وأجهش الشاب الصغير بين يدى وسألنى ما الحب ؟
فقلت له :
الحب فيه شيء من الالوهية !! فالحبيب يرضى منك كل غفوة ويغفر لك كل هفوة مالم تتخذ معه فى قلبك شريكا
فإن الشرك فى كل شيء مقبول ،فى الصداقة والعمل وحياة الناس اللهم إلا فى أمرين حاسمين لايكون :الالوهية والعشق
فإن ادخلت مع المعشوق شريكاً فسد قلبك وبـطـُـل حبك .
والحب كالإيمان يزيد وينقص ، أما زيادته فبصفاء القلب بنور الاخلاص ، والاخلاص تحرقه نار التشوف ولايبرّد حريقه إلا بلسم الرضا
فالحب رزق يرزقه الله للقلوب ومن رضى برزقه سعد قلبه
والحب ينقص باطلاق النواظر ورفع الغطاء عن حيوان الاشتهاء فاعلم أن طائر الحب رقيقٌ وديع ولايحيا ابداً مع ضباعٍ تجول فى الليل فإن اطلقت ضباعك تناقص ريش طيرك حتى يخر صريعاً
والحب كالشهادة .. وجعه ُفرح وألمهُ نبيل ، وكما أن الشهيد يبحث عن الموت فى مظانه غير آبه بنزف دمه ولافقدان حياته فكذلك العاشق لايرتوى عشقه إلا بنزف دم الوله والولع بساحات المحبوب وكلما طال وجده شفّت روحه وسمت جوارحه ، وكلما اطبقت اصابع الشوق على عنقه كلما تجلت حقيقة حبه حتى يبلغ حبه الكمال وساعتها يعاين المحبوب ولو حجبته الجبال والبحار
فيشتم رائحته يقيناً لاخيالاً وتنسال حناياه تعانق وجوده المستحضر بقوة الوجد والجهد والجهاد حتى ينال شهادته حين يتردى عن نفسه ويذوب فى معشوقه
واعلم ان الحب ينتقل بين القلوب لايحجبه حاجب ولايحول دونه حائل مهما تترس منه الخائف وأوجل منه الملسوع
فالحب قدر من أقدار الله يصيب به من يشاء والمؤمن من رضى بالقدر خيره وشره
فبعضه دواء وجـُـله أدواء ، لكنهما يستويان فى حرص صاحبه عليهما !!
فمن ضربه العشق يستمسك به غير راضٍ عنه ببديل داءً كان أو دواءً
ما اعجبه من قدر! ألم اقل لك انه كالايمان والعاشق كالمؤمن امره كله له خير :
فإن اصابه الحب بفـرحٍ شـكرَ فكان خيراً له وإن اصابه الحب بجُـرحٍ صـبرَ فكان خيراً له !
واعلم أن كل ما اخبرتك به ليس هو عين الحب ، لا وأيمُ الله بل هو بعـضٌ مــن بعـضِ آثــاره !!
فالعشـق طيــفٌ لايُــمس ولايُـدرك له كُــنه
إنه كالظل ينزل عليك برداً وسكينه لاتدرى أتفترشهُ من تحتك أم يظللك هو من فوقك
وهو كالنورِ الساطع لاتدرى هل عينك أبصرته أم هو من بصّر عينك
فلاتعــلـم اجئـته أنت أم اصابك هو ؟!
طيفٌ ياحبيب لاتسلنى عن سرِّ سره ، فالحب فى الاشياء لكنه ليس منها يحل بها وليس من طينتها
وكل مادار ببالك فألقه خلفك ولاتكترث فهو بث الشيطان ووحى البهتان
لأن الحب لاتدركه العقول إنما هو مايستـقـرُ بقاعِ النفوس وجوهر الارواح
دون دليلٍ تصدقهُ .. ودون برهانٍ تتبعهُ ، فيحملك إلى بلاد الاتراح والافراح بحولهِ لابحولك وبقوتهِ لابقوتك
الحب سر الله أودعه القلوب .. عجيبٌ هو فلاتجهد فيهِ عقلك .. فهو فى الحياة الشيء الذى ليس كمثله شيء
ولذا كان عاشقٌ يقول لمعشوقـهِ حين عـشقـه : أحـبـــك الحـــب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الجيزاوي
0 تعليقات:
إرسال تعليق