Ads

التشريعات الاقتصادية المصرية الفاسدة

الدكتور عادل عامر
إن «للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب وطني على الدولة والمجتمع»( المادة 22) . ثم اكتفي دستور 2014 باعتبار حماية الملكية العامة واجبا وفقا للقانون ( المادة 34 ). وهكذا انتهى الأمر الى حذف أي إشارة إلى المواطن أو الدولة والمجتمع..
و لاشك في ان دستورية حق المواطن أصبحت مطروحة بقوة للبحث والجدل على ضوء إصدار الرئيس السابق «عدلي منصور» قانونا يحد من هذا الحق في مواجهة العقود التي تبرمها الجهات الحكومية. وهو القانون الذي وصف إعلاميا بـ «حماية الفساد».كيف تتمكّن السلطات من شرعنة الفساد والسرقة والامتيازات وانعدام المساواة، بنصوص قانونية موضوعة على قياس حكومة ورئيس جمهورية تارةً، ورجال أعمال تارةً أخرى؟
 لا شكّ في أنّ الفساد والمحسوبيات والسرقة المقننة هي من بين أسباب الانتفاضات الشعبية. لكن سؤال «الملموس» يبقى كاملاً. وسعياً وراء هذا الغاية
ان التشريع المتعلق بالمناقصات والمزايدات (1998) وتعديلاته. وهو قانون يُعتبر من بين التشريعات «المفسدة والفاسدة» بامتياز، لتعلقه مباشرة بالعائدات المالية العامة. وبصدده يمكن ملاحظة معظم مصادر التجاوزات المزروعة في القوانين:
تقويض السلطة التشريعية وترك القرار الفعلي بيد رئيسي الجمهورية والحكومة من خلال سلطتهما بتلزيم المشاريع العامة عبر «الأمر المباشر» من دون اللجوء إلى الأصول المتبعة في المناقصات والمزايدات، وهو ما يهمّش بدوره السلطتين التشريعية والقضائية، ويلغي المنافسة في المناقصات والتلزيمات، ويفتح أبواباً كثيرة للتلاعب والتواطؤ في ظل «حماية القانون». تُرجم ذلك بحصول بعض المحظوظين على ملايين الأمتار المربعة من الأراضي بـ«الأمر المباشر» في المدن الجديدة وعلى الشواطئ. قانون «لاقانوني» أفرز جرائم مالية بحق الموازنة العامة للدولة المصرية، منها استفادة شركة «أوراسكوم» المملوكة لعائلة ساويرس الشهيرة، وشريكها الإسباني، من مشروع محطة الصرف الصحي في القاهرة الجديدة. أن تعديلات هذا القانون العام 2009 جاءت بسبب رغبة رجال الأعمال، الموجودين في الحكومة ومجلس الشعب والحزب الحاكم في حينها، بإيجاد حل لأزمة أراضٍ سبق للقضاء الإداري أن حكم ببطلان عقد بيعها لهشام طلعت مصطفى، القيادي في الحزب الحاكم آنذاك.
أما «قانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة» للعام 2002، فقد اقتُطعت بموجبه عشرات الملايين من الأمتار المربعة في شمال غرب خليج السويس، ومُنحت لبعض رجال الأعمال المقرّبين من النظام. ومن آثار هذا القانون أنه تم إعفاء هذه المنطقة الشاسعة من تطبيق الكثير من القوانين المصرية، واعتماد قوانين خاصة بها في مجالات الضرائب والجمارك والعمل والسجل التجاري. وقد يكون هذا المشروع من بنات أفكار مهندسي التوريث الذي كان جارياً العمل لتطبيقه آنذاك، بما أن القانون فوّض رئيس الجمهورية حصراً، تفويضاً مطلقاً بأن ينشئ وحده مثل تلك المناطق الاقتصادية الخاصة، مع احتكاره تحديد كل التفاصيل المتعلقة بها. وتم إرضاء رجال الأعمال بشكل مذهل، فخفضت الضريبة على أرباح الشركات العاملة في هذه المناطق الخاصة لتصبح 10 في المائة فقط بدلاً من 32 في المائة.
ويستمرّ مسلسل عرض القوانين الصارخة في ظلمها، كتعديل قانون «فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب» العام 2000، وقد صدر تعديلان عليه في اليوم نفسه، قضيا بتوزيع الأموال المصادرة من تهريب المخدرات على وزارتين فقط من وزارات الدولة (الداخلية والدفاع)، مع منع أي رقابة للسلطات التشريعية على هذا التوزيع. كذلك حال تعديل «قانون مكافحة غسل الأموال» للعام 2002 الذي حصر أيضاً صلاحية تأليف وحدة مكافحة غسيل الأموال ونظام إدارتها والعاملين فيها بيد الرئيس وحده، بعيداً عن موازنة الدولة وأجهزتها. ومن القوانين الغريبة جداً، «التشريع الخاص بقانون مكتبة الإسكندرية» (2001) الذي يديرها ويتصرف بأموالها شخص واحد هو رئيس الجمهورية من دون أي قواعد أو قيود
أن ذلك قد يفسر وجود مبلغ 145 مليون دولار باسم المكتبة بإدارة مبارك في أحد المصارف التجارية في مصر الجديدة، تحت إشراف وتصرُّف زوجته سوزان. حال مماثلة يمكن اكتشافها في فساد قانون «مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية» للعام 2010، الذي يتسبب بإجراء خصخصة جزئية للإدارة الحكومية عبر خلق كيانات شبه مستقلة داخل الوزارات. أخطر ما يثيره هذا القانون ونظام «المشاركة بين القطاع الحكومي والخاص»، هو زيادة مساحة التداخل والتشابك بين الأجهزة الإدارية الحكومية والقائمين عليها من جهة، وبين رجال المال والأعمال من جهة ثانية.
العرض التحليلي للجوانب المُفسدة في القوانين الاقتصادية لحقبة مبارك يسري على مجموعة كبيرة من التشريعات، كـ«قانون الضريبة العقارية» (2008)، الذي «شرعن» تهرُّب الأثرياء من الضريبة وأثار تعبئة شعبية معارضة شرسة ضد النظام قبل ثورة 25 يناير، و«قانون إصدار سندات سيادية بالدولار» (2001) لمدة 30 سنة، و«قانون تخفيض رسوم التوثيق والشهر العقاري» (2003)، و«قانون تنمية التصدير» (2002)، بالإضافة إلى «قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد» (2003) لحماية مرتكبي الجرائم المالية، و«قانون إنشاء لجان التوفيق في المنازعات» الذي يفسَّر بأنه وسيلة لتحسين مداخيل القضاة المحظيين بطريقة «قانونية»...
ان فتح أبواب الاقتصاد المصري على مصراعيه، لتتكفل به “سياسات الانفتاح”، التي سماها الكاتب السياسي المصري أحمد بهاء الدين “سياسة السداح مداح ” لكي تهدم البنيان الاقتصادي، الذي مكن مصر من الصمود في معاركها، التي استمرت أكثر من ربع قرن، وساهم تزاوج رأس المال مع السلطة، التي غرقت في وحل العمالة مع إسرائيل وأمريكا، في ازدهار شبكة مصالح مرتبطة بهذا المخطط الصهيو- أمريكي لتركيع مصر، بحيث تحول الاقتصاد المصري والحالة المصرية من فساد إدارة إلى إدارة فساد، أفسدت الاقتصاد المصري، تماما، وأغرقت المصريين في فضاء اقتصادي فاسد، أفسد معه كافة مناحي الحياة سياسيا، وثقافيا، واجتماعيا.  كيف جرى إفساد مصر والمصريين (1974–2010م). الاقتصاد الخفي  يخوض الكتاب، عبر فصوله فيما أسماه الباحث، عالم “الاقتصاد الخفي”، حيث ازدهر اقتصاد مواز فاسد، يحظى بكل ألوان الدعم السياسي، من خلال السيطرة على السلطة التنفيذية، بربط الحكومة ووزرائها بشبكات المصالح الفاسدة، وإغواء السلطة التشريعية، بتوريط عناصرها في المال الحرام، ومن ثم السقوط، رقابيا والتبرير والتشريع، دعما لتلك المصالح، حتى وصلت الأمور إلى تعيين أحد أباطرة الفساد في قطاع الحديد والصلب، رئيسا للجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، ثم إرهاب السلطة القضائية، واحتوائها، في الوقت ذاته من خلال الانتداب في الوزارات، والإعارة للخليج، والسيطرة بأمن الدولة، بحيث أصبحت كل مؤسسات الدولة “مسخرة” لتلك المصالح.
 بنية مجتمعية “وفقا لتعريف منظمة الشفافية الدولية” بأنه سوء استخدام السلطة الممنوحة، من أجل تحقيق منفعة خاصة، ليتطور التعريف، على يد بعض الباحثين، مثل “سوزان روز أكرمان”، لتعرفه بأنه السلوك الذي يمارسه المسئولون في القطاع العام والقطاع الحكومي، سواء كانوا سياسيين، أو موظفين مدنيين، بهدف إثراء أنفسهم وأقربائهم، بصورة غير قانونية، من خلال إساءة استخدام السلطة الممنوحة له.
 كانت هذه بعض التعريفات المجردة، أما العقل الاقتصادي فقد انشغل بقضية الفساد، وظهر ذلك فيما يسمي“الاقتصاد الخفي” أي تلك الأنشطة المالية أو الاقتصادية التي تجرى في الخفاء، وتخالف منظومة القوانين السارية، ولا تدخل ضمن الحسابات القومية، ولا تنعكس على هيكل الاقتصاد، لتعادل – كما قدرتها بعض المنظمات الدولية كالبنك والصندوق الدوليين، بما يعادل 23% من الناتج المحلي العالمي وفي دولة، كمصر، بلغ حجم هذا الاقتصاد الموازي والخفي 70% من الناتج المحلي الإجمالي.
 وفي مفهوم أشكال الفساد، وأنواعه، من خلال الحالة المصرية، كنموذج لتحول الفساد من حالات فردية معزولة، إلى ممارسة مجتمعية شاملة، يعبر عنها سلوك يومي للعديد من شرائح المجتمع، توزع الفساد إلى قسمين :  الأول: فساد الكبار في الحكومة، والبرلمان، والأمن. الثاني: فساد الصغار، والفقراء، من خلال الممارسات اليومية الفاسدة.  وقد حددت ” منظمة الشفافية الدولية ” عام 2001، أكثر المجالات عرضة للفساد في المشتريات الحكومية، وتقسيم وبيع الأراضي والعقارات، ونظم الجباية الضريبية والجمركية، والتعيينات الحكومية، وإدارات الحكم المحلي بالمحافظات.
ان“آليات الفساد”، التي استقرت كمنهج عمل في عهدي مبارك والسادات من خلال سياسات ممنهجة لإفساد المؤسسات الأساسية في المجتمع، والتي يعول عليها في بناء نهضة الدولة، مثل مجلسي الشعب والشورى، والمؤسسات الإعلامية، والقضاء، والنقابات، وأجهزة الأمن.  أرقام الفساد  ثم انتقل الكاتب لعرض بعض المجالات وحجم الفساد فيها بالأرقام،  ففي قطاع كالاستيراد والتصدير قدرت العمولات التي حازها السماسرة، والوسطاء، ورجال البنوك والجمارك، بمبلغ يتراوح بين 800 مليون دولار، إلى 2 مليار دولار. وقدرت قيمة شركات القطاع العام، الذي قررت الدولة تصفيته، وعهدت إلى مكاتب تثمين، قدرت قيمة تلك الشركات بمبلغ من 300 إلى 500 مليار جنيه، لتبيع الحكومة نصف الشركات، أي 194 شركة، بقيمة إجمالية 50 مليار جنيه، أي خسارة حوالي 200 مليار جنيه.  وفي قطاع كقطاع البنوك تظهر تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، ما يلي : 1- 94 عميلا للبنوك الحكومية حصلوا على أكثر من نصف حجم القروض، والائتمان الممنوح لعملاء البنك بما يساوي 125 مليار جنيه. 2- 25 عميلا حصلوا من “البنك الأهلي” على 40 من القروض الممنوحة، وبما يساوي مبلغ 45 مليار جنيه، أحد هؤلاء عميل حصل على قرض بمبلغ 2 مليار جنيه، بضمان قطعة أرض حصل عليها من الحكومة المصرية، لإقامة مدينة سكنية، وفيلات لم يسدد من ثمنها مليما واحدا.
  - قدرت الأموال الناتجة عن نشاط المخدرات بمبلغ 15 مليار جنيه سنويا.  - أما تجارة السلاح، والعمولات المرتبطة به، فلم يقف الكاتب على أرقام موثقة، بالنظر لطبيعة هذا النشاط، وما يحاط به من سرية شديدة، وإن بعض الأرقام التقديرية الناتجة عن حساب العمولة، والتي قدرها بنسبة من 0.5 % إلى 5% بحوالي 300 مليون جنيه، سنويا تذهب لكبار أباطرة هذا المجال. 5- قدر حجم ما جرى إهداره من الغاز الطبيعي وحده بسبب سياسات التسعير المشكوك مقاصدها مع الكيان الصهيوني، أو فرنسا أو أسبانيا وإيطاليا في الفترة من عام 2002 ، وحتى عام 2010 بحوالي 4 إلى 5 مليارات دولار، سنويا . 
ان انهيار منظومة التعليم الرسمي، ودورها في الارتفاع بميزانية الدروس الخصوصية ، حيث قدر ” مجلس الشورى ” في عام 1994، حجم ما تدفعه الأسر للدروس الخصوصية، والتعليم الموازي بعشرة مليارات جنيه، زادت في العام 2005 إلى 18 مليار جنيه. وفي قطاع الأمن والعدالة، وما يحدث في دهاليز تلك الأجهزة، بلغ حجم الفساد فيه 3 مليار جنيه سنويا، ثم قطاع الخدمات الصحية، والمستشفيات، والفساد داخله، بلغ حجم الأموال الفاسدة فيه من 500 مليون إلى مليار جنيه، نتيجة تردي المنظومة الرسمية للصحة ، أما المحليات ووحدات الحكم المحلي، فبلغ الفساد الناتج عن ممارساتها 10 مليارات جنيه، تمثل إيرادات السلع المهربة وغيرها. 
ولو قمنا بجمع تلك الأرقام لأموال، وتدفقات الاقتصاد الخفي، والأموال السوداء، لتراوحت مابين 57 و70 مليار جنيه، خلال عام واحد فإننا نكون إزاء ما يقارب من 500 مليار جنيه، جرت في مصر، من خلف ظهر الحسابات القومية، ومصفوفة تدفقات الدخل القومي الرسمي، خلال العشر سنوات الماضية فقط، لنصبح إزاء تريليون ونصف جنيه، مثلت حجم الاقتصاد المصري الخفي، في عصر مبارك.
  لان بعض نماذج جرائم فساد ونهب مرعبة، مثلت علامات في عهد مبارك، وما شابه من فساد ومنها :  قضية أجريوم  أجريوم هى إحدى شركات إنتاج البتروكيماويات الكندية المشهورة فى العالم، وحيث أن هذا النوع من الاستثمار هو استثمار ضار بالبيئة، نظرا لما ينتج عنه من مواد ومركبات ملوثة للبيئة، يتم إنشاء تلك الصناعات فى أماكن صحراوية، بعيدة عن حيز العمران البشري، وقفزت تلك الشركة على كل القواعد القانونية والبيئية، باختيار هذا المكان المأهول بالسكان، لتنشأ مشروعها، حيث مثلت تلك القضية مثالا صارخا للفساد والتحايل والاحتيال القانوني والاقتصادي.
 نواب القروض مثلت تلك القضية نموذج حالة للفساد المنظم في القطاع المصرفي، الذي تدثّر بعباءة البرلمان، ليتجسد في تشكيل عصابي، استولى على 40 مليار جنيه، تم تهريبها للخارج، مما أصاب الجهاز المصرفي بشلل كامل، حيث تم من خلال آلية إفساد منظم، وعبر نصوص قانونية من أعضاء البرلمان، وفتح ثغرة ينفذ منها النائب بجريمته، ليتم تجريف أموال البلد، تحت عين البرلمان، ويحاكم هؤلاء النواب ثم يفرج عنهم من أجل أن يفتح الباب لمفهوم التصالح مع المتعثرين، بحيث يقنن النهب، وتضيع أموال البلد.  جريمة الخصخصة تفتق ذهن شياطين حكومة الحزب الوطني، ولجنة سياساته، عن خدعة جديدة، فبعد أن باعو اللحم ولم يبق إلا العظم، بتعبير الدكتور كمال الجنزوري، رئيس وزراء مصر السابق، قرر هؤلاء أنهم سيقومون بتوزيع صكوك ملكية القطاع العام، أو ما تبقى منه بالأحرى، للشعب، حيث حددت الشركات التي تملك الدولة فيها حصصا تدور حول 30%، كمرحلة أولى، ورغم الصعوبات الفنية، والمالية، والاقتصادية لهذا المشروع، ورغم الزفة الإعلامية التي أحيط بها، وعبثية الفكرة، وما تمثله من فرصة سانحة لكبار رجال المال والأعمال، لشراء تلك الصكوك، بنصف قيمتها الاسمية، فإن الحكومة تخلت عن الفكرة، بعدما تم اكتشاف الخدعة التي كانت ترمي إلى إبراء ذمة الحكومة من تبديد أصول القطاع العام، وتوريط الشعب في تبديد تلك الممتلكات، لكي لا يستطيع أحد أن ينكر عليهم ما باعوه، وما بددوه من ثروات.
  مشاركة القطاع الخاص  مثل قانون رقم 67 لسنة 2010 آخر سهم في جعبة تلك العصابة؛ لتتخلى الدولة عن آخر مسؤولياتها تجاه مواطنيها، بإشراك القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية، وفق صيغةB O O T، حيث، ومن خلال ما يسمى بلجان التأهيل، التي تدخل شركات القطاع الخاص من خلال ممثليها في مفاوضات ومناقشات مع صغار الموظفين، سموها الحوار التنافسي بما يفتح الباب لإغوائهم بالمال وتمرير العروض تمهيدا في مرحلة لاحقة، يتولى فيها القطاع الخاص إدارة مرافق الدولة، وفق رؤية رجال الأعمال، الذين لا يدركون الفرق بين إدارة دولة وإدارة الشركات، ولا عزاء للمواطن المصري المطحون، ولا لأقدم دولة مركزية في العالم. إهدار الموارد و  كيفية إهدار فرص التنمية الحقيقية، من خلال التعرض لآليات تبديد وإهدار الموارد،
ثلاث آليات أساسية:  1- عمليات تهريب الأموال، التي جرت في عهد نظام مبارك، من خلال ثغرات صممت خصيصا في القطاع المصرفي والبنوك.
 2- عمليات الخصخصة، وبيع الشركات المملوكة للمجتمع، وما لحق بها من فساد. 
3- التصرف الواسع في أراضى الدولة، لخلق طبقة جديدة من رجال الأعمال، تصبح ظهيرا وسندا للنظام الحاكم، وتمثل حالة أحمد عز نموذجا مثاليا للاحتكار المحمي بالسلطة السياسية.  فقد بدء التحول التاريخي في مسار مصر بدءا من عام 1974، وصولا إلى عام 1991، عام البدء فيما عرف بسياسة الخصخصة، من خلال المرور على تجربة “الشركة المصرية للاتصالات “وما جرى في قطاع الاتصالات، فقد حيث تم اعتماد سياسات افتقرت إلى الشفافية والوضوح، وتعمد الغموض، وهيمنة المنظور العسكري والأمني على المخصصات المالية، حيث تم تغيير تبويب الميزانية، بهدف إرباك التحليل المالي والاقتصادي وأكذوبة زيادة الدعم السلعي، والإنفاق الاجتماعي، بتضمين ما يسمى بالدعم الضمني للمشتقات النفطية، والتي قدرت بحوالي 22 مليار جنيه تمثل الفارق في السعر، بين بيع المنتجات البترولية المصرية في السوق المحلية، ومثيلتها في الأسواق العالمية.
 “لغز بند الاعتماد الإجمالي” حيث تضمنت موازنة 2005 _ 2006 بند اعتماد إجمالي أخر حوالي 16.5 مليار جنيه، ويمثل هذا المبلغ “ثغرة إبليس” - - حيث توجه تلك المبالغ لمنح مكافآت ومزايا لأفراد وفئات خارج نطاق القوانين المعمول بها في جهات الشرطة والجيش. الدعم الافتراضي بدأ وزير المالية السابق، يوسف بطرس غالي، تطبيق تلك الفكرة الشيطانية المسماة “بالدعم الافتراضي” أو ما يسمى “بنفقة الفرصة البديلة ” بتقدير الفرق بين سعر المشتقات البترولية في الداخل، وسعرها في السوق العالمية معتبرا الفرق، والبالغ 108 مليار جنيه دعما حكوميا يضاف لرقم الدعم.
 أما الأجور، ومأساتها، والاختلالات في الدخول بين الفقراء والأغنياء، فهناك أجور مخفية، لا يعلم عنها أحد بما يصل بتلك الأرقام إلى 3 مليار جنيه سنويا، يستحوذ عليها ما لا يزيد عن ثلاثة آلاف شخص من كبار المسئولين، في الجيش، والشرطة، والحزب، كما تخضع أرقام هذا الباب من الموازنة إلى تلاعب منها، على سبيل المثال، أن الرقم المعلن لإجمالي الأجور والمرتبات والبالغ في موازنة 2010_ 2011 حوالي 94.6 مليار جنيه لا يعبر عن حقيقة ما يجري، حيث يحتجز من 25% إلى 30% لدى الحكومة في صورة استقطاعات ضريبية، أما ما يذهب لأصحاب الوظائف الدائمة، وعددهم حوالي 5.6 مليون موظف، فلا يزيد عن 21% من قيمة إجمالي الأجور، فضلا عن الدخول الرسمية، والدخول المخفية، تحت مسمى المزايا العينية والتي تمتد لتشمل تخصيص قطع أراضي، مقابل أسعار زهيدة، وتخصيص فيلات، أو شاليهات، في مناطق مميزة، بأسعار زهيدة، ورحلات وتذاكر مجانية في الطائرات، والسفن، والقطارات.
مافيا شركات التأمين ، الذي يمثل مع قطاع البنوك رئتي التنفس للاقتصاد، فالأول يقوم على تعبئة المدخرات، والثاني بدونه لا تستقيم أمور اقتصاد الدولة، فهو الذي يقدم التغطية التأمينية من المخاطر، فتحقق، عبر هذه المظلة، دورة استثمارية إضافية، وقبل عام 1956 كان معظم هذا القطاع في يد المؤسسات الأجنبية، حتى عادت السيادة المصرية على هذا القطاع، بحيث أصبحت الشركات الحكومية الأربع (مصر – الشرق – الأهلية – المصرية لإعادة التأمين ) تستحوذ وحدها، على حوالي 80% إلى 85% من نشاط هذه السوق، حيث تجاوز حجم الأقساط المتاحة لدى هذه الشركات الحكومية الأربع 3.6 مليار جنيه في عام 2007، قدرت أرباحها بحوالي 750 مليون جنيه، لتشكل ” لوبي “خلال الثلاثين عام الماضية عمل على التخلص من الملكية الحكومية لتلك الشركات، من خلال خطة ماكرة، بمسمى “إعادة هيكلة قطاع التأمين “من خلال دمج الشركات الحكومية في شركة واحدة، بدمج قسري، ثم إعادة التفكيك، مرة أخرى، من خلال صناديق متنوعة، تفتح الباب للنهب المنظم
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق