Ads

مفوضية لمكافحة الفساد ضرورة وطنية


دكتور عادل عامر

أن خطورة الفساد في أنه يمس حقوق وحريات الأشخاص وتطلعات المجتمعات إلى التنمية، أمام معاناة للدول من مشاكل قضايا استرداد أموالها المهربة، أن المادة السادسة من اتفاقية مكافحة الفساد تلزم مصر بإنشاء الهيئة الوطنية، التي تضمنها الدستور المعطل في المادة 204 منه، في حين أن مشروع لجنة العشرة حذف الإشارة لهذه الهيئة، ولم يوفر الحصانات المطلوبة لتحقيق مكافحة الفساد.

دور الهيئة المرتقب إنشاؤها سيكون تنسيقيا بالأساس، أن هناك جدية في بحث إنشاء الهيئة، وسيكون التنسيق إلزاميا بين الأجهزة الرقابية. أن كافة الدساتير العالمية تقوم على المصالحة العامة للمواطن، ومن هنا تأتي أهمية وجود مفوضية مختصة بمكافحة الفساد، وذلك في ضوء تفشي الفساد في الوقت الحالي بشكل ضخم، أن الفساد أصبح يؤثر على الاقتصاد ويعرقل الاستثمار الأجنبي، وهناك الكثير من الإحصاءات التي تؤكد تفشي الفساد في الهيئات والمؤسسات الخدمية، ومن هنا يجب وجود نص دستوري صريح وواضح لإنشاء مفوضية لمكافحة الفساد، ينص أيضا على استقلالها بعيدا عن التيارات الحزبية والسياسية المختلفة، وتقوم تلك المفوضية بدعم كافة المؤسسات الحكومية التي تحقق في قضايا الفساد. أن العواقب واجهت عمل الأجهزة الرقابية بعد إصدار رموز النظام السابق لوائح وقوانينا لتقنيين أنشطة فسادهم، "ليس لنا ذنب بعد ذلك في مهرجان (البراءة للجميع). لقد واجهنا بعد الثورة حجم إنفاق بمكاتب رؤساء مجالس إدارات شركات خاسرة بمبالغ مستفزة، واكتشفنا خلال عملنا وجود لجان تمرر قرارات فاسدة، ويكون الوزير على رأس القائمة باللجنة، ويرأس 30 موظفا لتفريق دم المسؤولية على جميع القبائل، لدحض القصد الجنائي حال ضبط المتورطين".

 أن النماذج التي تتبناها الأمم المتحدة في مكافحة الفساد ليس شرطا أن تتناسب مع مجتمعنا، فعلى سبيل المثال "تولي الولايات المتحدة اهتماما بالغا بمسألة منع التدخين، وتصدر تشريعات خاصة لذلك، لكن هل يمكن إصدار تشريع يمنع التدخين في مصر؟ وهل له أولوية في الوقت الذي يتناول فيه المواطن المصري مياة غير نظيفة، ويستنشق هواء غير نقي؟". أن مفوضية مكافحة الفساد تتناسب مع الدول المتقدمة في النظام العالمي، وقد لا تتناسب مع مصر، خاصة أننا "لا نعلم بوضوح دور المفوضية، وكذلك أي أنواع الفساد التي تتعامل معها"، أن جميع مفوضيات مكافحة الفساد في العالم تتفق في عدة نقاط؛ أهمها صياغة تشريعات لمكافحة الفساد، وتقرير التعاون مع منظمات المجتمع المدني، وإعداد الأبحاث الخاصة بمكافحة الفساد، أن الأهم هو بحث كيفية تطبيق ذلك في مصر، ومراقبة تطبيق سياسات مكافحة الفساد، وتقييم أداء سياسات المفوضية.

 إن الفساد في مصر ليس فقط فساد مؤسسة أو مجموعة من الأفراد وإنما هو نمط حياة وجزء من الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية، وموجود داخل بنية الإنسان، "هل مفوضية مكافحة الفساد تتطرق إلى مناهج التعليم وتعليم النشء كيف يواجه الفساد؟ خاصة أن الطفل يتعلم الرشوة منذ صغره، من خلال دفع رشوة مقننة إلى المعلم في صورة درس خصوصي

 ان هناك بعض الدول تؤسس في دستورها لفكرة انشاء تلك المفوضيات كالدستور الفرنسي ، والانجليزي والاسباني ، ودستور جمهورية سنغافورة ، ومن الدول العربية دستور الممكلة المغربية ودستور جمهورية العراق .

ان النظم القانونية قد اختلفت فيما بينها في الاختصاصات التي تمنحها لتلك المفوضيات ، فمنها ما يمنحها اختصاصات متعددة ، كالحق في اتخاذ الاجراءات الوقائية وسلطة جمع الاستدلالات واجراء التحريات ، وتقديم الاستشارات والمساعدات الفنية ، والتدريب والبحث العلمي والتنسيق بين الاجهزة الرقابية على نحو ما هو مقرر في دول سنغافورة واستراليا وبتسوانا وليتوانيا ، ومنها ما يمنح تلك المفوضيات اختصاصات جمع الاستدلالات والضبط والتحقيق والادعاء ، كما هو الحال في النرويج وبلجيكا واسبانيا والبرتغال ورومانيا. ومن هذة النظم القانونية ما يمنح تلك المفوضيات اختصاصات وقائية فقط تتمثل في وضع سياسات للرقابة على الفساد واعطاء التوصيات اللازمة في ذلك الشأن على نحو ماهو قائم في كل من فرنسا ومالطا ومقدونيا.

 ان معايير مكافحة الفساد تختلف من دولة لأخرى طبقاً لثقافتها وإمكانيتها المادية ومصر ستحدد هذه المعايير مع اللجنة العالمية وستقوم اللجنة بمراجعة منظومة التشريعات والقرارات الإدارية سيعاد ترتيب مصر فى مجال مكافحة الفساد مما سيكون له مردود ايجابى على المواطن المصرى. الإرادة السياسية العليا ضرورية لمحاربة الفساد من أجل استغلال الوقت المناسب لنمضي قدما في ترجمة الإصلاح على أرض الواقع وبمعناه الشامل. من هنا على الحكومة عدم تضييع الوقت والمباشرة فورا بتحويل كل المشتبه بهم بقضايا الفساد الى القضاء العادل ليقول كلمته ويضع حدا لهذا الداء الذي يوشك أن يلوث هذه الأرض الطيبة ويعطل المسيرة المباركة وهي تغذ الخطى لتشريع أبواب المستقبل الواعد. أن محاربة الرشوة والفساد تندرج في إطار الإصلاحات الكبرى التي اختار أن يضعها المغرب بشكل تدريجي أن مكافحة الفساد ليس لها بعدا زجريا فقط، بل لها أيضا بعد تربوي يؤسس لثقافة النزاهة لدى الأجيال الصاعدة، وأبرز في هذا الصدد المجهودات التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم على مستوى المقررات المدرسية التي تقوم على التربية على حقوق الإنسان والمواطنة والتربية على تجنب أسباب الرشوة. مما لا شك فيه أن الدراسات والبحوث المتعلقة بموضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد لها أهمية فائقة جداً، لأنها المرشد والموجه لاتخاذ أفضل الإجراءات لحماية النزاهة من حيث الدعم والتشجيع، وتوفير الحوافز التي يستشعر من خلالها كل من يقوم بعمل وتصرف نافع ومفيد بأنه مقدر ومعزز، وعلى عكس ذلك يبين في الدراسة والبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات جنائية بحق كل من يُقدم على عمل وتصرف منحرف عن الطريق القويم باعتباره عملاً وتصرفاً فاسداً يضر بمصالح المجتمع، وهذا يستدعي الملاحقة والتحقيق لإيضاح جوانب الفساد المُرتكب، والأدلة الثبوتية في حق المتهم، ومن ثم إعداد لائحة الاتهام ضده أمام القضاء المختص. دراسة أنظمة الأجهزة المختصة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد وهياكلها الإدارية وإجراءاتها، مع مراعاة عدم الازدواجية وتنازع الاختصاص فيما بينها، ومنحها القدر اللازم من الاستقلال الإداري والمالي. ولا شك في أهمية ما ذكر في هذه الفقرة من ضرورة دراسة أنظمة كل جهاز مختص بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتحديثه بإزالة أي غموض أو تعارض بين النصوص قد تعوق العمل بالنظام، أو تكون سبباً في عدم فاعلية الإجراءات، أو الحد من سلطات أي جهاز، مما يحول دون تمكينه من القيام بواجباته، وكذلك تشمل الدراسة الهياكل الإدارية، وإجراءات كل جهاز بحيث يُقدم لكل من يحتاج الدعم والتسهيلات في الإجراءات، مع الأخذ في الاعتبار تلافي حصول الازدواجية، وما يترتب عليها من نتائج غير مرغوب فيها مثل التنازع في الاختصاص بين الأجهزة، سواء كان إيجابياً بأن يدعي كل جهاز أنه مختص، أو سلبياً بأن يدعي كل جهاز أنه غير مختص، وهذه مشكلة المشكلات التي تعوق العمل والتنفيذ، وكثيراً ما نسمع عن ذلك عند التبليغ عن أي جريمة (جناية أو جنحة أو مخالفة)، ما يؤدي إلى ضياع المسؤولية، وأخيراً لا بد من منح كل جهاز ما يمكنه من أداء واجباته من استقلال إداري تام، ومورد مالي كاف.



كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق