Ads

دخل قناة السويس يلامس الـ 100 بليون جنيه سنوياً بعد تشكل خريطة التجارة الدولية الجديد


دكتور عادل عامر

أتت قناة السويس كعامل اختزال في جغرافية النقل, أعادت توجيه القارات ورجت القيم الجيوماتيكية, فبعملية جراحية جغرافية, صغيرة نسبيا, اختزلت قارة برمتها هي إفريقيا وتغلبت على طريق رأس الرجاء الصالح وأعادت وضع الشرق العربي ومصر في قلب الدنيا من جديد. فعلى الجانب الطبيعي فان القناة, كما حولت إفريقيا من شبه جزيرة إلى جزيرة بالمعنى الحرفي شطرت مصر إلى شبه جزيرتين تقريبا: شبه جزيرة سيناء ثم بقية القطر, أي أن القناة حولت مصر من يابس واحد وبحرين إلى بحر واحد ويابسين بل يمكن القول انه من الصعب أن نتصور انجاز آخر في حدود القدرة البشرية يمكن أن يغير أوضاع الطبيعة أكثر منها. فالقناة بحق جددت شباب موقع مصر الجغرافي, وأعادت إلى الجسم المريض دورة الدم والحياة, وإذ بنا نحاول مرارا وتكرارا أن نجهض هذا الشريان الحيوي بتصورات طفولية وساذجة لا ترق إلى المنهج العلمي في شيء. فالقناة هي رقبة مصر الجغرافية وعنق الزجاجة في إستراتيجيتها, كما هي شريان للتاريخ فيها. ولم يكن رينان يرجم بالغيب تماما حين خاطب ديليسبس أيام شق القناة قائلا "انك قد حددت معركة كبرى للمستقبل". ولكن رينان عبر عن فلسفته الاستعمارية في ذلك الوقت بالقول "ان أرضا تهم بقية العالم إلى هذه الدرجة لا يمكن أن تنتمي إلى ذات نفسها".

ولذا كان من الطبيعي أن يتعاظم دور القناة مع تفجر النفط في دول الخليج, ومن ثم أصبحت هذه القناة هي ممر البترول, ومع ازدياد أهمية الطاقة أصبحت القناة الطريق من والى الخليج. ورغم التقدم التقني المتواصل الذي حدث فالإستراتيجية العسكرية عادت إلى عناصرها القديمة في صورة مواقع جغرافية وقواعد عسكرية وممرات مائية ولعل حرب الخليج الأخيرة أعادت إلى القناة أهميتها الإستراتيجية والعسكرية فالقناة أعادت القيمة الإستراتيجية القصوى والحرجة من جديد للبحر المتوسط والمحيط الهندي وبالتالي البحر الأحمر. والذين يعدون العدة في الخفاء للانقضاض على القناة من خلال إثارة الهواجس حول من القناة الإسرائيلية أو بطرح القناة للخصخصة عبر تملك الشعب لأصولها عبر أساليب مختلفة أو طرحها لمستثمر رئيسي أو شق قناة ثانية موازية لها, إنما يريدون في الحقيقة القضاء عليها بنقل ملكيتها في وقت عادت فيه الأمور إلى نصابها بعد الأزمة المالية الأميركية الأخيرة, متناسين أن هذه ليست أول مرة يفكر عدو لمصر في المنطقة في إيجاد بديل منافس لقناتها, فقد لا يعلم الكثيرون أن الاحتلال البريطاني بعد أن استقر في مصر هدد ديليسبس في أواخر القرن التاسع عشر بشق قناة ثانية بجوار قناة السويس, وذلك للضغط على الإدارة الفرنسية للشركة ولإخضاعها لسيطرته. ولكن المشروع انتهى إلى الفشل كغيره من المشاريع التي طرحت مرارا وتكرارا.

والذي يجهله الكثيرون عن مستقبل القناة في العقد القادم أي بعد سنوات قليلة, سيتعدى دخل القناة معدل 100 بليون جنيه في العام الواحد, ومن ثم يتسارعون الآن على نقل ملكيتها بأي طريقة تحت شعارات مزيفة أكل منها الدهر الكثير.

توظيف موقع القناة والاهتمام به

أن الذين ينشغلون الآن ببيع الأصول, ولا همّ لهم إلا البيع كان عليهم أن يتدبروا قليلا في تعظيم العائد من قناة السويس, فلو أنهم اهتموا بموقعها الاهتمام اللائق به والجدير بها, ووظفته التوظيف التاريخي الذي يتناسب مع خطورته, لتغير تاريخها وحاضرها, لكن التقصير يقبع خلف الكثير من مشاكلنا التاريخية والاقتصادية والاجتماعية كما أن في تجاوز تلك الحالة يكمن مفتاح الحل لتلك المشاكل. إن معظم وظائف التجارة الخارجية والوساطة التجارية وخدمات الاتصال والمواصلات عبر معظم العصور كانت لغير المصريين, هذا يتكرر في كل العصور تقريبا وهو ما بات يوصف بكونه عرضا من أعراض إهمالنا للموقع وانصرافنا الشديد إلى مشاغل لا تحمل في طياتها أي قيمة مضافة بل هي بيع أصول تكونت عبر مراحل تاريخية طويلة ولا فضل لنا فيها بل الفضل للذين حاربوا وماتوا من أجلها.

مشكلة إن إمكانات الموقع الجغرافي لا تحقق نفسها بنفسها, بل من خلال الإنسان وبجهده تتحقق, فإنها أيضا لا تظهر كاملة مرة واحدة منذ البداية والى الأبد, وإنما هي تبرز وتتطور في عملية نمو تاريخي أساسا. من ثم لا نتكالب عليها لأننا نريد النتائج السريعة الواضحة للعيان.

فئات لها مصالح بوأد القناة

علينا أن ندرك الآن وبلا أوهام أن هناك فئة في الخارج وأخرى في الداخل لهما مصالح مكتسبة, إن لم تكن موروثة في تجميد بل ووأد القناة إلى الأبد من خلال مشاريع تنال من هيبة وأهمية قناتنا. وما أثاره البعض في الماضي من أن الأنابيب قد نالت من أهمية القناة قول لا يصادف الحقيقة فلا تعارض بين الاثنين بل كلاهما يكمل الآخر في تدعيم الاقتصاد الوطني دون تناقض فالجمع بينهما ليس ازدواجية بل تزاوجا وتخصيبا لا تعقيم, والأمر كله تكامل دون تفاضل.

سوف تتعرض القناة من الآن فصاعدا لحملة تشكيك في مستقبلها, صحيح هناك خطر نسبي ولكن هذا الخطر قد بولغ في تصويره وتضخيمه إلى حد خرج به تماما عن حدوده الحقيقية وعن حجمه الطبيعي. وإذا كان مصدر هذه الحملة معروفا وعلينا أن ندرك أنها جزء طبيعي جدا, ومتوقع من الحرب الدعائية والنفسية الضارية وأنها جزء من صراع السوق, ومن ثم علينا أن ندرك أن القناة قناتنا وأن قناتنا هي حياتنا وعلينا أن ندافع عنها عسكريا وأن ندافع عنها اقتصاديا ولا نسمح بتمرير مخططات مهما كانت مشفوعة بالحجج أن تنال منها. الذين يبحثون عن خط ثان للقناة كان عليهم أن يستفيدوا من القناة بأن نمتلك أسطولا قويا من السفن والناقلات لنقل البضائع والبترول بين الشرق والغرب. علينا أن نطوعها لأغراضنا ونطوعها بأن نتكيف معها بأن تتوسع باستمرار. فالخطر الحقيقي على القناة يكمن في أدمغة الذين يبيتون الكراهية والضغائن لاقتصادنا في سبيل منفعة شخصية أو مكسب دولي.

لماذا الرهان على أن المستقبل للقناة?

1- كان هناك توازن قوي وصراع سياسي في كثير من الأحيان بين مصر والعراق منذ فجر التاريخ القديم, كان هناك دائما عبر التاريخ توازن حساس وتنافس دقيق بين طريق مصر وبرزخ السويس وبين طريق العراق والخليج العربي على كلا جانبي أو ضلعي الجزيرة العربية, وفي هذا الشد والجذب والمد والجزر كانت العلاقة بين الطرفين عكسية إلى حد بعيد, فالارتفاع هنا يعني عادة الانخفاض هناك والعكس بالعكس, ومن ثم فالقناة الآن ولعقد قادم في حالة مد.

موقع القناة لا منافس له

2- موقع القناة لا نظير لها ولا منافس, ولا تفسير لهذه القوة سوى إستراتيجية الموقع الجغرافية, فمنطقة نفوذ القناة تغطي عموما أوروبا الغربية والوسطى ثم كل حوض البحر المتوسط بجانبيه ثم الشرق الأوسط بمعناه الواسع ثم جنوب آسيا وجنوبها الشرقي والشرق الأقصى حتى اليابان والفلبين ثم القطاع الأكبر من أستراليا والساحل الشرقي لإفريقيا بحيث يدخل حوض المحيط الهندي برمته في منطقة نفوذ القناة. ومن ثم فالقناة تحتل الأولوية المطلقة في حركة التصريف التجاري التي تصب إلى البحر واليها تذهب الأفضلية دائما, إذا ما قورنت بأي طريق آخر سواء على الأوراق أو في مخيلة البعض, فطريق السويس هو أقصرها لأنه الوحيد الذي يرسم خطا مستقيما مباشرا بين نقطتين فيه. وفضل القناة يتجاوز الحدود فأوروبا الغربية تدين للقناة بالجزء الأكبر من طفرتها الصناعية والحضارية الحديثة فهي التي قربت ثروات المستعمرات ووضعتها عند أطراف أصابعها بأرخص التكاليف والأسعار. ولكن ما يلفت الانتباه الآن هو دخل القناة الخالص الذي يقفز بانتظام, فالقناة بلا جدال أهم ممر عالمي إستراتيجي لأهم سلعة إستراتيجية في العالم. وسيظل البترول ملكا والقناة سيدة الموقف طويلا.

100 بليون جنيه الدخل السنوي

3- لقد تعاظم الدخل الناتج من حركة التجارة نتيجة لاستمرار النمو الاقتصادي العالمي في عام 2007 فقد توسع الإنتاج العالمي بنسبة 3.8 في المائة عام 2007 وسجلت البلدان النامية نمواً ثابتاً بنسبة 7.3 في المائة مقابل 2.5 في المائة للبلدان المتقدمة. وزادت الصادرات العالمية من البضائع بنسبة 14.4 في المائة لتصل إلى 13.8 تريليون دولار, كما زادت الصادرات من الخدمات بنسبة 18.1 في المائة لتصل إلى 3.3 تريليون دولار. وزادت صادرات البلدان النامية من البضائع بنسبة 15.2 في المائة وزاد نصيبها في صادرات البضائع العالمية من 37.3 في المائة إلى 37.5 في المائة, وزادت صادرات أقل البلدان نمواً من البضائع بنسبة 21.3 في المائة ليرتفع نصيبها من 0.85 إلى 0.91 في المائة. وقد سجل أكبر نمو دينامي لصادرات البضائع على مستوى المناطق النامية في آسيا 16.3 في المائة تليها أميركا اللاتينية 12 في المائة وأفريقيا 10.7 في المائة وسجلت الصين نمواً في الصادرات بنسبة 25.7 في المائة بينما بلغت نسبة النمو في الهند 20.3 في المائة.وخلال السنوات الست من 2000 إلى 2006 زاد نصيب الخامات والمعادن من صادرات البضائع الإجمالية للبلدان النامية من 4 إلى 7 في المائة والوقود من 20 إلى 22 في المائة. وبسبب ارتفاع الأسعار بصورة جزئية, زادت صادرات البلدان النامية من السلع الأولية بخطوات أسرع من المصنوعات, بمعدل سنوي يبلغ في المتوسط 15 في المائة, مقابل 13 في المائة للمصنوعات. وفي عام 2006, كانت السلع الأولية تمثل 34 في المائة من إجمالي صادرات البلدان النامية, وكانت المصنوعات تمثل 66 في المائة.وفي عام 2006, حققت التجارة في ما بين بلدان الجنوب نمواً بنسبة 22 في المائة, وكانت تمثل 17 في المائة من الصادرات العالمية في البضائع, أو أكثر من 46 في المائة من جملة صادرات البلدان النامية. وكانت آسيا تستأثر بنسبة 85 في المائة من الصادرات فيما بين بلدان الجنوب, بينما كانت أميركا اللاتينية وإفريقيا تمثلان 10 في المائة و 5 في المائة على الترتيب; وكان 81.5 في المائة من التجارة فيما بين بلدان الجنوب داخل الأقاليم بينما زادت التجارة فيما بين بلدان الجنوب على المستوى ألأقاليمي من 17.6 في المائة في عام 2005 إلى 18.5 في المائة. كل هذه النسب تنعكس إيجابا على دخل قناة السويس, كما ستزيد أهمية القناة بعد الأزمة المالية حيث تتعاظم التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي والآسيان وبين الآسيان والدول الإفريقية وبين أوروبا ودول الخليج أي أن خريطة التجارة الدولية الجديدة تصب في مصلحة قناة السويس وبالتالي سيتصاعد الدخل المتحقق ليتجاوز معدل 100 بليون جنيه سنويا, وهذا ما يدركه العالمون ببواطن التجارة الدولية.

4- بالإضافة إلى ذلك "الهدف غير المُ¯علن من رغبة الحلف الأطلسي في التمدد صوب الخليج لاحتواء الخطر الآسيوي المقبل", فالولايات المتحدة هي التي تقود هذا التوجه تحت لافتة مكافحة الإرهاب, ما سيعزز من أهمية القناة.

القناة الإسرائيلية وجدواها

القناة »الإسرائيلية« المزمع شقها بطول 318 كم ستفشل بمنافستها

5- وما يقال عن القناة الإسرائيلية لا يمت للمنهج العلمي بشيء, فمن حيث المسافة فان طول القناة الإسرائيلية المزمع شقها يبلغ 318 كيلومترا تقريبا وهو يمثل نحو 193 في المائة من طول قناة السويس البالغ 165 كيلومترا ما يؤثر على زمن رحلات السفن وتكاليف استهلاك الوقود الذي يصل إلى قرابة 33 في المائة من جملة تكاليف رحلات السفن. إضافة إلى خفض مدى استغلال الأصول الرأسمالية(السفن) ما يهدد الإنتاجية لهذه الأصول.إضافة إلى أن السفن المارة في القناة الإسرائيلية ستتعرض إلى درجة انحراف ملاحي كبيرة نسبيا حين خروجها إلى البحر المتوسط عما هو حادث بالنسبة للمرور في قناة السويس وهذا يؤثر تأثيرا سلبيا بطبيعة الحال على الزمن والتكاليف والمسافة الاقتصادية. وبالنسبة للتكوين الميكانيكي والطبيعة الجيولوجية للأرض فان المنطقة التي ستشق فيها القناة الإسرائيلية من عند قمة خليج العقبة إلى البحر الميت تتميز بوجود كل من الصخور النارية ومن شمال البحر الميت إلى ساحل البحر المتوسط تتكون في جانب منها من طبقات من الصخور الرسوبية الجيرية وذلك يرفع من تكاليف شق القناة ويستغرق زمنا إضافيا للانتهاء منها. كما ستمر القناة في صحراء النقب مخترقة الأراضي الإسرائيلية - الفلسطينية ما سيؤثر تأثيرا كيميائيا على مصائد وخزانات المياه العذبة التي تزود السكان والزراعة والصناعة والمشروعات الخدمية الأخرى بالمياه العذبة في تلك المنطقة.

0 تعليقات:

إرسال تعليق