Ads

" قل إنك رومانسي, الزمن هو الذي يؤدبك بكل برود. الزمن يرنحنا بالواقعية" مريد البرغوثي


د. رزان إبراهيم

في عودته إلى رام الله عام 1996 يكتشف الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي أن الاحتلال الطويل استطاع أن يحولنا من أبناء " فلسطين" إلى أبناء فكرة " فلسطين". وهناك تتأكد له أكثر, دقة المجسّد وصدق الحواس الخمس, ونعمة حاسة العين تحديداً. وهو الشاعر الذي اكتشف بهتان المجرد والمطلق حين زار أرضه الأولى ليروي بعدها ما يصفه إدوارد سعيد واحداً من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها الآن. وليصبح أكثر إقناعاً لنفسه حين يكتشف عدالة وعبقرية لغة الكاميرا, التي قدمت له مشهداً مذهلاً, تتحول على إثره " دير غسانة" بالتحديد من التجريد إلى قوام قوطي غامق اللون بأقواسها وقبابها ووو...وبسته أم عطا يذكرها وقد حملت جرتها على منتصف رأسها من " عين الدير" إلى العطش والغسيل والطبيخ وأباريق كانوا يستخدمونها على أيدي الضيوف بعد الانتهاء من أكل المسخن البلدي المشوي في الطابون.
ولكن هل بقي للغريب عن مكانه إلا هذا النوع من الحب الغيابي؟ هل بقي له إلا التشبث بالأغنية مهما بدا تشبثه مضحكاً أو مكلفاً؟ وإن كان هذا حال من عرف فلسطين وعاد إليها, فما هو حال الفلسطينيين ممن ولد في المنفى ولا يعرف من الوطن سوى القصص والأخبار؟ ما الذي بوسعنا أن نقوله عن أجيال لم تزرع ولم تصنع في وطنها؟ أجيال لم ترالجدات جالسات أمام الطوابين ليقدمن لنا رغيفاً مغمساً بزيت الزيتون؟ 
أسئلة عن جريمة الاحتلال دفعت مريد البرغوثي في نصه " رأيت رام الله" الحائزعلى جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي للتفكير في مدى الإعاقة التي يمارسها الإسرائيليون. وهو من كان مقتنعاً بأن من مصلحة الاحتلال, أي احتلال, أن يتحول الوطن في ذاكرة سكانه الأصليين إلى باقة من الرموز. إلى مجرد رموز. 
يبقى أن الأوطان لا تغادر أجساد المنفيين. حتى اللحظة الأخيرة, لحظة الموت.
السمكة...حتى وهي في شباك الصيادين, تظل تحمل رائحة البحر!

0 تعليقات:

إرسال تعليق