Ads

وراء كل امرأه عظيمه رجل عظيم!


بقلم / علياء هادى
لم تخلو طفولة كل امرأه عظيمه ممن قرأت عنهن من فارس كان يدفعها نحو التميز و كأنه كان ذو ثقه و رقي في نفسه يكفي لأن يفتح عينيه ليرى فيها مستقبل امرأه ستترك بصمه تؤثر في حياة الأخريات و في السير نحو غدٍ احدث فكرا و اكثر تقدما لإنسان اكثر كرامه لأن ما من بشر قد خلق عبثا.
و يبدو ان الفارس الذي وقف وراء "ملالا" منذ نعومة أظافرها هو والدها، الذي تألق في عدة وقفات في كتابها "انا ملالا" الذي يحكي قصة الفتاه التي وقفت في وجه طالبان الأفغانيه عندما فرضت الأخيره سيطرتها على مدينة وادي سوات حيث تعيش بها ملالا مع أهلها و التي رأت طالبان ان تحرم إناثها من التعليم، إلا ان ملالا وقفت في وجههم تطالب بحقها المشروع في تحصيل العلم، بل و دفعت ثمنا غاليا لشجاعتها عندما أصيبت برصاص طالبان وهي تستقل حافلة المدرسه في طريق العوده من مدرستها.
لم يتوقع احدا ممن شهد او سمع بحادث إصابة ملالا ان يُكتب لها العيش و ان تفتح عيناها مرة اخرى. إلا ان إصرارها كان هو زادها في رحلة انتقالها من وادي سوات بشمال باكستان الى قاعة الامم المتحده بنيويورك لتصبح اصغر مرشحه لجائزة نوبل للسلام في السادسة عشر من عمرها. 
لقد كتبت ملالا بقصتها أسطوره تستحق التأمل لفتاه تربت في مجتمع يتعرض لقهر الإرهاب و ينغمس في فكرٍ يُفضل الذكور، بل و يرى في الإناث مواطنا من الدرجه الثانيه. و لم يتوقف هذا الفكر عند حرمان الإناث من التعليم فقط، بل امتد ليشمل تفاصيل الحياه كأنواع الطعام. فمثلا اقتصرت اضافة اللبن للشاي المقدم للذكور فقط، و اقتصر نصيب الإناث من الدجاج على الاجنحه و الرقبه بينما يقدم باقي اجزاء الدجاج لإطعام الذكور من صبيه و رجال.
و تحكي ملالا عن ابيها العديد من المواقف من معاملته التي عكست حبه العادل الذي لم يُفرق بين ابنته و ابنه. فقد رفض والدها النقود التي أرسل بها والده لدفع تكاليف حفل عشاء ولادة أخيها الأصغر و لم يقم حفلا لولادة مولوده الذكر. و ذلك لانه أراد ان يكون عادلا بين أطفاله الذكور و الاناث، فهو لم يتمكن من الاحتفال سابقا بقدوم ابنته ملالا حيث لم يتوفر له المال اللازم لاقامة الاحتفال التقليدي بقدوم طفلته لأنهم لم يكونوا يملكون من المال ما يكفي لشراء الطعام لحفلٍ  بقريتهم الصغيره، خاصه و ان جد ملالا (المقتدر ماديا) قد رفض دفع تكاليف الطعام او حتى إقراض المال لأبيها لشراء الطعام او إقامة الحفل لأن مولدته أنثى و ليست ذكرا! 
و تذكر ملالا في كتابها احدى المقولات التي طالما رددها والدها نقلا عن القائد الأعظم محمد على چناح أحد ابرز شخصيات شبه القاره الهنديه في مطلع القرن العشرين و مؤسس دولة باكستان، حيث قال:
" ليس لمقاومه ان تنجح بدون رجالها و نسائها على قدم المساواه، فالعالم يحدثنا عن سلاح السيف و سلاح القلم، لكني أحدثكم عن سلاح أقوى من كلاهما، و هو النساء".
و قد تكون نشأة  والد ملالا هي من المؤثرات التي سلطت الضوء مبكرا على الظلم الذي يتعرض له الأطفال فيما ليس لهم من اختيار فيه، كجنسه او حتى إعاقته الجسديه. فقد نشأ والدها متعلثما في الكلام رغم حكمته التي أشادت بها ملالا و تعلمت منها الكثير. بل ان جد ملالا "راسول أمين" كان من الأدباء الذين تخرجوا من الهند و كتبوا ورافقوا محمد على جناح في أوائل الأربعينيات و كان له باع كبير في الخطابه و الإلقاء آنذاك، مما وضع والد ملالا كطفل تحت توقعات المجتمع بانه سيرث طلاقة والده و حضوره. إلا ان والد ماللا قد بات يزداد تعلثما كلما تقدم في العمر رغم سفر جده به طلبا للعلاج لكل من عُرف عن براعتهم او ذاع سيطهم في مساعدة أطفال عانت من صعوبه في التخاطب باستخدام الطب الشعبي او القرائات الدينيه المختلفه من الاسلام و المسيحيه.
لقبت ملالا والدها بالنسر في كتابها لأنه الاسم الذي أطلقه عليه والده بعد ان استطاع ان يحول نقطة ضعفه الى نقطة قوته عندما عزف عن دراسة الطب و قرر ان يكون سياسيا. ذلك القرار الذي قوبل من الجميع بالاستياء الشديد بل و اثار مخاوف والده من ان تهتز صورة الجد نفسه عند البعض بعد تاريخه الحافل "على حد قوله" في فن الحديث حتى انه كان ذو صوت جهوري يجتذب المستمعين من القرى المجاوره و من اعلى الجبال المحيطه بالوادي الذي يقطنون. 
و وصف والد ملالا لها اول مره تحدث فيها امام جمهور بأنها كانت تجربه اكثر من قاسيه لانه كان قصير القامه فلم يفطن الجمهور لانه يقف خلف المايكروفون فاعتمد على صوته في إعلامهم بوجوده و كان قد كتب خطابه على ورقه غاصت في عرق كفيه، إلا انه قرر ان ينحي خوفه جانبا و يكلم الجماهير بقلبه لانه كان لا ينطق إلا بما يصدق به، فما كان من الحضور إلا ان صمتوا ليستمعوا لكلماته الصادقه التي يبدو انها لمست مشاعرهم بصدقها قبل ان تلمس عقولهم بمضمونها. و فور هذا الخطاب بدأ اسم والدها يلمع في سماء المفكرين و السياسيين ليصبح زياد الدين يوسف زاي اسما سياسيا قد لا يحمل حنكة ابيه السياسيه في الحديث، لكنه يحمل بصمته التي اجتذبت كل من استمع لخطاباته حتى انه لم يشترك في أية مسابقه اشترك فيها للإلقاء في باكستان إلا و فاز بالمركز الاول و كأنه يحصي الكؤوس و الجوائز بلا منافس.
ارى في كتاب ملالا اكثر من قصة نجاح واحده، بل و اكثر من دليل على ان المجتمع و القدر و الزمان و المكان هي كلها دوافع ذات حدين، فإما ان نجعل منها نقطة انطلاق لنصبح نسوراً تتحدى المستحيل، و إما ان نستسلم لها لترمي بنا على شط اللا أمل، فهي عاشت في اضطهاد مجتمعي لجنسها من ولادتها، و عاش والدها قهرا آخراً منذ نطقه، إلا ان كلاهما أبى ان يستسلم بل و برع في تكرار المحاوله ليسجل لنا أمثالا تضاف لقائمة البشر الذين يمثلون مصدر الهام في حياة الآخرين لبشريه تتجه نحو التقدم السريع!
اخيرا و ليس آخراً، أود ان أضيف كلمة شكر و امتنان للفارس الذي ساندني و سبق عصره لأكون امرأه متميزه، تؤمن بما تفعل و لا تستلم أبدا، انه والدي أطال الله عمره و بارك فيه و وفقه للخير دائماً.
د. علياء هادي

0 تعليقات:

إرسال تعليق