د. مصطفى يوسف اللداوي
لا يمكن أن تكون نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي إلا صفرية، إما أن نكون أو يكون، إذ أن القيمة الأساس هي واحد صحيح، وهي الأرض الفلسطينية التاريخية المحتلة، والتي تمتد بين البحر المتوسط غرباً ونهر الأردن شرقاً، وبين مدينة رفح جنوباً ومنطقة الخالصة في شمال فلسطين، وهي قيمةٌ حقيقية لرقمٍ صحيح، لا يقبل القسمة، ولا يستجيب لكل المعاملات الحسابية على اختلافها، التي مهما تعددت فإن نتيجتها النهائية ستكون صفراً لأحد الطرفين.
ما يستولي عليه الإسرائيليون من الأرض الفلسطينية سيكون على حساب الشعب الفلسطيني، وسينتقص من حقه، وسيحرمه من أرضه ووطنه، والأرض كلها، والوطن كله غير منقوصٍ له وحده، عقيدةً وتاريخاً وانتماءً، وبالمقابل فإن الإسرائيليين يرون أن هذه الأرض لهم دون غيرهم، وهذا هو وطنهم عبر التاريخ، الذي بنوا فيه ممالكهم، وسكنت فيه أمتهم، وبُعث فيه أنبياؤهم، فما يأخذه الفلسطينيون منهم سيكون على حسابهم الديني والتاريخي، وهو ما لا يقبل به غالبية اليهود، إذ يرون فيه تنازلاً عن حق، وتفريطاً في العقيدة، وتهاوناً في حقوق أجيالٍ مضت وأخرى ستلحق، وهو ما يجعل الحل بمفهومهم صفرياً أيضاً لأحد الطرفين.
لذا فإن على السياسي الفلسطيني، الذي أصبح قائداً ومسؤولاً، ويفاوض باسم الشعب الفلسطيني، أن يعلم أنه لا يوجد في هذه المعركة نتيجة غير الصفر أو الواحد الصحيح، فإما أن نخسر كل شئ، أو أن نكسب كل شئ، فلا كسبٌ عشري، ولا محصلةً لكسور، فإما كاسبٌ أو خاسر، ولنا في العدو الإسرائيلي أكبر مثلٍ وعبرة، فقد استطاع خلال معركته مع العرب ضمن ذات المعادلة، أن يحيل صفره إلى واحد صحيح، دون أن يخدش ما كسب، أو يجرح ما ملك، وما زال يؤمن أن معركته مع العرب هي صفرية بامتياز، رغم أنه كان صفراً ولا يملك شيئاً، لكنه يصر على أن يبقى وحده المالك، فلا يشاركه أحد.
والذي يقبل بمنطق القسمة، ويوافق على أصل التجزئة، يخالف الطبيعة ويتعارض مع المنطق، ولا يستجيب إلى قوانين الرياضيات الطبيعية، التي تعتبر أن الواحد الصحيح رقماً حقيقياً، لا يكون فيه كسرٌ و لا أعشار، وإلا فإن من يقبل بتجزئة الصحيح، فإنه سيرضى بنتائج الموزع القوي، التي قد يعطيه عشراً، وقد لا يمنحه عشر العشر إن أراد، وله الحق في ذلك، فهو الأقوى، والمتمسك بوحدة الواحد الصحيح، والرافض للتقسيم، والمؤمن يقيناً بأن المعركة هي صفرية النتيجة بين العرب والإسرائيليين.
النتائج الصفرية لا تحققها المفاوضات، ولا تفرضها الحوارات، إنما هي نتيجة القوة، إذ يفرضها المنتصرون، ويخضع لها الضعفاء والمهزومون، ولكن بالنظر إلى القضايا القومية والدينية، فإن النتائح الآنية لا تكون إلى الأبد، ولا تبقى مدى الدهر، بل إنها دوماً في تغير، فصاحب الحق لا يسكت على ضياع حقه، ومن نكست راية قومه، فإنه لا يقبل بتنكيسها مدى العمر، وكذا أصحاب الديانات لا يستسلمون ببساطة لعدوهم، ولا يقرون بانطفاء جذوة دينهم، وتبدد نور دعوتهم، فإن هم هزموا في معركة، فإنهم سرعان ما ينهضون، ويعيدون تنظيم أنفسهم ليستعيدوا ما فقدوا، وليعوضوا ما فاتهم.
وليعلم المفاوض الفلسطيني أن الجانب الإسرائيلي ليس أم الولد، ولس صاحب الأرض، ولا مالك البلاد، وقد تعلمنا قديماً أن أم الولد لا تقبل بقسمته، بينما الأخرى تقبل، لأنها تعلم أنها بالنسبة للولد ليست أكثر من أمٍ لقيطة، ولا شرعية لها.
وهو وإن ادعى أن هذه البلاد كانت له مملكةً ووطناً، فإنه يعلم يقيناً أنه عاش فيها طارئاً، ودخلها عبوراً، وسكنها مؤقتاً، ولم تكن له يوماً دولةً على الدوام، ولا وطناً دائماً عبر الأيام، لذا فإنه قد يقبل بالقسمة، وقد يوافق على التجزئة، ولماذا لا يوافق، وهو التاجر الماهر، الذي يبيع ما لا يملك إلى صاحب الملك، حيث لا يملك ما يخسر، ولكن عنده بالتأكيد ما يكسب، ولو تأخر كسبه اليوم، فإنه ضامنٌ أنه سيتحقق له مستقبلاً، خاصة أن معه من يسانده، وله من يفكر معه، ويخطط له.
وقد وصف الصراع العربي الإسرائيلي قديماً بأنه صراع وجود، وهو كذلك اليوم، فلا وجود لكيانين، ولا بقاء لدولتين، فإما أن يستعيد الفلسطينيون حقهم بالكامل، وتكون دولتهم العتيدة فوق أرضهم المجيدة، وإلا فإن الإحتلال سيبقى على أرضنا جاثماً، يتمكن ولا يتزحزح، ويتوسع ولا يتراجع، ويتمدد ولا ينكمش، وحتى نضع حداً لسياساته، وللتخلص من شروره، لا بد من شطبه وإزالته من الوجود، إذ لا امكانية لوجود كيانين متناقضين في آنٍ واحد، على ذات الأرض وفي نفس الزمان، ما يعني أن معادلة الصراع بيننا صفريةٌ حتمية.
لا يجتمع الجور والعدل، ولا الظل والحرور، ولا النور والظلماء، ولا الثلج والنار، فهذه المتناقضات لا مكان لها على أرضنا، ولا وجود لها في زماننا، وإسرائيل نقيض الحق العربي، وهي السرطان المتسلل إلى جسد الأمة، فلا بقاء لها إن أردنا الحياة، ولا دوام لها إن صممنا على البقاء، فإما أن نعالجها استئصالاً، أو تموت فينا كالسرطان وتقتل، ليبعث غيرنا، يطالبون بحقنا، ولا يقدمون تنازلاً، ولا يفرطون في شئ، ليبقوا أقوياء أصحاء، وهذا أمرٌ يخيف الإسرائيليين ويقلقهم، ويطوح بمشروعهم، ويبدد أحلامهم.
0 تعليقات:
إرسال تعليق