكنه بمرور الوقت قد تتآكل تلك الشرعية أو يفقدها تمامًا، ما يعني إن الشرعية ليست مكتسبًا وقتيًا تحصل عليه الأنظمة بمجرد تجاوزها الإجراءات القانونية لوصولها لسدة الحكم، وإنما هو مكتسب ينبغي عليها العمل دائمًا من أجل تكريسه والإبقاء عليه.
والعامل الأساسي في إضفاء الشرعية من عدمه هو قدرة هذا النظام أو ذاك على التوافق والانسجام مع قناعات وتطلعات الأفراد الذين يعيشون في كنفه، والشرعية بهذا المعنى أوسع من مجرَّد التأييد أو المعارضة، إذ قد يكون هناك من يعارض السلطة، وقد يتذمر الناس من بعض قراراتها وسياساتها، ولكن هذه أمور طبيعية، بل وحتمية وهي لا تنفي شرعية السلطة، طالما شعر المواطنون أن السلطة في توجهها العام سلطة وطنية منسجمة مع عقيدة وتاريخ وقيم المجتمع، ومخلصة بوجه عام لإرادة الشعب ومستجيبة لتطلعاته.لعل الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أبرمت بين دول المجلس في عام 1981م، تمثل تحولا محوريا في مجال العمل الاقتصادي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أقرت قيام وحدة اقتصادية كاملة بين الدول الأعضاء على أربع خطوات، عبر إقامة منطقة تجارة حرة بينها، وإقامة اتحاد جمركي، وإقامة السوق الخليجية المشتركة، وتحقيق مكتسبات المواطنة التي تقوم على مبدأ أساسي في مجال التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمات، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول الأسهم وتأسيس الشركات، إضافة إلى الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، فتحقق لمواطني دول المجلس المساواة في هذه المسارات. إن أكبر مشكلة تواجه منطقة التجارة العربية الكبرى تتمثل في الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الدول الأعضاء، هو ما أثر على مبادلات المنطقة التجارية، لان القضية في طريقها للحل مع دخول الاتحاد الجمركي العربي إلى حيز التنفيذ بعد إتمام المفاوضات قريبا. • تراكمات الفساد من السنوات السابقة بكل صوره: السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والأمني , ولا يجوز أن نحمل المرحلة الانتقالية كل أسباب الأزمة•عدم الاستقرار السياسي والتأمر والتصادم والحقد والكراهية والأنانية بين التيارات المختلفة، وضياع الثقة وانتشار ظاهرة التخوين. • قلة العمل والإنتاج ما ترتب عليه نقص العرض من السلع والاحتياجات الأساسية للمعيشة للفرد، وانشغال معظم العمال والنقابات بالمطالب الفئوية والاستجابة لبعضها مما أرهق الموازنة العامة للدولة . •التخبط أحيانا في القرارات السيادية سواء على مستوى الرئاسة أو الوزارات أو ما في حكم ذلك بسبب ضغوط التيارات المعارضة وبسبب سياسية الترضية. •سوء إدارة المرحلة الانتقالية في عهد حكم العسكر بسبب عدم الاستقرار السياسي و التفرق والشرذمة بين التيارات السياسية وضياع الأمن وعدم الاستقرار. •انخفاض العائدات من السياحة والاستثمارات بسبب عدم الاستقرار الأمني الراجع إلى الفوضى والعنف والبلطجة. •الشائعات الكاذبة المغرضة المبرمجة التي يثيرها المفلسون والمرجفون سياسياً وشعبياً ومن يعاونهم من الخارج وكذلك بعض أجهزة الإعلام التي تتبع بعض رجال الأعمال من العهد السابق . •تدخل القضاء في السياسة وإصدار أحكاما تعرقل مسيرة الديمقراطية وتؤثر على الأوضاع الاقتصادية . •تغير الوزارات وزارة بعد الأخرى بدون رؤية وخطة واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية , و بدون خريطة طريق وبرنامج موضوعي قابل للتنفيذ للتعافي كذلك فإن هذا التفاوت في أهمية متغيرات المواقف السياسية على طبيعة وتكوين
استعداد صانعي القرارات، بل قد ينبع كذلك من الاختلاف في ظروف تلك المواقف نفسها . فبعض المواقف يكون من الممكن التنبؤ بها وتوقعها مقدماً في حين قد لا يكون ذلك ممكناً بنفس الدرجة بالنسبة لمواقف أخرى. كما أن بعض المواقف قد تكون ضاغطة بمعيار عامل الوقت الذي يتخذ فيه القرار وهو ما قد ينتج عنه إما الحد من مقدرة جهاز اتخاذ القرارات على تجميع كل الحقائق الضرورية والتي تشكل حجر الأساس في عملية اتخاذ القرار، أو تعذر إجراء كافة التحليلات والتقييمات الضرورية لمختلف عناصر الموقف
خطير الذي يحصل في مصر الآن . الكتلة الشعبية التي صبت أصواتها في الانتخابات الرئاسية لمصلحة مرسي من خارج حزب الحرية والعدالة، من الليبراليين والناصريين واليسار والمستقلين، هي التي حسمت معركة الانتخابات وبفارق ليس كبيراً عن المرشح أحمد شفيق المحسوب على نظام الرئيس السابق حسني مبارك . هذه الكتلة لها برامج اقتصادية واضحة أساسها إعادة توزيع الثروة، والعدالة الاجتماعية والدولة الراعية . وتنتظر إصلاحات اقتصادية ومالية واجتماعية لم نلمس شيئاً حتى من عناوينها الرئيسة بعد . والكتلة الواسعة هذه تربط بين إمكان تحقيق ذلك وبين أصول ممارسة السلطة والديمقراطية من خلال المؤسسات الدستورية . ولا فكاك بين تعبئة الموارد البشرية والدعم السياسي والشعبي لأي نوع من الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وبين الاشتراك الفعلي لكل قوى المجتمع وطاقاته في القرارات الاقتصادية من خلال المؤسسات العاملة تحت كنف الدستور . يستوي في ذلك النموذج الاقتصادي الذي ستختاره مصر بعد التغيير، والنظام الضريبي، وتوجهات الموازنة العامة ومؤسسات دولة الرعاية الاجتماعية . لا يحكم بلد بسلطة رؤساء ووزراء ورجال سياسة أياً تكن توجهاتهم . هؤلاء محكومون بسلطة الدساتير والقوانين يمارسونها من خلال المؤسسات الشرعية . وعندها حقوق المواطن وواجباته وليس عند أهواء الحاكم السياسية والأيديولوجية . ومن السخرية والخطورة وصف هذه الكتلة الشعبية الكبيرة بقوى الثورة المضادة من النظام السابق . لا شك في أن الاستثمارات الأجنبية هي موارد إضافية للبلاد والمجتمعات، ولكننا في أحيان كثيرة نحولها إلى أداة للنزف وهدر الموارد بدلا من زيادتها، وبخاصة إن لم ترتبط بالاحتياجات والأولويات الحقيقية، وهي في حالتنا الراهنة تحويل الصحارى والجبال والسهول إلى بيئة اقتصادية وإنتاجية، يتجمع فيها الناس وليس السياح حول مصالحهم، وإقامة غابات ومراع لا لتكون مجمعات من الفيللات والمنتجعات السياحية، ولكن لتقوم حولها صناعات غذائية ودوائية وخشبية، تقلل من الواردات الغذائية، وتعيد صوغ أساليب البناء لتكون أقل تكلفة وبموارد متاحة ومتجددة، فالصحراء قدرنا، ويجب أن نفكر كيف نعمرها، ونحولها إلى بيئة تجتذب معظم المواطنين مثلما هي تشكل معظم مساحة البلاد.
نتحدث في الأردن – وهو مثال قابل للتعميم – عن الطاقة النووية بما تحتاج إليه من موارد وتقنيات مستوردة ومياه غير متوافرة، ونحن نملك موارد هائلة من الشمس يمكن أن تعوضنا معظم – جميع ما ننفقه على الطاقة، ويشكل معظم واردات البلد ويستنزف معظم ناتجه القومي، ونتحدث عن الاستثمارات الأجنبية ونحن نملك فرصا متاحة لنهضة قائمة على الغابات والبوادي والزراعة، وبخاصة أن الأردن يستورد أكثر من 90 في المائة من احتياجاته الغذائية، بل تحول الأراضي الزراعية الخصبة وأحواض المياه الجوفية إلى أحياء سكنية وطرق ومبان، وتترك أراض أخرى تصلح للبناء والسكن.
يمكن بقدر قليل من البداهة والنظر في مشكلتنا الاقتصادية والمائية ملاحظة أن الأزمة ليست متعلقة بندرة المياه ولكن بإدارتها، وبأسلوبنا في تشكيل حياتنا وعلاقاتنا بمواردنا، فيمكن مثلا بالاعتماد على مياه الأمطار فقط إقامة زراعات حقلية وشجرية مثمرة وحرجية وعلفية واسعة في مناطق كثيرة جبلية وسهلية وصحراوية أيضا، ويمكن بإدارة وتجميع هذه المياه توفير فرص كافية للري والشرب للتجمعات السكانية والاقتصادية.
وهناك رغم الأزمة المائية هدر مائي كبير، ويمكن بالمحافظة على هذه الموارد وإدارتها توفير مجالات واسعة للري والشرب أيضا، ويمكن أيضا بحماية المصادر والأحواض المائية والأودية والسيول وتجنيبها الطرق والبيوت والمباني، حماية هذه المصادر والمحافظة عليها، ويمكن بمعالجة مياه الصرف الصحي معالجة أفضل ومتقدمة إعادة تدوير استخدامها.
لم يعد النظر إلى الفقر باعتباره النقص في الموارد والاحتياجات الأساسية تعريفا يصلح لفهم أو حل إشكالية الفقر والتفاوت والظلم الاجتماعي والاقتصادي المتفاقمة، والتي تشمل غالبية السكان والمناطق في أنحاء واسعة من العالم، ولذلك فإن البنك الدولي أعاد تعريف الفقر ومفهومه ليشمل المشاركة العامة والسياسية والحريات والقدرة على إسماع الصوت والعدالة في الإنفاق الحكومي وتوزيع الموارد العامة للدولة على الاحتياجات والأولويات والمناطق توزيعا عادلا، والتعرض للمخاطر كالمرض وقلة الدخل والعنف والجريمة والكوارث والانتزاع من المدارس.
من الواضح أنه تعريف يختلف إلى درجة التناقض مع فكرة ومشروعات تقديم المساعدات للفقراء، ويقتضي حتما أن مكافحة الفقر هي عملية صراع ونضال لتحقيق العدالة الاجتماعية والمشاركة في القرارات العامة والسياسية وتوزيع الموارد العامة توزيعا عادلا على الفئات السكانية والاجتماعية والجغرافية. وهو مفهوم تؤيده أيضا تقارير وإحصاءات البنك الدولي والأمم المتحدة عن التفاوت في الحصص من الاقتصاد والإنفاق العام ومشاركة المرأة وتمكين المجتمعات، فالفقر المرتبط بانخفاض الدخل هو أحد أوضاع الفقر وليس كلها، ولكن من المؤكد أن الحالة المزرية للناس تعود إلى عجزهم عن إيصال صوتهم، وإدارة مواردهم وضرائبهم على النحو الذي يعود عليهم بالتنمية والتقدم، ذلك أن التقارير الدولية تؤشر إلى أن الضرائب والموارد العامة يستفيد منها الأغنياء والمتنفذون، وتحرم منها فئات اجتماعية وسكانية واسعة، وقد يشمل هذا الحرمان في بلد مثل الأردن أكثر من 70 في المائة من السكان، فيكون بعد ذلك الحديث عن المساعدات والمعونات المقدمة للفقراء زيادة في إهانتهم وإفقارهم وحرمانهم، لأنها عمليات وإن كانت مستترة بالشفقة والتنمية والحرص تنطوي على إضعاف المشاركة العامة وغض الطرف عن التفاوت في الإنفاق العام والفساد الإداري والمالي، وضعف بل انهيار الخدمات العامة وإسكات الناس وجذب تأييدهم ضد مصالحهم، في الوقت الذي يمكنهم الحكم الرشيد والإدارة الصحيحة للخدمات العامة من الخروج من الفقر من غير مساعدة، وهو ما يدعو إلى الريبة في النشاط الزائد والمحموم تجاه مساعدة الفقراء مع التقاعس عن رفع سوية المؤسسات الخدمية والمرافق العامة، كيف تصدق هذه الجهود الرسمية والدولية لمساعدة الفقراء في الوقت الذي يدير فيه القائمون على هذه المساعدات عمليات احتكار واسعة للفرص والموارد العامة، ويمنعون التنافس العادل على الوظائف والأعمال، ويدفعون على نحو واع ومبرمج المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية إلى الانهيار؟.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق