Ads

العدالة والمساواة الاجتماعية والاقتصادية في مصر


دكتور عادل عامر

غياب العدالة الاجتماعية وراء كل التغيرات والتحويلات والثورات في العالم ، وأن العدالة الاجتماعية هي عدم التمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين أو الجنس وأنها هي أيضا العدالة في توزيع الثروة والسلطة معا لوجود علاقة وثيقة جدا بين الثروة والسلطة وكذلك العدالة الاجتماعية مؤشرا لكل من المستويات الاقتصادية والسياسية لأن غياب مبدأ تكافؤ الفرص يعنى غياب العدالة الاجتماعية بالإضافة إلى أن وجود التفاوت الطبقي وغياب العدالة الاجتماعية يؤدى إلى غياب المواطنة فلابد من الخروج من الاضطهاد والتمييز لتحقيق العدالة الاجتماعية، كذلك أكد على أن الفترة الناصرية تعتبر مرجعا في تحقيق العدالة الاجتماعية .
العدالة الاجتماعية هي تلك الحالة التي ينتفى فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو من كليهما، والتي يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي وتنعدم فيها الفروق غير المقبولة اجتماعيا بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة، والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة ولا تجور فيها الأجيال الحاضرة على حقوق الأجيال المقبلة، والتى يعم فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، والتى يتاح فيها لأفراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم ولإطلاق طاقاتهم من مكامنها ولحسن توظيف هذه القدرات والطاقات بما يوفر لهؤلاء الأفراد فرص الحراك الاجتماعي الصاعد، وبما يساعد المجتمع على النماء والتقدم المستدام، وهى أيضا الحالة التى لا يتعرض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي وغيره من آثار التبعية لمجتمع أو مجتمعات أخرى، ويتمتع بالاستقلال والسيطرة الوطنية على القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ارتسمت ملامح النظام السياسى الجديد بممارسة القائمين عليه للسلطة واحتكارهم لها، ثم بمناسبة اعتماد الدستور عنوة فى ديسمبر 2012، ثم زادت هذه الملامح وضوحا بمحاولة سن قانون انتخابى فج فى اجحافه، هدفه تكريس احتكار السلطة وإدامته. عندها أيقن الفريقان، كل على حدة، أنهما إن لم يتحركا فإن مصير حقوقهما، لا محالة، مزيدا من التدهور. الفريقان يتكونان من جماعات وأحزاب متعددة. الفريق الأول، هو جبهة الإنقاذ الوطنى، يتكون من أحزاب وجماعات ليبرالية ويسارية يجمعها التوجه المدنى، وفصل المجال الديني عن المجال السياسي فصلا يتفق وتقاليد الدولة الحديثة فى مصر التى لم تعاد الدين يوما بل راعته واستلهمته. اختلفت الأوزان النسبية للقضية الاجتماعية ولدور الدولة فى تصحيح انحراف السوق الحرَة لدى كل من هذه الأحزاب والجماعات، ولكنها اتفقت على مقاومة إعادة انتاج التسلط والسلطوية. الفريق الثانى يتشكل من مجموعات شتَى، بعضها معروف والبعض الآخر مجهول أو تختلف بشأنه التقديرات. هذا الفريق لا مركزية فيه، ولا تنظيم يلمه، ولا فكر واحدا يجمعه. هذا الفريق يغذيه شباب حاضره بائس ومستقبله مسدود، ومواطنون رافضون تلقائيا لسطوة أى فريق يمارس السلطة وحده ويحتكرها، وأطفال شوارع وسكان مناطق عشوائية على أطراف المدن وفى داخلها لم تعن الدولة بهم يوما لا قبل الثورة ولا بعدها، وجماعات مشجعى أندية كرة القدم التى صارت من الفاعلين الاجتماعيين المؤثرين فى العملية السياسية لأول مرَة فى أى مكان فى العالم، ومع هؤلاء وأولئك جماعات الشباب متفاوتى التطرف الذين لا يثقون فى الدولة أصلا ويظنون أنها ستخدم الأقوياء دائما على حساب الضعفاء. الفريق الأول، جبهة الإنقاذ، استقوى بسخط الناس على احتكار الإخوان المسلمين للسلطة، وهو رأى فى حجم الاحتجاجات أكبر سند له فى مواجهة السلطة. احتجاجات الجبهة سلمية، والسلمية هى امتداد لأهم ما ميَز الموجة الأولى للثورة فضلا على أنها فى طبيعة نضال الجمهور المنتمى لأحزاب وجماعات الجبهة أو المناصر لها. الفريق الثانى ليس لديه الشيء الكثير يخسره، وهو فى أغلبه لا إطار فكريا لديه يشجع على السلمية أو يثنى عنها، ولكنه وقد أعوزته الوسيلة من جانب، بالإضافة إلى كونه ضحية العنف التاريخي بل والحالى للدولة من جانب آخر، استرجع الحريات التى كان قد تنازل عنها لهذه الدولة ومارس العنف تجاهها بدرجات متفاوتة. لما استقرَ فى وجدان كتلة حرجة من المصريين أن العقد الاجتماعي الذى أبرموه فيما بينهم، وأنشأوا الدولة الحديثة بموجبه وأوكلوا إليها تطبيقه، متوسمين فيها احترامه، لما استقرَ فى وجدانهم أن هذا العقد قد انحسر وأن الدولة قد فككت التزاماتها بمقتضاه، انتفضوا ثائرين. ثار المصريون لاسترجاع حرياتهم التى سلبها النظام المباركى، وأملوا فى أن تجدَ الدولة، بعد سقوط رأسه، فى تنظيم حياتهم، وفى توفير الظروف الضرورية لتلبية احتياجاتهم. فى بداية ثورتهم، وثق المصريون فى أن النظام السياسي الجديد سيشخص احتياجاتهم تشخيصا سليما، وسيمكِن الدولة من أن توفر لهم حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية جميعا. على هذا الأساس احترم المصريون الدولة، أو على الأقل لم يقل احترامهم لها عما كان عليه أيام سطوة الفساد، وجبروت أمن الدولة. بمرور الأيام، ادرك فريق من المصريين أن تحايلا قد جرى على حقوقهم السياسية، وأن الممارسة الفعلية لحقوقهم الاقتصادية قد تراجعت، وتأكد فريق ثان، مهمل على مرِ الزمان، زادت سياسات النظام المباركى من وطأة الإهمال عليه، تأكد هذا الفريق من أن أى تغير لم يطرأ على حرمانه من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية أولا ثم والسياسية، وأن السلطة الحاكمة لم تبد أى اهتمام بهذه الحقوق، حتى ولو اهتماما رمزيا لا يتعدى الكلمة الحلوة! ويحسن بنا التوقف عند عدد من عناصر هذا التعريف الواسع والمركب للعدالة الاجتماعية لإيضاح معانيها ومراميها وبيان بعض العلاقات المهمة التى تربط بينها. ومن أول ما يجب التوقف عنده العدالة الاجتماعية والمساواة والعلاقة بينهما. فكثيرا ما ينظر إلى العدالة الاجتماعية كمرادف للمساواة. ولكن يجب الانتباه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعنى المساواة الكاملة أو المطلقة، أى أنها لا تعنى مثلا التساوي الحسابي فى أنصبة أفراد المجتمع من الدخل أو الثروة. فمن الوارد أن تكون هناك فروق فى هذه الأنصبة، حيث تتواكب هذه الفروق مع الفروق الفردية بين الناس فى أمور كثيرة كالفروق فى الجهد المبذول فى الأعمال المختلفة وفيما تتطلبه من مهارة أو تأهيل علمي أو خبرة، وكذلك الفروق المرتبطة بالعمر (حيث تقل الاحتياجات الغذائية للطفل عن البالغ) أو المرتبطة بالحالة الصحية (فالمريض قد يحتاج موارد أكثر من السليم للصرف على علاجه).
على الرغم من أن التركة الاقتصادية التي خلفها الرئيس السابق حسني مبارك وراءه كانت مثقلةً بالمشكلات الاقتصادية، فإن سوء إدارة المرحلة الانتقالية أدت إلى تفاقم تلك المشكلات إلى درجة حدت بالبعض إلى التساؤل عن مدى إمكانية وصول مصر إلى مرحلة الإفلاس. فقد أدى الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى حالة التخبط في إدارة الدولة -والتي بدت واضحةً في إصدار القرارات والتراجع السريع عنها في أكثر من مرة- إلى إشاعة حالة من الضبابية حول البيئة الاستثمارية في مصر، وعدم الاطمئنان إليها، مما تسبب في عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، من أبرزها:
1-    انخفاض معدلات النمو بصورة كبيرة لتصل إلى 1,8% في عام 2011، مقارنة بنحو 5,1% في عام 2010، كما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل النمو سيواصل الانخفاض في عام 2012 ليصل إلى 1,5%.
2-    هروب كثير من الاستثمارات إلى خارج البلاد، وتراجع معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كبيرة، حيث انخفض صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليصل إلى 2078,2 مليون دولار في العام المالي 2011/2012، مقارنةً بنحو 2188,6 مليون دولار في عام 2010/2011، ونحو 6758,2 مليون دولار في العام المالي 2009/2010.
3-    انخفاض الاحتياطي النقدي بصورة كبيرة من 35.221 مليار دولار في يونيو 2010 إلي نحو 15.533 مليار دولار في يونيو 2012، بما يعنيه ذلك من أن حصيلة الاحتياطيات الدولية أصبحت لا تكفي لتغطية الواردات السلعية المصرية سوى لثلاثة أشهر فقط.
4-    تزايد عجز الموازنة العامة للدولة واتساع الفجوة بين النفقات والإيرادات والتي يتوقع أن تتجاوز 10% بنهاية العام المالي الحالي على الرغم من أن التوقعات في بداية العام لم تتخطَّ 8%.
5-    تدهور التصنيف الائتماني الخاص بمصر وما تبعه من ارتفاع أسعار فائدة القروض التي تبرمها مصر سواء من الداخل أو الخارج.
6-    اعتمدت الحكومة على الاقتراض كحل سهل وسريع لتمويل ذلك العجز، مما أدى إلى تضخم حجم الديون بصورة كبيرة حتى وصل الدين العام المحلي إلى 1238,137 مليار جنيه في العام المالي 2011/2012، مقارنة بنحو 1044,898 مليار جنيه خلال نفس الفترة في العام المالي 2010/2011. وقد تم عقد غالبية هذه القروض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية وصلت إلى 15- 17%، وهو ما جعل خدمات الديون وحدها تلتهم ما يقرب من 25% من نفقات الموازنة الحالية.
7-    أيضًا ارتفعت معدلات البطالة بصورة كبيرة لتصل المعدلات الرسمية المعلنة إلى نحو 12% في عام 2011، مقارنة بنحو 9% في عام 2010، وهي معدلات يتشكك الكثير من الاقتصاديين في مدى صحتها، ويرون أن المعدلات الحقيقية تتخطاها بكثير.
ومن الواضح أن الحكومة قد بدأت في تنفيذ شروط صندوق النقد منذ أعلنت رفع أو تخفيض الدعم على عدد من السلع من دون الإشارة إلى أن تلك الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ روشتة الصندوق. وبدأت الحكومة بتنفيذ هذه الإجراءات تدريجيًّا بداية من إعلان خطة زمنية لبدء تخفيض الدعم على البنزين والسولار، مرورًا برفع أسعار الكهرباء وصولا بالضرائب الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا ثم ما لبث الرئيس محمد مرسي أن ألغاها تحت وطأة الغضب الشعبي، معلنًا أنه سيطرحها للحوار المجتمعي في الوقت الذي توجهت فيه حكومته لصندوق النقد لتأجيل إعلان الصندوق للمصير النهائي للقرض لمدة شهر حتى تتمكن الحكومة من تطبيق السياسات المتفق عليها. وهو ما يعني أن نتيجة الحوار المجتمعي محسومة مسبقًا، وما هو إلا محاولة لتهدئة الرأي العام قبل إجراء الاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من ديسمبر.


--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق