Ads

روسيا من دور الحليف لدور الحكم


دكتور عادل عامر

أن خروج مصر من المعادلة الخاصة بدول المقاومة عبر عقدها اتفاقية "كامب ديفيد أمر أصاب الروس بخسارة واضحة, ولم يكن في المنطقة من حليف قوي وجوهري بقدر سورية التي تحقق لروسيا مزايا عديدة, فهي بجانب إطلالتها على البحر المتوسط ,تقع جغرافيا بالقرب من منابع النفط في الخليج, ثم أنها الدولة ذات التوجه العلماني لدولة جارة هي ايران تتخذ المنطقة والمنهج الثيوقراطي كمسار لها, وهذا أمر يمكنه أن يؤدي دورا داعما لحركات التمرد الاسلامية في دول أخري كانت يوما ما تدور في فلك روسيا في أوج عز الاتحاد السوفيتي السابق. هناك أمر أخر وربما سنفرد له قراءة مستقبلية لاحقا بإذن ألله يتعلق بأهمية سورية في تحقيق احلام روسيا التي تتطلع الى ان تصبح سيدة الغاز الطبيعي في العالم عبر خطوطها التي تمر بالموانئ السورية إلى العالم برمته. وبإجمالي القول فان بقاء الاسد  أو في أضعف الايمان بقاء النظام السوري حتى لو تغير الأسد يعني أن روسيا هي الرابح الحقيقي الذي سيأخذ الكل كما في حال لعبة أوراق "الكوتشينة" ذلك لأنه ساعتها سيبقى الاسد أو من يقوم عوضا عنه مدينا لروسيا وسيكون أكثر استعدادا لتلبية مطالب القطب القائم كما العنقاء من الرماد, وفي مقدمة تلك المطالب الموانئ السورية التي ستضحى في خدمة الاساطيل الروسية, وهو حادث اليوم بدرجة أو بأخرى, عطفا على قواعد القوات الجوية, وربما البرية, الامر الذي يكفل للروس حماية خاصرتها الجنوبية من تركيا العدو والخصم التاريخي للامبراطورية الروسية, والذي يعد بالفعل خنجراً في خاصرة روسيا لاسيما انها تمارس دورا بارزا في حلف ال¯"ناتو".هدفت ادارة اوباما في "التبرع" بالإعلان عن غارتين "اسرائيليتين" متتاليتين على سوريا الى استعادة زمام المبادرة على الصعيد الدولي والقاء تهمة التردد والارتباك بعيدا، وايضا طمأنة خصوم الادارة الداخليين، وهم كثر، الى قدرتها على ممارسة دورها الرئيس في القضايا والتحديات العالمية، خلافا للاتهامات بتراجع نفوذها وتقويض وحدانية زعامتها في العالم قاطبة، ورمت الى استثمار نتائجها المرجوة في ممارسة مزيد من الضغوط على روسيا عشية اللقاءات الرسمية بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي كما والرئيس فلاديمير بوتين. لم يعد خافيا الخطورة الكامنة في شن الغارة الإسرائيلية سيما لاستبعادها فرضية قدرة الدولة السورية على شن هجمات انتقامية، فضلا عن مفاقمتها للوضع الاقليمي وتعريضه الى نشوب حرب اخرى شاملة مع دخول العامل الروسي بقوة هذه المرة. فإن اي تهديد موجه لسوريا هو ايضا موجه لروسيا ولأسلحتها وقاعدتها البحرية في طرطوس السورية. كما ان استمرار الصراع المسلح في الداخل السوري يشكل تهديدا لأهداف السياسة الخارجية الروسية بعيدة الامد. وتوتر العلاقة بين القوتين العظميين، روسيا واميركا، يجد صداه جليا في المعادلة السورية: اصرار الولايات المتحدة على المضي بتسليح قوى المعارضة بكافة الانواع ومراهنتها على الخيار والحسم العسكري المعادلة الصفرية، استدعى روسيا للوفاء بالتزامات تعهداتها واتفاقياتها العسكرية لإستمرار توريد الاسلحة الى سورية وتعزيز سلطات الدولة. ومن المرجح ان يسهم الاعتماد التسليحي لسورية على روسيا ومنظوماتها المتعددة في استمرارية نفوذ روسيا لأمد منظور حتى ولو تعدلت تركيبة الحكومة السورية مستقبلا. كما ان روسيا لم تخفِ ضيق ذرعها من تشدد الموقف الاميركي واصراره على المعادلة الصفرية في سورية، بالرغم من كل ما تبذله الاولى من جهود لترجيح الحل السياسي التفاوضي، ولعبة التوازنات الاقليمية الدقيقة بينهما، سيما وان الولايات المتحدة لم تفي بوعودها للجم تدفق الاسلحة الى ايدي المجموعات المسلحة المختلفة، بالمعدات والموارد وجهود التدريب. كما ان الطرفان يدركان سوية اهمية تقديم تنازلات محددة متبادلة، وكل ينتظر الآخر لاتخاذ الخطوة الاولى بهذا الاتجاه. ثابرت روسيا على تحمل منغصات الدول الغربية واتهامها بتقديم الحماية للدولة السورية، وردت باتهام مماثل لاولئك الذين يسعون "لتسييس المسألة" السورية والذهاب بعيدا لتوسيع جهود التحقيق في استخدام الاسلحة الكيميائية توطئة لشرعنة فرق التفتيش الغربية لتصول البلاد جيئة وذهابا. واوضح نجم الخارجية الروسية سيرغي لافروف انه كان من المفترض وصول خبراء الى سورية للتحقيق في امكانية استخدام اسلحة كيميائية في منطقة خان العسل بحلب؛ وبدلا من الالتزام بإطار المهمة سعى اعضاؤها للمطالبة بتسهيلات الدخول الى كافة المنشآت السورية وحقها في اجراء مقابلات مع اي مواطن سوري. واردف لافروف "اعتقد ان هذا تجاوز للإطار." لا يمتلك المجتمع الدولي الاستعداد الكافي من أجل التدخل بالشكل الفاعل الذي تتطلبه معالجة الأزمة السورية، ولا شك في أن مواقف الدعم التي تقدمها موسكو إلى نظام الأسد تسهم بدورها في تفكيك قدرة المجتمع الدولي على القيام بالأدوار المنوطة به من أجل وضع حد للمعضلة السياسية والمأساة الإنسانية اللتين يرزح تحتهما القطر السوري . ففي الوقت الذي يمكن للمرء أن يعتقد أن مسألة استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية يعد خرقاً للتحذير الذي كان الرئيس أوباما أطلقه من القيام بذلك، وأن هذه المسألة قد تكون سبباً من أجل تنفيذ واشنطن تهديدها بعدما تخطت دمشق الخط الأحمر، فإن روسيا بدورها تحذر من مغبة اتخاذ الدول الغربية تهمة استخدام الأسلحة الكيماوية من أجل القيام بعمل عسكري ضد سوريا . أبعد من ذلك، فإن موسكو تحذر أيضاً من استخدام الولايات المتحدة الدول الواقعة في الجوار السوري من أجل شن الهجوم العسكري على سوريا . لا يزال الأمل في الوصول إلى نهاية من نوع ما للأزمة السورية موجوداً، ولا يمكن دفع الإحباط المطبق تجاه هذه الأزمة سوى من خلال البناء على معطيات محددة من شأنها أن تصنع الأساس الذي تحتاجه جهود المعالجة الناجحة. تتعلق أولى هذه المعطيات بتراكم أوزار الأزمة المأساوية في سوريا على الدول التي تقف في طريق إنهاؤها إلى الدرجة التي تتضاءل معها قدرة روسيا على تحمل التبعات السياسية والأخلاقية لجرائم القوات النظامية في سوريا . قد تتسلح موسكو بالعديد من الأسباب التي تستخدمها لتبرير تعاطفها غير المشروط مع نظام الأسد بيد أن مرور أكثر من عامين منذ نشوب الأزمة السورية ينبغي أن تكون كفيلة بدفع صناع القرار في موسكو إلى مراجعة مسار الانحدار الذي لا يصمد أمام أي تقييم عقلاني لمصالح روسيا في المنطقة . و يتعلق ثاني هذه المعطيات بالحاجة الملحة التي تشعر بها إدارة أوباما من أجل الحرص على مصداقية التهديد الذي أطلقته ضد نظام الأسد في حالة ثبت لجوؤه إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في القتال في سوريا . لقد وضعت واشنطن مصداقيتها الدولية على المحك حين أطلقت ذلك التهديد ويتعين عليها الآن أن تنفذ وعيدها بعد أن صدرت التصريحات من أكثر من دولة تؤكد أن نظام الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية بالفعل . لقد كان جديراً بواشنطن أن تضع الخط الأحمر بشكل مبكر وأن تجعله تحت مسألة استخدام نظام الأسد الطائرات الحربية ضد شعبة ولكن باعتبار أن هذا لم يحدث فإن الخط الأحمر الذي وضعته تحت استخدام الأسلحة الكيماوية ينبغي أن يؤدي الغرض المطلوب ويتمثل تحديداً في دفع الولايات المتحدة ومعها القوى الدولية الأخرى إلى اتخاذ الموقف الحازم المصمم على حسم الأزمة السورية . و يتعلق ثالث هذه المعطيات بزيادة احتمالات امتداد الحرب في سوريا إلى دول الجوار الأخرى. لقد كان التخوف من أن يتسبب التدخل العسكري الدولي في سوريا في أن تنشب حرب إقليمية في المنطقة واحداً من أهم المعوقات التي وقفت في وجه تنفيذ هذا الخيار بيد أن الضغط الشديد الذي يرمي بثقله على نظام الأسد في هذه المرحلة بسبب طول أمد القتال وتزايد خسائره الميدانية قد تدفع به إلى تعمد توسيع نطاق الحرب من خلال توريط دول أخرى قيها تشمل لبنان والأردن وربما تركيا وإسرائيل أيضاً . والحال كذلك فإن المجتمع الدولي قد يجد نفسه مضطراً للتدخل بشكل أكثر فاعلية من أجل فرض تسوية مدروسة للأزمة السورية، قد تستند إلى مبادرة سياسية أو تعتمد الخيار العسكري المحسوب، من أجل ممارسة المزيد من التحكم في مسار الأحداث في المنطقة وعدم السماح لها بالتدهور إلى نشوب حرب عشوائية لا يرغبها أحد . ان هناك حلما ظل يراود القياصرة الروس منذ زمن بطرس الاكبر وكاترينا العظيمة, وهو الوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط وقد حققت روسيا بالفعل الكثير من هذا السياق في خمسينات وستينات وحتى منتصف سبعينات القرن المنصرم

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق