Ads

دور المجتمع المدني التنموي في مصر


دكتور عادل عامر

مؤسسات المجتمع المدنى العاملة فى مجالات لها علاقة بالحقوق السياسية والديمقراطية تعانى من تشويه متراكم من قبل النظام السابق، حيث يخشى كثير من المصريين التعامل مع هذه المؤسسات لما يسمعه عنها من أنها عميلة للخارج وتتلقى تمويلا أجنبيا غير مشروع وغير ذلك من الاتهامات التى استمرت بعد الثورة أيضا  ولذلك فدوائر تأثير هذا القطاع من المجتمع المدنى محدود للغاية ولا تستطيع أن تصل لعمق مصر نظرا لهذه الصورة السلبية التى تعمقت داخل أذهان الكثيرين خلال الفترة الماضية أن الدول حين تنتقل لوضع متقدم أول ما تفكر فيه هو تحرير العمل الأهلي وفقًا للمعايير الدولية والمتعارف علبها والتي بناءً عليها يتم تقييم الدول ذلك التقييم الذي حدث لمصر قبل الثورة بثلاثة أشهر في الاستعراض الدوري الشامل أمام الأمم المتحدة وأسفر عن تأكيد دولي واضح ببُعد القانون المصري لتنظيم العمل الأهلي عن كافة المعايير الدولية. أننا ما زلنا نحكم بنظام عدالة مبارك، وأنه يجب الدفع من أجل إقرار قانون يحرر العمل الأهلي بما يتناسب مع الواقع المصري وأوضاعه بعد الثورة، ويُخلِص البلاد من الإرث الاستبدادي.

يضم المجتمع المدني تشكيلات عديدة مثل النقابات العمالية والمهنية واتحادات رجال الأعمال واتحادات الفلاحين والجمعيات الأهلية والخيرية وغيرها من التنظيمات.  تقوم بعض هذه التنظيمات مثل النقابات العمالية والمهنية من أجل دافع فئوي خاص بمصالح فئة مهنية معينه  في حين تتشكل منظمات أخرى مثل المنظمات غير الحكومية من أجل دافع عام قد يكون تنمية المجتمع أو الدفاع عن الفقراء والمهمشين.

أن الدفاع عن حقوق الإنسان هو في جوهره حفاظ على الأمن القومي، فكم من دول تعرضت لزعزعة أمنها القومي بسبب انتهاكها لحقوق مواطنيها سوريا ليبيا العراق على سبيل المثال)، ومن ثَم فصون كرامة المواطن هو حفاظ على الأمن القومي للوطن. ان نظرة المجتمع  الي اعتبار منظمات المدني “كجماعة محظورة” جديدة تواجه صنوف عديدة من التضييق الأمني والسياسي والإعلامي. أن قانون تنظيم العمل الأهلي الحالي هو جزء من منظومة فساد واستبداد أرسى نظام مبارك دعائهما علاوة على مجموعة من الإجراءات التعسفية غير القانونية، ومن ثم فإرساء قانون في بيئة مغايرة من المفترض أن تتسم بالحرية والديمقراطية ينبغي أن يؤسس على مجموعة من المعايير الرئيسية هي الحربة الشفافية، الرقابة”، فالأصل في القانون هو الحرية ألإباحة والاستثناء هو التقييد ومن ثم فالإخطار هو الأصل وليس التصريح والشفافية تكون الضمانة، والرقابة اللاحقة والقضاء هما الحكم. أن هذه المعايير تحل كثير من معضلات القانون الحالي وسلبياته، إذ أن سحب سلطات الجهات الإدارية من حل وفصل وتصريح يحول دون تدخل السلطات الأمنية في هذه ألإجراءات ويمنح الحق كاملاً للقضاء في الفصل في أي مخالفة أو خلاف بين المنظمات والحكومة. كما أن الرقابة اللاحقة المفتوحة لكل أجهزة الدولة على المنظمات تضمن حق الدولة في التصدي لأي إخلال أو تجاوز قانوني مع التأكيد على كونها رقابة لاحقة للنشاط وليست سابقة تحاسب على النوايا واحتمالات التمويل أو الإنفاق غير المشروع.للان  ملف منظمات المجتمع المدني هو أحد دعامات “مصر المستقبل الذي يجب تقويته ودعمه أن إيمان نشطاء المجتمع المدني وتصميمهم على استكمال هذا الدور بغض النظر عن إرادة الحكام أو القرارات السياسية.

أن سيادة القانون هي الضمانة الحقيقة لدعم هذا الدور فلابد أن يخضع الجميع لسيادة القانون وفكرة الدولة الراعية التي تحتوى جميع مواطنيها، وليست الدولة القمعية التي تقمع وتنتهك حقوق مواطنيها. أن في كل الدول الديمقراطية يعتبر المجتمع المدني شريك حقيقي وضلع رئيسي يستند إليه الوطن أن ثمة إحساس عام بمحاولة إقصاء المجتمع المدني وشل حركته في المجتمع من خلال تعقيدات إدارية وتصريحات أمنية وسلطات موسعة للجهات الإدارية وتضييق شديد على عمليات التمويل. ويمكن القول إن العلاقة المتوترة بين الدولة والمجتمع على مر التاريخ قد لعبت دوراً في تكريس هذا الاتجاه فالعمل الخيري نشاط لا يثير الحكومات ولا يؤدي إلى مصادمات مع الأنظمة السياسية.  وعلى صعيد أخر فهو نشاط يصب في صالح استقرار الأوضاع القائمة من خلال تسكينها والحد من قسوتها. كما أنه لا يرتبط برؤية نقدية لواقع المجتمع وخريطته الطبقية، على عكس الحال في المنظمات الدفاعية والحقوقية وبدرجة أقل المنظمات التنموية والتي تطرح رؤية نقدية للواقع وتسعى لإصلاح السياق السياسي والمؤسسي الذي تعمل فيه وفقاً لاستراتيجيات الجيل الثالث من المنظمات غير الحكومية. ومع ذلك يمكن رصد بدايات لدور تلعبه المنظمات غير الحكومية في صنع السياسة وبالتحديد السياسات المتعلقة بالرفاهة الاجتماعية. أن القضية في جوهرها أزمة بين دولتين كانت يجب أن تحل بينهما ، الأمر الذي لا يستوجب ذبح المجتمع المدني وتاريخه، بل يجب أن يظل المجتمع المدني بعيدا عن هذا الخلاف السياسي، وعلق منصور حسن رئيس المجلس الاستشاري قائلا ” لا شك أن هناك عدم شجاعة في المواجهة، دفع ثمنها المجتمع المدني المصري “.مع ضرورة تغيير خطاب الدولة المعادى تجاه المجتمع المدني، والكف عن إلقاء تهم العمالة والخيانة في وسائل الإعلام وإزالة اللبس حول دوره. العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني القاعدة الأساسية لعمل منظمات المجتمع المدني هي الاستقلالية فان أي تدخل من قبل المؤسسات الحكومية أو الأحزاب السياسية ما هي إلا بمثابة تشويه سمعة هذه المنظمات وبالتالي إفساد عملها وتغيير مسارها المستقل لاستغلالها أما لمصالح حزبية ضيقة وأما لدعم سياسة الحكومة، ويقدر حجم الأموال التي ضختها الولايات المتحدة وبقية دول الإتحاد الأوروبي لمنظمات ما يسمى المجتمع المدني وحقوق الإنسان منذ عام 2003 وفى أعقاب الغزو الغربي والخليجي للعراق وحتى  إعلان السفيرة الأمريكية ( سكوبى ) في أواخر شهر يوليو عام 2011 عن دعمهم المالي لهذه المنظمات بنحو 250 مليون دولار ( أي ما يعادل 1.2 مليار جنيه ) تفاوت من عام إلى آخر ؛ وان زاد حجمها بعد ثورة 25 يناير عام 2011 . أما دول ومشيخات الخليج فإن الأموال المقدرة تتراوح بين 100 مليون دولار إلى 150 مليون دولار سنوياً وتكاد الكنائس المصرية في المهجر والكنائس الغربية يقدمون نفس القيمة تقريباً أما الموظفون العاملون في هذه الوحدات الخيرية فيقدر عددهم بحوالي 600 ألف موظف هذا علاوة على نحو مليون شخص آخرون في صورة تطوع.. وفى كل عام يجرى تسجيل ستة آلاف وحدة خيرية جديدة. وبالمقابل فإن إجمالي أموال العمل الخيري في مصر المقدرة لا تزيد على 18 مليار جنيه إلى 22 مليار جنيه سنوياً تتوزع بين الزكاة ( 12 مليار جنيه ) والتبرعات لأنشطة أو أسر وإقامة الولائم والذبائح وتوزيع لحومها وموائد الرحمن الرمضانية إضافة إلى توزيع الملابس على الأيتام والأرامل ومساعدة المطلقات. وبينما يأتي جزء من أموال التمويل الأجنبي عبر المنظمات الأهلية والحقوقية فإن الجزء الأكبر يأتي من خلال حركة الأقباط في المهجر وكنائس المهجر من جهة أخرى وعبر الجمعيات الإسلامية في السعودية ودول الخليج النفطية إلى الجمعيات والأنشطة الإسلامية داخل مصر.

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق