Ads

الترهيب و الإرهاب


الدكتور عادل عامر
من يتعرّض للترهيب هم أدوات القوة العالمية الكبرى الوحيدة أنفسهم – بمن فيهم المنفّذون المباشرون للجرائم التي تقرّرها أعلى قياداتها- وينكشف هؤلاء, فإنّ البشرية تتلقّى الخبر بفرح أكيد وبكثير من الآمال.
واليوم, نرى موظفين وخبراء وعاملين في استخبارات المؤسسات المسلّحة في الولايات المتحدة, وقد اشمأزّوا من الجرائم التي تورّطوا أو كانوا جهات فاعلة فيها, يتمرّدون ويُلاحَقون على إفشائهم تجاربهم التعيسة في سعي وطني لمنع المزيد من تمريغ هيبة أمتهم بالوحل.
وقد تحدّث هؤلاء المسؤولون السابقون عن معارضتهم لسياسة التجسّس التي تمارسها حكومتهم, ليس فقط ضد شعوب أخرى بل وضد شعبها أيضاً, وأفادوا بأنّ غرض سلطات الاستخبارات الأميركية العليا هو إشاعة الخوف بين مواطني البلد تماماً كما بين شعوب دول أخرى لاجتناب حدوث اضطرابات اجتماعية.
في حزيران من عام 2012 اضطر المواطن الأسترالي جوليان آسانج إلى طلب حماية سفارة الإكوادور في لندن, مستفيداً من قواعد اللجوء السياسي المعمول بها, محتّجاً بكونه «ضحية للاضطهاد في مختلف البلدان, لا بسبب أفكاره وأعماله وحسب, بل لنشره معلومات تثير الشبهات حول الأقوياء, ولنشره الحقيقة ولفضحه بذلك الفساد والانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان لمواطني العالم كلّه».
واضح أنّ الاضطهاد كان يأتي من الولايات المتحدة الأميركية.
لكنّ الغضب القمعي الذي شنّته واشنطن على الذين ينشرون معلومات حكومية سرية باسم المصلحة العامة أو يكشفون عن معلومات عن التجسّس الذي تمارسه الولايات المتحدة على مواطنيها وعلى بقية العالم, يتناقض مع الحماية أو السلبية التي يُتباهى بها بشأن الرصد والمراقبة والعقاب على الأعمال الإجرامية المُبلغ عنها أو المُكتَشفة.
في تشرين الأول من عام 2001, استقال عالم الرياضيات ويليام إدوارد بيني, الضابط الكبير في وكالة الأمن القومي, من منصبه بعد أن شغله 30 عاماً, واستنكر التجسّس الذي تمارسه حكومته على اتصالات المواطنين. ولذلك استحق ملاحقة مكتب التحقيقات الفيدرالي على مدى سنوات. 
في عام 2007, جرت حادثتان جديرتان بالملاحظة. كان بطل إحداهما توماس دراك, الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الذي نبّه إلى وضع برنامج تجسّس ضخم عُرف بالأحرف الأولى من اسمه PRISM.
وكان الثاني المحلّل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية, جوهن كيرياكو الذي كشف عن ممارسة منهجية للتعذيب, ولاسيما المعروف باسم «الإيهام بالغرق», الذي كانت حكومة بلاده تمارسه في باكستان.
وأحدث حالات عُرفت عن مُتهمين بإفشاءات من هذا النوع كانت للجندي برادلي مانينغ وعميل وكالة الاستخبارات السابق إدوارد سنودن اللذين تعرّضا لهجوم شرس من حكومة الولايات المتحدة.
يُحاكم مانينغ في هذه الأيام عن تمريره معلومات سرية للصحافة عن العديد من الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها القوّات المسلّحة الأميركية, وعلى الرغم من تبرئته من تهمة «مساعدة العدو» التي كان ليستحق عليها عقوبة السجن المؤبّد من دون إمكانية الإفراج المشروط عنه, مازالت النيابة العامة تضغط للحصول على حكم بالسجن يكون بمنزلة تحذير مثالي. من يحمي المواطن المسكين، والى اي جهة يلجأ حين تهان كرامته وخصوصاً اذا كانت تلك الاساءة صادرة من جهة تنفيذية متمثلة في السلطة، هذا المواطن الذي لا يعرف كيف يخرج من عنق الزجاجة التي وضع فيها، هل يحذر السيارات المفخخة والعبوات الناسفة ام اطلاقات المسلحين العشوائية التي لا تفرق بين هذا الشخص أو ذاك، او من الحمايات الضاغطة ايديهم على الزناد وتفلت بعض الرصاصات لمجرد (فلتة) اعصاب رجل الحماية او (طسة) غير متوقعة لسياراتهم في شوارعنا الرصاصية وها هي اليوم الدولة الأولى في مكافحة الإرهاب- أمريكا- استطاعت وببراعة معتادة أن تجير وتُحَول خطورة تنظيم القاعدة على العرب أنفسهم، فها نحن نذوق ويلات تنظيم لم يجلب للعرب والإسلام غير الدمار والتدخل في شؤون الدول بوقاحة حجج أسمها مكافحة الإرهاب.. طيارات من دون طيار، وأموال طائلة، واستخبارات، كلها تصب في الظاهر نحو محاربة القاعدة في بلدان يتواجد فيها أفرادها.

فأمريكا اليوم تصنع "ربيعها العربي" كما خططت له وتدعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة بشتى الطرق لتصبح القاعدة في "الربيع العبري" هي الدولة وهي الحكومة، وبالتالي استطاعت أمريكا أن تدمر كل شيء بتوجيه عداء العدو نحو العرب أنفسهم، فلم تعد أمريكا ذلك العدو الذي كان قبل أحداث 11 من سبتمبر ولم تعد تلك الدولة التي يجب بل من المحتم جهادها وتدميرها وتوعدها بعمليات القاعدة، بل أصبح التنظيم حليفاً لأمريكا وسيف مسلط على العرب..

ونجحت أمريكا في تجنيد القاعدة لصالح خدماتها وتفريخ عناصر وتنظيمات عديدة لمسناها في فترة الربيع العبري وكلها تصب في قالب واحد ، ومن تلك التنظيمات...

هكذا سارت اللعبة واستُغفلت كثير من العقول واستقطبت إليها كثير من الأفراد مستغلة غرس قيم دينية مغلوطة بصنع دروع بشرية جهادية وتدميرية ومؤخراً ثورية، لا تطيح بالغرب ومنشأته بل بالعرب أنفسهم، مستهدفة أهم مكون للدول وهو القوى البشرية.

أصبحت القاعدة اليوم حليفاً أكثر ثقة وود لأمريكا من بريطانيا بل ومن إسرائيل نفسها.. أموال طائلة تمنح لتدمر شعوبنا ودولنا وتقتل وتخرب من أجل الوصول إلى الحكم، وبالتالي لن يكون أمام أمريكا مجهود بعد ألان فقد تحققت النتيجة، ولم نعد نسمع بتفجيرات واغتيالات وتدمير منشآت إلى أخر تلك العمليات إلا في وطننا العربي..

هكذا تحول مجرى القاعدة الحليفة لأمريكا والغرب ولم تعد شعارات الإسلام والدين وتعاليمه تُفرض على مجتمع غربي وتهدده كما كان يظهر. قبل القرن الحادي عشر، أبرز عمليتين ارهابيتين هما عملية سرية قامت بها طائفة من اليهود ضد الرومان وتضمنت اغتيال المتعاونين معهم، وعملية اغتيال علي بن أبي طالب على يد الخوارج. من أعمال الارهاب حادث نشر غاز السارين في نفق قطارات في اليابان، حادثة تفجير طائرة البان آم فوق سماء لوكربي الاسكتلندية، ومن أعمال الارهاب أيضا تفجير المبنى الفيدرالي في ولاية اوكلاهوما الامريكية. تفجير فندق الملك داوود بواسطة عصابات صهيونية مستهدفة المندوب السامي البريطاني في فلسطين، وكذلك قامت مذابح ضد المدنيين دير ياسين وقانا بواسطة العصابات الصهيونية هاجاناه، تفجيرات الرياض عام 1994 والخبر كانت بعض العمليات الإرهابية في السعودية واستهدفت في الغالب الوجود الغربي. تفجيرات سفارات الولايات المتحدة في نيروبي و دار السلام كان عمليات لاحقة في أفريقيا، ووجدت أدلة على تورط تنظيم القاعدة فيها. ولعل أكثر الحوادث التي هزت العالم بأسره تلك الأحداث التي ألمّت بالولايات المتحدة من أعمال 11 سبتمبر 2001 والتي خلّفت نحو ثلاثة آلاف قتيل من جميع دول العالم ،وتكبّد العالم بأسره خسائر تقدّر بمليارات الدولارات. تم استهداف مدنيي اسرائيل بكثير من العمليات الإرهابية مما جعل اسرائيل أحد الدول الخبيرة في تكنلوجيا مكافحة الإرهاب، لذا تم الاستعانة بخبراتها في الحرب الأخيرة على الارهاب. عمليات الإرهاب في جنوب شرق آسيا من قبل جماعات إرهابية كأبو سياف، لها في الغالب علاقات مع جماعة القاعدة. عمليات الإرهاب في روسيا وتتهم روسيا التنظيمات الشيشانية بالضلوع فيها بينما ينفي الشيشان. السعودية تعرضت لهجمات ارهابية منذ 2003 من قبل خلايا إرهابية في السعودية يشاع أن لها علاقة بالقاعدة. تعرضت اسبانيا ثم المملكة المتحدة لعمليات ارهابية استهدفت وسائل النقل العامة، حيث تعتبر هدف سهل للإرهابيين، أيضا العمليات الإرهابية لا تزال مستمرة في العراق مستهدفة المدنيين.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق