دكتور عادل عامر
أما الأخطار الحقيقية، وتهديد البلاد والعباد، وانحدار مستوى كل شيء في مصر، فهو ايضاً يخدم مصلحة الأمن القومي المزعوم، لأن ضعف وتدمير مصر هو خدمة ل "أمن اسرائيل".تحولات المشهد الدولي وتغير المفاهيم يعد التحول في مفهوم الأمن نتيجة منطقية لتغير المشهد الدولي بشكل نوعي؛ وهو ما أدى لإعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية. فمن ناحية لم يعد الفعل والتأثير في العلاقات الدولية حكرًا على الدولة القومية؛ إذ أصبح هناك فاعلين دوليين من غير الدول كالمنظمات الحكومية الإقليمية والدولية، والمنظمات الدولية غير الحكومية.ومن ناحية أخرى حدث تحول في طبيعة مصادر التهديد للدولة القومية؛ إذ لم يصبح التهديد العسكري الخارجي هو مصدر التهديد الوحيد لأمن الدولة (كما يفترض أنصار المنظور الواقعي). فالدولة أصبحت الآن تواجه بأنماط عدة من مصادر التهديد، والتي ليست بالضرورة مصادر عسكرية، ومنها تجارة المخدرات عبر الحدود، والجريمة المنظمة، وانتشار الإرهاب الدولي، وانتشار الأمراض والأوبئة كالإيدز، وانتشار الفقر، والتلوث البيئي... إلخ. وعجز المنظور التقليدي للأمن عن التعامل مع تلك القضايا؛ إذ إن التهديد في معظم الأحيان غير مرئي أو واضح. كما أن القوة العسكرية لا تصلح كأداة لمواجهة تلك الأنماط من مصادر التهديد الذي قد تفوق آثاره المدمرة آثار التهديد العسكري المباشر، فتشير الإحصاءات إلى أنه خلال العقد الماضي تم إنفاق 240 بليون دولار على علاج الإيدز في العالم، وهناك 24 شخصًا يموتون جوعًا كل دقيقة. والأخطر من ذلك أنه لا يمكن لأي دولة أن تغلق حدودها أو أن تستخدم القوة العسكرية للحيلولة دون انتشارها. والخلل الاقتصادي والسياسي في أي مجتمع لم يعد يقتصر على المواطنين فقط بل تمتد تلك الآثار لخارج الحدود في صورة تلوث، وأمراض وأوبئة، وإرهاب، ولاجئين. ومن ثم يتطلب التعامل معها تعاونًا على المستوى العالمي وبأدوات مختلفة.
وكان لزامًا أن يؤدي ذلك إلى تغير أجندة العلاقات الدولية، فشهدت العقود الأخيرة مزيدًا من التركيز على مجموعة من القضايا، ومنها قضايا تلوث البيئة، والانفجار السكاني، وقضايا اللاجئين، وقضايا الأمن البحري، وغيرها من القضايا العالمية. ولم يصبح بمقدور دولة واحدة السعي لتحقيق أمنها منفردة، فلم تمنع القوة النووية التي كان يملكها الاتحاد السوفيتي والتي كانت تكفي لتدمير العالم عشرات المرات من تهاويه. وعلى جانب آخر حدث تحول في طبيعة الصراعات ذاتها؛ إذ أصبحت معظم الصراعات داخلية بين الجماعات والأفراد وليست بين الدول، فتشير الإحصاءات إلى أنه من بين 61 صراعًا شهدها عقد التسعينيات من القرن العشرين كان 58 منها صراعًا داخليًا -أي بنسبة 95% تقريبًا- و90% من ضحايا تلك الصراعات من المدنيين وليسوا عسكريين ومعظمهم من النساء والأطفال. فالصراعات أصبحت بين جماعات وليست بين الدول والضحايا فيها من المدنيين. ومصادر التهديد الأساسية للدول لم تعد مصادر خارجية فحسب، بل أصبحت من داخل حدود الدولة القومية ذاتها، ومثال النزاعات المسلحة في أفريقيا من الصومال إلى رواندا إلى ليبيريا مثال واضح.
ويتسم هذا النمط من الصراعات الداخلية بشدة التعقيد والتشابك وارتباطها بخلفيات وجذور ممتدة وغاية في التعقيد، بالإضافة إلى الاستخدام المتزايد للعنف، والانتهاك الشديد لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن مكونات الأمن الإنساني ومصادر تهديده موجودة تاريخيًا فإن بروز المفهوم مؤخرًا ارتبط بعملية العولمة والتي جعلت مصائرنا مشتركة؛ وذلك نظرًا لما تقوم عليه عملية العولمة من فتح للحدود بين الدول لانتقال السلع والخدمات والتحرير الاقتصادي العالمي. فقد أكدت دراسات الاقتصاد الدولي على أن التحرير الاقتصادي العالمي له مخاطر عدة منها انتشار أنظمة غير مستقرة لا يمكن التحكم فيها خاصة في الأسواق المالية. بالإضافة إلى ما أكدت عليه تلك الدراسات من تأثيرات سلبية قد تصيب الاقتصاد العالمي والتي يمكن أن يكون لها تأثيرها السلبي على قضايا البيئة، والاستقرار السياسي.
ففي تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1999 بعنوان "عولمة ذات وجه إنساني Globalization with a Human Face " أكد التقرير على أنه على الرغم مما تقدمه العولمة من فرص هائلة للتقدم البشرى في كافة المجالات نظرًا لسرعة انتقال المعرفة وانتقال التكنولوجيا الحديثة وحرية انتقال السلع والخدمات، فإنها في المقابل تفرض مخاطر هائلة على الأمن البشرى في القرن الحادي والعشرين، وهذه المخاطر ستصيب الأفراد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. وقد حدد التقرير سبع تحديات أساسية تهدد الأمن الإنساني في عصر العولمة تتمثل في:
أ. عدم الاستقرار المالي: والمثال البارز على ذلك الأزمة المالية في جنوب شرقي آسيا منتصف عام 1997. إذ أكد التقرير على أنه في عصر العولمة والتدفق السريع للسلع والخدمات ورأس المال فإن أزمات مالية مماثلة يتوقع لها أن تحدث.
ب. غياب الأمان الوظيفي وعدم استقرار الدخل: إذ دفعت سياسة المنافسة العالمية بالحكومات والموظفين إلى اتباع سياسات وظيفية أكثر مرونة تتسم بغياب أي عقود أو ضمانات وظيفية؛ وهو ما يترتب عليه غياب الاستقرار الوظيفي.
ج. غياب الأمان الصحي: فسهولة الانتقال وحرية الحركة ارتبطت بسهولة انتقال وانتشار الأمراض كالإيدز فيشير التقرير إلى أنه في عام 1998 بلغ عدد المصابين بالإيدز في مختلف أنحاء العالم حوالي 33 مليون فرد، منهم 6 ملايين فرد انتقلت إليهم العدوى في عام 1998 وحده.
د. غياب الأمان الثقافي: إذ تقوم عملية العولمة على امتزاج الثقافات وانتقال الأفكار والمعرفة عبر وسائل الإعلام والأقمار الصناعية. وقد أكد التقرير على أن انتقال المعرفة وامتزاج الثقافات يتم بطريقة غير متكافئة، تقوم على انتقال المعرفة والأفكار من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، وفي أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة تهديدًا على القيم الثقافية المحلية.
هـ. غياب الأمان الشخصي: ويتمثل في انتشار الجريمة المنظمة والتي أصبحت تستخدم أحدث التكنولوجيا الحديثة.
و. غياب الأمان البيئي: وينبع هذا الخطر من الاختراعات الحديثة والتي لها تأثيرات جانبية بالغة الخطورة على البيئة.
ز. غياب الأمان السياسي والمجتمعي: حيث أضفت العولمة طابعًا جديدًا على النزاعات تمثلت في سهولة انتقال الأسلحة عبر الحدود؛ وهو ما أضفى عليها تعقيدًا وخطورة شديدين، كما انتعش دور شركات الأسلحة والتي أصبحت في بعض الأحيان تقوم بتقديم تدريب للحكومات ذاتها؛ وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الإنساني.
وقد شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة اهتمامًا بقدرات الدولة الاقتصادية -بجانب قوتها العسكرية- في توفير الحماية الأمنية على كافة المستويات آنفة الذكر. أما عن المحاولات المتكررة لضرب وزعزعة أمن مصر من قبل الاحتلال فحدّث ولا حرج: من الأسمدة الفاسدة، إلى محاولة نشر الايدز وغيرها، ويكفي أن نشير إلى استطلاع أجرته مؤسسة بيو الأمريكية الشهيرة، عن الاتجاهات العالمية في العالم، وصدر في 24/07/2007 وفيه أن 75% من الاسرائيليين يكرهون مصر! أما عن المحاولات المتكررة لضرب وزعزعة أمن مصر من قبل الاحتلال فحدّث ولا حرج: من الأسمدة الفاسدة، إلى محاولة نشر الايدز وغيرها، ويكفي أن نشير إلى استطلاع أجرته مؤسسة بيو الأمريكية الشهيرة، عن الاتجاهات العالمية في العالم، وصدر في 24/07/2007 وفيه أن 75% من الاسرائيليين يكرهون مصر! وهنا نجيب أن الأمن القومي الذي يعنيه النظام المصري هو "أمن اسرائيل"، ولا يعنيه من أمر مصر شيئاً، الأمن القومي هو حماية حدود المحتل الغاصب، والضغط على الضحية كي تستسلم، الأمن القومي يعني قتل الأفارقة، وبناء الجدر الفولاذية، ومنع الدواء والغذاء عن غزة، وتشويه المقاومة والشعب الفلسطيني، والايعاز لأبواق النظام وعبر الشاشات الرسمية للتهجم والتجريح، هذا هو الأمن القومي عندهم.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق