Ads

حكم المشاركة في الانتخابات الرئاسية في ميزان الفقه الإسلامي .

بقلم: د. عبد الحليم منصور 
رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالدقهلية
1 - تتباين وجهات النظر حول مدى مشروعية المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة بين مؤيد ومعارض على رأيين :
الرأي الأول : ويرى القائلون به حرمة المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة ، والنزول إلى صناديق الاقتراع ، مهما كان الاختيار ، سواء لفلان ، أو غيره ، فأي اختيار مهما كان فهو حرام شرعا ، ويمثل هذا الاتجاه الدكتور القرضاوي ومن نحا نحوه . 
وأصحاب هذا الرأي يعللون قولهم بالآتي : 
1 - بأن «عبدالفتاح السيسي عزل الرئيس المنتخب، محمد مرسي، واستولى على الحكم بالظلم والطغيان فكيف يقوم الناس بانتخابه»- حسب تعبير د. القرضاوي .
2 - ومن الممكن أن يقال أيضا : إن ولاية الرئيس المنتخب د محمد مرسي لا تزال سارية ، ومن ثم فلا يجوز انتخاب رئيس آخر طوال هذه الفترة . 
3 - ومن الممكن أن يقال أيضا : إن التصرفات التي أعقبت عزل د مرسي كلها تصرفات صادرة عن إرادة غير شرعية ، ومن ثم فكل ممارساتها غير صحيحة وباطلة .
الرأي الثاني : يرى القائلون به مشروعية النزول إلى صناديق الاقتراع ، وهذا المشروعية ربما تصل إلى حد الوجوب وليس الندب أو الجواز .
وأصحاب هذا الرأي يعضدون قولهم بالآتي : 
1 - لابد للدولة من رئيس شرعي منتخب ، يحكم تصرفات مجموع الشعب ، ويمثل مصر والمصريين أمام دول العالم ، حتى يتحقق الاستقرار في شتى مناحي الحياة ، السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، وتستقر الأوضاع الداخلية ، ويتحقق الأمن والأمان ، وتدور عجلة الحياة إلى الأمام . 
2 – في المشاركة في العملية الانتخابية اختيار للأكفأ والأفضل والأقدر على إدارة شئون البلاد في المرحلة المقبلة ، ومشاركة جموع الشعب في اختيار الرئيس الذي يناسب المرحلة المقبلة أمر غاية في الأهمية ، لأن في التقاعس تركا للأمور لتسير خبط عشواء ، وهذا ما لا يؤيده الإسلام ، ولا يرضاه .
3 – في المشاركة في العلمية الانتخابية اهتمام بأمر المسلمين ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " بالإضافة إلى أن من شأن المقاطعة ، عدم الاهتمام بأمور المسلمين ، بل وعدم اهتمام الشخص بأمور نفسه ، وهذا خلاف الفطرة ، وما تقتضيه الطبيعة البشرية .
5 – في المشاركة في الاقتراع : تحقيق معنى الشورى في الإسلام الذي أمر به القرآن الكريم في قوله ( وشاورهم في الأمر ) وفي قوله عندما وصف الجماعة المسلمة ( وأمرهم شورى بينهم ) فهذه الدعوة للاقتراع ، هي دعوى لإبداء الرأي في اختيار الحاكم ، سواء أكان هذا، أم ذاك ، ويتعين على الجميع الالتزام بما انتهى إليه رأي الجماعة الوطنية . 
6 - يترتب على المقاطعة في حال حدوثها تعطيل مصالح المسلمين ، ومصلحة الدولة ، وعدم التحرك خطوة للأمام ، مع ما لذلك من آثار سلبية على الوضع الاقتصادي ، والسياسي والاجتماعي ، والتعليمي ، والأمني ، داخليا ، وخارجيا ، لذا لابد من المشاركة وإبداء الرأي تحقيقا للمصلحة العامة .
7 – تعطيل حركة الحياة في المجتمع خلاف مقصود الشارع في الكون ، فماذا لو عطلنا الجامعات عن العمل كما يريد البعض ؟ وعطلنا انتخاب الرئيس وفقا لإرادة البعض ، وأضرب المضربون ، وتعطلت المؤسسات ؟ ما النتيجة المرجوة من وراء كل ذلك ؟ أليس في ذلك خراب ، ودمار ، وانهيار في كل شيء ! ثم من المستفيد ؟ ولمصلحة من تعطل الحياة ؟ إن هذا كله خلاف الناموس الإنساني في الوجود ، أن تقف الحياة كلها من أجل شخص بعينه ، لم يفلح في إدارة دفة شئون البلاد !!
8 - الرأي الراجح :
يبدو لي بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة ، رجحان ما ذهب إليه القائلون بمشروعية النزول للاقتراع ، بل وأقول : بوجوب النزول والمشاركة في الاقتراع ، وإبداء الشورى التي طلبت من مجموع المواطنين ، والنظر في مصلحة الشعب بكل طوائفة ، وفئاته ، ومصلحة الوطن في الفترة القادمة ، فالنزول استجابة للنداء أمر واجب ، أما التصويت فهذا حق المواطن ، فله أن يقول نعم لفلان ، إن رأى في ذلك تحقيقا لمصلحة المجموع ، وله أن يقول ، لا لفلان ، إن رأى أن اختياره ، لا يرقى إلى مستوى طموحاته ، وآماله ، نحو مستقبل أفضل له ، ولهذا البلد . 
9 - أما من يحرم النزول للاستفتاء فأقول له : التحريم هو خطاب الله تعالى الطالب للترك طلبا جازما ، فالتحريم هو نفس خطاب الشارع ، وهيهات أن يوجد لديكم خطاب من الشارع يمنع ذلك .
10 – ما ذكره د القرضاوي بقوله : إن السيسي استولى على الحكم بالظلم والطغيان فكيف يقوم الناس بانتخابه»- حسب تعبيرد القرضاوي . فهذا قول يخالفه الواقع ، وتعوزه الدقه ، فالرجل لم يستول على الحكم وإنما من يحكم البلاد هو رئيس المحكمة الدستورية العليا ، المستشار عدلي منصور ، ومن عزل الريس مرسي هو الشعب المصري ، الذي أعطاه صلاحية وشرعية الحكم ، وهو من سلبها منه كما فعل بسابقه الرئيس مبارك . أما قوله فكيف " يقوم الناس بانتخابه " فهذه إرادة جموع المواطنين يختارون من يرونه الأفضل من وجهة نظرهم ، ومحققا لآمالهم وتطلعاتهم التي ترنو إليها عقولهم وعيونهم ، كما هو حقهم في إسقاطه وعزله إن لم يحقق لهم ما يريدون ، ومن ثم فما ذكره د القرضاوي فيه مصادرة على إرادة الجماهير ، وحجر عليهم في الاختيار .
11 - أما القول بأن ولاية الدكتور مرسي وشرعيته لاتزال سارية وقائمة ، ومن ثم فلا يجوز انتخاب رئيس آخر طوال هذه الفترة ، فهذا قول تعوزه الدقة ، ويجافيه المنطق ، والعقل ، فولاية الدكتور مرسي ليست أمرا قطعيا واجب الاستمرار طوال المدة التي انتخب خلالها ، لأن العقد الذي اختير على أساسه ، والذي أقسم عليه هو أن يحافظ على الدستور والقانون ، وأن يرعى مصالح الشعب رعاية كاملة ، وحيث إن الشعب المصري هو صاحب السلطة ومصدر الشرعية ، إذ هو الذي أعطي د مرسي صلاحيته كرئيس للبلاد ، هو نفسه الذي نزع منه هذه الصلاحية ، لأنه لم يكن محافظا على مصالح الشعب ومراعيا لها رعاية كاملة ، ومن ثم سلبه هذا الحق ، وهو شرعية ممارسة الصلاحيات التي منحها إياه . 
12– أما القول : بأن التصرفات التي أعقبت عزل د مرسي كلها تصرفات صادرة عن إرادة غير شرعية ، ومن ثم فكل ممارساتها غير صحيحة وباطلة . فهذا قول غير صحيح أيضا ، لأنها كلها تصرفات مبينة على إرادة الجماهير ، فالشعب هو الذي ثار ، وخرج للميادين منذ قرار الرئيس – بعد انتخابه بأيام - بعودة البرلمان المنحل وإعطائه قبلة الحياة مع ما في ذلك من مخالفة للدستور والقانون الذي أقسم على احترامه ، مرورا بعزل النائب العام بالمخالفة لأحكام القانون ، ثم مرورا بالإعلان الدستوري المحصن لقرارات الرئيس ، ولمجلس الشورى ، وللجمعية التأسيسة آنئذ ، كل ذلك تم بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون الذي أقسم الرئيس على احترامه ، والذي هو أساس الرابطة العقدية بينه وبين الشعب ، بالإضافة إلى إصداره كثيرا من القرارات غير المدروسة والتي أصدرها ثم ما لبث أن رجع فيها ، المرة تلو الأخرى ، مرورا بالأزمات المختلفة التي لم يقدر على أن يقدم لها حلولا ناجعة ، مثل أزمة البنزين ، والسولار ، ورغيف الخبز ، والأمن ، على المستوى الداخلي ، إضافة دخوله في مواجهات ، وسجالات على المستوى الدولي أربكت كثيرا من الحسابات داخليا وخارجيا ، فضلا عن عدم قدرته على التعامل مع كافة مؤسسات الدولة ، وانصهار الجميع في بوتقة واحدة ، الأمر الذي جعل من جميع المؤسسات جذرا منعزلة ، كل واحدة تغرد خارج السرب ، كل ذلك كان مؤذنا بوجوب إحداث تغيير ما يرضي تطلعات وطموحات جموع المصريين . 
13 - لكل ما تقدم : أقول لجموع الشعب بكل طوائفه عليكم بالنزول إلى صناديق الاقتراع وجوبا ، حتى تمارسوا واجب الشورى الذي طلب منكم ، وحتى تشاركوا في صنع مستقبلكم ، وحتى تحققوا معنى الاهتمام بأمور مجموع المصريين مسلمين وأقباط ، وحتى تتعودوا النزول إلى الشارع لتقويم الحاكم عند الاعوجاج ، ولكل منكم الحرية الكاملة في اختيار المرشح الذي يحقق طموحاته ورغباته ، ويحسن إدارة شئون البلاد في المرحلة المقبلة . حمى الله مصر ووقاها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .

0 تعليقات:

إرسال تعليق