Ads

انهيار الكتلة الاشتراكية والهيمنة الغربية

الدكتور عادل عامر
أن انهيار الكتلة الاشتراكية يؤدى إلى الهيمنة المشتركة للغرب ومنتدى الدول الرأسمالية المتقدمة عبر صيغة تقوم على قيادة أمريكية ومشاركة أوربية ويابانية. وتقوم هذه الصياغة على عدة أدلة منها أنه لم يتم حل حلف الأطلنطي بالتوازي مع حل حلف وارسو، ولم تتمكن أوروبا بالتالي من تشكيل التنظيم الدفاعي المستقل. فضلاً عن قيام الولايات المتحدة واليابان وأوربا بتأسيس وتوطيد هياكل إضافية لحل المشكلات، خاصة ذات الطابع الاقتصادي.
      لا شك أن البنيان الدولي يشهد في هذه المرحلة قطبية أحادية، سواء كانت حقيقية طويلة المدى أو مؤقتة، وعلى المدى القصير هي واحدة من أكثر الظواهر الدولية خطورة على مستقبل العالم ككل، والعالم الثالث على نحو خاص والوطن العربي بشكل أخص، حيث انفراد قوى واحدة بالسيطرة في النظام الدولي قد يضمن سلاماً على المستوى العالمي، ولكنه السلام القائم على الهيمنة وعلى تجاهل مصالح الآخرين ومكانتهم وحقهم في المشاركة في صنع اتجاهات وقرارات السياسة الدولية. ويزداد الأمر خطورة عندما ترفض القوى المسيطرة، وهى الولايات المتحدة، أن تطبق نفس قواعد القانون الدولي بصورة منسجمة على جميع الحالات التي تحكمها هذه القواعد. وهو الأمر الذي نلمسه بوضوح في حالة القضية الفلسطينية، وكان هذا هو صلب القضية التي أثيرت لدى الرأي العام العربي باسم "ازدواجية المعايير"
      وترتبط هذه القيود بالتفكير السوفيتي الجديد بالنسبة للسياسة الخارجية السوفيتية ككل، حيث يعتمد هذا التفكير على منهج براجماتي في تعامله مع معطيات النظام العالمي والمشكلات الإقليمية والدولية المعاصرة. ووفقاً لهذا التفكير أصبحت قضية التوصل إلى أرضية مشتركة للتفاهم مع الولايات المتحدة والانفتاح على الغرب والحد من سباق التسلح وتخفيف حدة التوتر على الصعيدين العالمي والإقليمي هي القضايا الحاكمة لجميع أبعاد السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي.
      وقد انعكست هذه التوجهات الجديدة على سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي بشكل مباشر وحاد حيث احتلت العلاقات الإسرائيلية – السوفيتية مكانة في التفكير السوفيتي الجديد، وخاصة في ضوء طموحات إسرائيل والتي تتمثل في إزالة كل القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية مع هذه الدول، وتغير موقف الاتحاد السوفيتي من الصراع العربي الإسرائيلي، ودفع الاتحاد السوفيتي إلى الضغط على الدول العربية وخصوصاً الراديكالية منها والامتناع عن تزويدها بالأسلحة المتقدمة. على أي حال فإن اتفاق أوسلو وضع صيغة ما لحل القضية الفلسطينية وهذه الصيغة تتم على مرحلتين الأولى منهما انتقالية وتستمر لمدة خمس سنوات وينبغي خلالها أن تنسحب القوات الإسرائيلية من نسبة معينة من الأراضي الفلسطينية كي تنتقل إلى سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني علماً بأن هذه الأخيرة ملزمة بمواجهة أي نشاط فلسطيني يهدد امن إسرائيل، أما المرحلة الثانية فهي المتعلقة بالوضع النهائي الذي يربط بعدد من القضايا الكبرى مثل إقامة الدولة الفلسطينية والقدس والاستيطان واللاجئين والمياه ... الخ.
      وبالتوازي مع هذا الشق السياسي ينص الاتفاق على أن التسوية ينبغي تعزيزها بعلاقات اقتصادية ثنائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وبعلاقات اقتصادية إقليمية تمتد لتشمل في البداية كلاً من الطرفين السابقين إضافة إلى مصر والأردن
      إجمالاً، يمكن القول أن المسار التفاوضي الفلسطيني الذي بدأ في مؤتمر مدريد ثم اكتسب فعاليته الواقعية بإقدام منظمة التحرير على التفاوض السري مع الجانب الإسرائيلي وتوصلها إلى اتفاق اوسلو قد تميز بعدد من الخصائص التي قللت من ارتباطه بالمسارات التفاوضية الأخرى، وفصلته نسبياً عن محيطه القومي، وجعلته غير قادر على إنجاز المهام التي سبق لقيادة منظمة التحرير وأعلنتها كأهداف.
      ولذلك نظرت بعض الدول العربية إلى اتفاق اوسلو باعتباره خروجاً غير مبرر على الالتزام العربي العام، وصدمة فاق ضررها اتفاقية كامب ديفيد وما أحدثته من أضرار على بنية النظام الإقليمي وثوابته، ذلك أن السادات تفاوض منفرداً ومغلباً المصلحة القطرية أما المفاوض الفلسطيني فقد أضاف سابقة جديدة تمثلت في السرية الكاملة.
      ويمكن القول إن استقلال الفلسطينيين بمسارهم، وإن كان قد انتهى إلى نتائج تختلف بشأنها التقييمات فإن ذلك لم يمنح السياسة الخارجية للدول العربية، سواء عبرت عن نفسها بشكل منفرد أو من خلال جامعة الدول العربية من مواصلة متابعتها للقضية الفلسطينية، على أساس أنها "جوهر" مشكلة الشرق الأوسط والسبب الرئيسي للتوترات القائمة فيه.
      وقد وضح من خلال المواقف العربية المصاحبة لمرحلة مدريد والتي توجت بترحيب جامعة الدول العربية بالجهد الدولي وتمنيها له أن ينهى الصراع بالمنطقة أن ثمة قبول عربي شبه كامل بهذه الآلية التفاوضية كطريق يمكن من خلاله تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، كما وضح أن العواصم العربية خصوصاً الفاعلة كمصر وسوريا والسعودية والأردن قد تحركت نحو دعم الجهود الأمريكية تصوراً منها أن الوقت قد حان للتعامل مع الصراع في المنطقة وفقاً لنصوص القرارات الدولية التي وعد الرئيس بوش أثناء اشتعال أزمة الخليج الثانية بالالتزام بها ضمن دعوته لإقامة نظام عالمي جديد يقوم على الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، غير أن هذا التصور العربي سرعان ما اصطدم بأكثر من حقيقة تجلت خلال المفاوضات ذلك أن عشر جولات شاقة من التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تؤي إلى تقدم يذكر كنتيجة لعدم فاعلية الضغوط الأمريكية على تل أبيب، واستمرار هذه الأخيرة في سياساتها الاستيطانية ومواقفها المتصلبة بخصوص قضايا المرحلة الانتقالية. على أن ذلك كلـه، لم يمنع الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات إضافـة إلى مصر (دول الطوق) من الإعلان عن تمسكها بعملية التسوية الشاملة القائمة على القرارات الدولية. أما عن مواقف الدول العربية من صيغة اوسلو فيمكن القول أنها انقسمت إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية: أولها مؤيد بوضوح وتمثله مصر ودول الخليج وتونس والمغرب قبل أن تلحق بهم المملكة الأردنية. وثانيها: معترض على الآلية ومتحفظ على التداعيات وضم بشكل أساسي سوريا ولبنان. . .. أما الاتجاه الثالث والذي تبنته كل من العراق وليبيا فقام على رفض الآلية ونتائجها باعتبارها خطوة لإهدار حقوق الأمة والانقلاب على ثوابتها
2)  استطاعت إسرائيل أن تحقق معظم أهداف سياستها الخارجية تجاه الاتحاد السوفيتي ومن مؤشرات ذلك تمكنت إسرائيل من استغلال التغيرات التي طرأت على دول الكتلة الشرقية لكى تحقق هدفاً كانت تسعى إليه منذ مدة طويلة ألا وهو الإلغاء الكامل للقيود المفروضة على الهجرة اليهودية من هذه الدول إلى إسرائيل، حيث تم في إطار اختبار مصداقية سياسة الإصلاح السياسي إلى ينتهجها جورباتشوف، وفي إطار الضغوط المتواصلة على الاتحاد السوفيتي من جانب الولايات المتحدة، معالجة قضية هجرة اليهود السوفيت في سياق قضية حقوق الإنسان وفي إطار عام يسمح بإلغاء القيود المفروضة على الهجرة إلى الخارج بشكل عام وهو القانون الذي صدر عام 1989 وتم إقراره عام 1990. وتحتل هذه القضية أهمية خاصة لأن الاتحاد السوفيتي به عدد هائل من اليهود السوفيت يصل إلى حوالي 3 ملايين نسمة أي ما يقارب من تعداد إسرائيل نفسها. وفي إطار احتمال تغير التركيبة السكانية داخل إسرائيل في ظل استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية بسبب نمو معدل السكان العرب عن معدل نمو السكان اليهود، فقد شكل هدف توجيه اكبر نسبة ممكنة من هؤلاء اليهود إلى إسرائيل مسألة بالغة الأهمية من الناحية الإستراتيجية بالنسبة لمستقبل إسرائيل وقدرتها على الاحتفاظ بالأراضي المحتلة. وأدى رفع القيود عن هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل إلى موجة من الاحتجاجات العربية، ولكن حاول الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية امتصاص الغضب العربي بتأكيد الاتحاد السوفيتي على إعادة النظر في موضوع هجرة اليهود إذا تم توطينهم في الأراضي العربية، واشتراط الولايات المتحدة عند تقديمها قرض لتمويل استيعاب المهاجرين الجدد ألا يتم توطين هؤلاء المهاجرين في الأراضي المحتلة. ويشير الواقع إلى عدم اتخاذ أي إجراءات من قبل الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة لوقف هذه الهجرة

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق