Ads

نظرية الوظائف الاقتصادية للعنف في الصراعات والحروب الأهلية ( لديفيد كين )


بقلم سهام عزالدين جبريل
  تمر القارة الأفريفية ومنطقة الشرق الاوسط  بموجة غير مسبوقة من العنف كنوع جديد من الحروب غير التقليدية  والتى أخذت شكل صراعات دينية وعرقية وفكرية وايدلوجية ، واصبحت هذه المنطقة بؤرة متوهجة تجمع اشكال جديدة الصراعات ومتغيراتها ومسمياتها المتعددة ، ولان المنطقة لها موقعها الاستراتيحى المتميز والغنية بثرواتها المتعددة ، ومالها من أهمية إفليمية ودولية ، فقد اصبحت للصراعات بالمنطقة وظائف جديدة من أهمها الوظائف الإقتصادية التى نتجت عن حالة الصراع وعدم الاستقرار مما يستوجب علينا كباحثين أن نجد تفسير لهذه الظواهر وتداعياتها واسباب استمراها وتفاقمها والوظائف القائمة التى تدعم حالة الصراع حيث تقسر ذلك نظرية ديفيد كين (نظرية الوظائف الاقتصادية للعنف في الصراعات والحروب الأهلية لديفيد كين) والتى تعتبر واحدة من أشهر النظريات المفسرة للصراعات، وتقوم هذه النظرية على أساس أن هناك وظائف افتصادية تؤديها الحروب والصراعات تساعد على استمرار وانتشارا العنف أثناء الصراعات، حيث يقول كين أنه اكتشف أن الجميع فشلوا في تفسير السبب من وراء اندلاع العنف في أفريقيا فهو يبدأ ويستمر ولا ينتهي، لذلك سعى كين إلى تحليل الصراعات وذلك من خلال الآتي:
أولاً: اقترابات ونماذج تحليل انفجار الحروب الأهلية:
١ - نموذج الحرب الباردة: مفاده أن موجات الحروب الأهلية والداخلية انتشرت في فترة الحرب الباردة، وأنها ارتبطت بالكفاح الثوري وحركات التحرر خلال الفترة ما بين الأربعينيات وحتى الثمانينيات، ومن ثمَّ فإن هذه الموجات ارتبطت بالثورات ضد الاستعمار وعمليات الكفاح الثوري المسلح ضد عدو يراد طرده، إلا أن هذا النموذج فشل في التفسير السبب من وراء استمرار هذه الصراعات بعد أن تم خروج المستعمر.
٢ -نموذج الحرب غير العاقلة أو الشريرة:
هذا النموذج الناجم عن حالة من التشويش في النظام الدولي، وهي الحالة التي نتجت عن انتهاء الحرب الباردة، حيث كانت هذه المرحلة هي مرحلة تحول في النظام الدولي، فبعد انتهاء الحرب الباردة أصبح النظام الدولي يعاني من حالة فراغ لا نهائي، ولم يعد أي طرف من الأطراف الكبرى يدعم الآخرين الأكثر ضعفاً وهو ما كان بمثابة رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن زمن القهر قد انتهى، وأنه من الممكن ضرب النظم السياسية القائمة وأن الحرية أصبحت في متناول اليد، ومن أبرز الأمثلة على نموذج الحرب الشريرة الحرب التي قامت بين البوسنة والهرسك.
٣ - نموذج التركيز على الآثار السلبية للحرب:
وهو النموذج الذي تعتنقه الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ووسائل الإعلام، حيث يقوم على فكرة أن
للحرب آثار تدميرية على الاقتصاد، ومن ثمَّ لا بد من وقف الحرب لمعالجة آثار التدمير الناجم عنها، وهو ما يرتبط بمصطلحي إعادة الاستقرار وإعادة الإعمار.
  وفي إطار ماسبق يرى ديفيد كين أن كافة النماذج والاقترابات السابقة لتفسير السبب من وراء استمرار العنف لم تتمكن من الوصول إلى السبب الرئيسي من وراء ذلك، لا سيما وأنها جميعاً لم تناول السبب الفعلي لاستمرار العنف والصراعات، ألا وهو من وجهة نظره ظهور الاقتصاديات التي تفرزها الصراعات والحروب، بمعنى أن الحرب ما هي إلا استمرار للصراع الاقتصادي بطرق أخرى، فاستمرار الحروب يخدم بالأساس المصالح الاقتصادية لأطرافها، مؤكداً كين على أنه لكي نفهم السبب من وراء استمرار العنف في الحروب الأهلية لا بد لنا أولاً : أن نفهم طبيعة النظم الاقتصادية التي تدعم المتحاربين، وبالتالي يكون السؤال : هو من هم المستفيدون من تلك الحرب ؟؟؟ وليس من هم المشاركين في تلك الحرب ، أي أن السبب الأساسي من وراء استمرار العنف والصراعات والحروب هو السعي للحفاظ على المصالح الاقتصادية المعلقة والمرتبطة باستمرار تلك الصراعات والتي تعرف باقتصاديات الحرب.
ثانياً: أشكال العنف المصاحب للصراعات
١ - عنف من أعلى إلى أسفل:
هو العنف الذي يبدأ من أفراد النخبة، ثم ينتقل للعامة بتشجيع منهم، ومن العوامل التي تشجع هذا النوع من العنف:
أ‌-     ضعف الدولة وعدم قدرتها على بسط سلطتها وسيطرتها على كامل الإقليم والسكان.
ب‌-وجود أزمة اقتصادية تدفع النخبة للجوء إلى استخدام العنف للحصول على ما ترغب فيه من مكاسب اقتصادية.
ج-المنافسة الشديدة من أجل الحصول على الموارد، فكلما زادت ندرة الموارد كلما كان العنف الوسيلة الأفضل لتوزيع هذه الموارد على عدد أقل من المستفيدين.
د-أن يكون النظام ضعيفاً ويعاني من أزمة شرعية، فيلجأ إلى العنف لصرف النظر عن مشكلته الأساسية والتذرع طوال الوقت بأن استمرار العنف هو السبب في كافة المشكلات التي يعاني منها المجتمع، وأن عليه البقاء للتصدي لهذا العنف والقضاء عليه.
2-عنف من أسفل إلى أعلى:
هو العنف الذي يقوم به الناس العاديون البسطاء، أو صغار الجنود، ولهذا النوع أيضاً عدد من العوامل التي تشجعه من أبرزها:
أ-الإقصاء والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي وما يترتب عليه من شعور بالظلم وعدم المساواة.
ب-غياب التنظيمات الثورية والأيديولوجية فوجود هذه التنظيمات يساعد على وجود معارضة سلمية في إطار الدولة.
ج-عتقاد الناس بأنه لا يوجد من يعاقبهم أو يتصدى لهم مهما حدث، ومن ثم مهما قاموا بأعمال عنف فلن يعاقبهم أحد.
ثالثاً: المنافع الاقتصادية للصراعات والحروب الأهلية:
تسود إثنتين من الأفكار المضللة بشأن الصراعات والحروب الأهلية، وهما:
١ - أن الصراعات والحروب الأهلية لها نتائج اقتصادية سلبية بالنسبة للسكان.
٢ - إن الهدف النهائي من الصراع لدى المتقاتلين هو فوزأحدهم على الآخرفي النهاية
وعلى الرغم من وجود نوعين من المنافع الاقتصادية في الحروب الأهلية إحداها طويلة الأجل ، والثانية قصيرة الأجل، إلا أن المنافع الاقتصادية قصيرة الأجل هي المنافع الحاكمة في النهاية وهي ـتأحذ أشكال وأنماط متعددة مثل :-
١ -السلب والنهب: فعندما تكون الدولة غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، خاصةً الجنود، يتم هنا استغلال حالة الفوضى للقيام بعمليات السلب والنهب، وذلك مثلما حدث في أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، كما حدث ذلك أيضاً في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 1996، وكذلك في الكونغو بعد الاستقلال عام 1960.
٢ - حماية الأموال: حيث يقوم من يطلق عليهم لوردات الحرب بحماية الأموال الخاصة بأصحاب المصالح بحماية أموالهم، مقابل الحصول على إتاوات، حيث يعد ذلك سبباً قوياً لاستمرار العنف، لأن توقف العنف سيؤدي إلى وقف انسياب تلك الإتاوات، ومن الأمثلة على ذلك الدور الذي تلعبه شركات الأمن الخاصة في الصراعات الداخلية، والتي استخدمت في العراق وأيرلندا وليبيريا وسيراليون والصومال، وفي موزمبيق عندما كانت إحدى الحركات تحصل على أجر منتظم من إحدى الشركات البريطانية لحماية خط أنابيب البترول في منطقتها.
٣ -حماية التجارة: السيطرة على التجارة واحتكارها تعد واحدة من العوامل الهامة التي تساعد على استمرار الصراعات والحروب الأهلية، لا سيما تجارتي الماس والذهب، فيما يعرف بالأسواق الإجبارية حيث يتم توزيع الموارد من خلال هذه الأسواق بدلاً من الأسواق العادية فيما يشبه السوق السوداء، ومن أمثلة ذلك الاستفادة من رفع الأسعار وظهور من يطلق عليهم اسم أغنياء الحرب، كما يستفيد لوردات الحرب من عدم دفعهم للضرائب نتيجة للفوضى السائدة في البلاد، وكذلك تستفيد قوات المعارضة والتمرد من نقص السلع أو غلاء الأسعار في تصدير المشكلة للحكومة.
٤ - استغلال العمال: فتهديد الأفراد والجماعات يسهل من عملية استغلالهم في العمل كأيدي عاملة رخيصة، وأحياناً مجانية، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى الاستعباد واستخدامهم كرقيق.
٥- الأرض: ففي بعض الصراعات تكون النتيجة تفريغ مناطق بالكامل من سكانها، وهو ما يسمح لجماعات أخرى بالدخول لتلك المناطق والاستيلاء على أراضيها، ثم تبدأ هذه الجماعات في الزعم بملكيتها لتلك الأراضي، خاصة عندما تكون تلك الأراضي تحتوي على ثروات طبيعية، مثل الأقاليم التي كانت تحتوي على مناجم الماس في سيراليون، والتي قام المتمردون بالاستيلاء عليها بعد تكثيف الهجوم عليها من قبل المتمردين لإجبار السكان على تركها.
٦ - سرقة المعونات والمساعدات الإنسانية: حيث يكون العنف واحد من أدوات السيطرة والاستيلاء على تلك المساعدات والمعونات باعتبارها غنيمة من غنائم الحرب.
٧ -منافع الجيش: فكثيراً ما تستفيد الجيوش من من استمرار الحروب الداخلية والصراعات، حيث يتطلب وجود صراع داخلي أو حرب أهلية أن يكون الجيش جاهز بكامل عتاده وعدده، وأحياناً يتطلب الأمر زيادة أعداد تلك الجيوش، بما يترتب على حالة استنفار الجيش من زيادة في المرتباتمن جهة، وزيادة فرص توزيع القادة لتولي مناصب قيادية في أجهزة الدولة المختلفة من جهة أخرى.
٨ - دعم المعارضة: دعم المعارضة من قبل أطراف داخلية وخارجية، حيث يقوم المنتفعين من استمرار الصراع والحرب بتمويل أحد أطرافها ودعمه بالمال أو السلاح، وفي بعض الأحيان يقوم المنتفعين بدعم جميع أطراف الصراع بغرض استمرار الصراع لأطول فترة ممكنة.
٩ -تغريب المدنيين: لجوء أحد أطراف الصراع أو كليهما إلى استفزاز المدنيين حتى يزيدوا من سخط المدنيين على الحكومة.
رابعاً: التدخل الخارجي في الصراعات والحروب الأهلية:
في بعض الأحيان يعزز التدخل الخارجي فكرة العنف الاقتصادي، وللتدخل الخارجي في الصراعات العديد من الأشكال من أبرزها:
١ -  المعونات والمساعدات الطارئة.
٢ -  استخدام القوة أو التهديد بها مثل ما حدث مع قوات الإيكواس في ليبيريا وسيراليون.
٣ -  إعادة البناء والتنمية من خلال منح المساعدات الخارجية والتجارية.
٤ -  تقديم ما يسمى بمساعدات التنمية الديمقراطية.
  وفي هذا الصدد يثور تساؤل هام حول مدى مساهمة المساعدات في دعم العنف، والإجابة تكمن في أنها في بعض الأحيان تسهم بشكل كبير في دعم العنف في الدول التي تعاني من الصراعات والحروب الأهلية، فعندما لا تصل المساعدات الإغاثية لمستحقيها، وتسقط في أيدي المحاربين والمتصارعين، فهي بذلك تفرز العنف خاصةً عندما يكون استمرار العنف في حد ذاته هو وسيلة لاستمرار المساعدات.
وأخيراً مما سبق يتضح أن العنف هو دائرة مستمرة تغذيها مصالح الاقتصادية، ولا بد من البحث عن فكرة من المستفيد من العنف، فالمصالح الاقتصادية مفسر رئيسي لتشخيص الصراع ومعرفة مصادره.
------------------
تحياتى / سهام عزالدين جبريل

0 تعليقات:

إرسال تعليق