Ads

من فقه الحج (11) حكم منع الزوج امرأته من الخروج للحج


بقلم : د. عبد الحليم منصور 
رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهربالدقهلية

تحرير محل النزاع 
لاخلاف بين الفقهاء - فيما أعلم – أنه متى كانت المرأة مستطيعة فإن على زوجها حثها على أداء هذا النسك ، الذي هو أحد أهم أركان الإسلام قاطبة ، وبل والأولى مرافقته واصطحابها في هذه الرحلة الشاقة ، ولكن وقع الخلاف بينهم فيما لو كانت المرأة مستطيعة وقادرة على حج البيت الله الحرام ، وتجد السبيل إلى ذلك ، ويريد زوجها منعها من الخروج للحج والعمرة فهل له ذلك أو لا ؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على رأيين :
الرأي الأول : ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية إلى أنه لا يجوز للزوج منع زوجته من الخروج لأداء حجة الإسلام ، وبهذا الرأي قال النخعي وإسحاق وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وهو الصحيح من قولي الشافعي .

وعللوا قولهم بالقياس على الصلاة والصوم : بجامع أن كلا منها عبادة مفروضة ، ليس له أن يمنعها من أدائها ، فكذلك الحج .
مناقشة هذا الاستدلال : لا نسلم لكم القياس على الصوم والصلاة لأنه قياس مع الفارق فيكون باطلا .

وبيان الفرق : أن مدة الصلاة والصوم لا تطول فلا يلحفه ضرر ، بخلاف الحج ، فإن مدته طويله ، وهذا يلحق الزوج به ضرر كبير 

الرأي الثاني : ذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى أن للزوج الحق في منع زوجته من الخروج للحج حتى ولو كانت حجة الإسلام .
وعللوا قولهم بالآتي :

1 – إن الحج لا يجب على الفور ، وإنما يجب على التراخي ، وحيث إن الأمر كذلك فيكون له منعها من هذا الوقت ، وتأجيل الحج لوقت آخر يناسب ظروفه ، لاسيما وأنه على التراخي لا الفور عندهم . 
2 – ولأن في ذهابها للحج تفويت حق الزوج المستحق عليها ، وهو الاستمتاع بها ، فلا تملك ذلك من غير رضاه ، وحق العبد مقدم على حق الرب ، لأن الأول مبني على المشاحة ، والثاني مبني على المسامحة والمساهلة ، فقدم الأول على الثاني .

الرأي الراجح : 
يبدو لي بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة ، رجحان ما ذهب إليه القائلون ، بعدم أحقية الزوج في منع زوجته من الخروج لأداء حجة الإسلام ، لأن حق الرب مقدم على حق العبد ، لقوله عليه الصلاة والسلام :" دين الله أحق بالوفاء " ولأن في المسارعة والخروج إبراءً للذمة ، وخروجا من عهدة التكليف ، لاسيما وهي مستطيعة تريد الوفاء بدينها الذي علق بذمتها ، كما أن الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى :" وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " وحيث إن الأعمار بيد الله عز وجل ، ولا يعلم المسلم متي سيموت ، لذا كانت المبادرة والمسارعة لتنفيذ مراد الله في الحج أولى من غيره ، ولا يجوز للزوج ، الوقوف ضد إرادة زوجته في أداء النسك الواجب ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

أما في حج التطوع : فمن حق الزوج أن يمنعها منه إلا بإذنه ، وذلك لأن حقه عليه واجب ، وحج التطوع مندوب إليه ، والواجب مقدم على المندوب ، ومن ثم فلا يجوز لها الخروج لحج التطوع إلا بإذن زوجها ، فإن أذن فلها ذلك ، وإن لم يأذن فلا يجوز لها ، بل يحرم عليها إن خرجت بغير إذنه ، ومن حقه أن يمنعها عن الخروج لحج التطوع ، وذلك قياسا على سائر أفعال التطوع من صيام ، وصلاة ، وغير ذلك فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلا بِإِذْنِهِ " 
قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ، أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع ، وذلك لأن حق الزوج واجب ، فليس لها تفويته بما ليس بواجب ، كالسيد مع عبده ، وليس له منعها من الحج المنذور ، لأنه واجب عليها ، أشبه حجة الإسلام " والله أعلم

0 تعليقات:

إرسال تعليق