Ads

الأخطاء المنهجية في دراسة الحضارة الإسلامية

بلصفار محمد

كما هو معلوم أن التاريخ فضاء لدراسة الحضارات بكل جوانبها المعرفية والإحداثية من أجل فهم سبب نهضتها وسر تفوقها لاستخلاص نواميس التطور والازدهار التي عرفته تلك الحضارات في كل مجلاتها – الاقتصادية ، الحربية العلمية ،الفنية ..،و استخراج مكامن الضعف التي أدت إلى انهيارها بغية استبطان العبر لتكون فيما بعد محط الأنظار لتفاديها أو تقويمها سواء في الحاضر أو المستقبل ، هذا ما ينتج عندما تكون لدينا  دراسة علمية مبنية على الدافع المعرفي لتشرب معاني الاكتشافات التي سجلتها الحضارات السابقة للبناء عليها صيرورة التقدم والتطور نحو الأفضل إلا أن بعض  تلك الدارسات التي أخذت على نفسها طابعا علميا لن ترتقي بعد إلى مصاف العلمية بسب أخطاء منهجية أدت إلى تهجينها تارة والى تقبيحها تارة أخرى، فقد تكون تلك الأخطاء مقصودة أو مغلوطة عفوية جاءت نتيجة جهل أو استجهال.
 فالدراسة العلمية  لا بد لها آن تتجرد من كل الخلفيات الفكرية أو التوجيهات السياسية من أجل الأمانة العلمية ومن أجل سلامة البحت العلمي لكي لا يصبح مولودا هجينا ناتجا عن زواج مثلي  يكون أحد طرفيه الأدلجة الفكرية التي تكون موجهة لتلك الدراسة نحو نتيجة معينة لتسخر أداة في أيدي الرعاع من أجل البرهنة المغلوطة على أطروحات فاسدة لا تصلح بأن تكون مذاهب لبناء حضارة جديدة ومن بين الحضارات التي تعرضت بعض دراساتها إلى المنهج المثلي هي الحضارة الإسلامية لما تنعم به من إرث معرفي وعلمي ونظرا لدورها الأساسي في تطور العلوم الحديثة  من بصريات وطب ... ونقلها عبر الحضارات الأخرى كالحضارة اليونانية وغيرها، فالحضارة الإسلامية تعرضت لسموم من طرف دارسين وباحثين ومفكرين منهم من يحسبون أنفسهم أبناء لها * طه حسين* ومنهم من يعتبرون أنفسهم موضوعيين يحملون القرحة  المعرفية  كأمثال هاملتون جب وغيره من المستشرقين  فهؤلاء ارتكبوا أخطاء منهجية أثناء دراستهم للحضارة الإسلامية نتجت لنا  أطروحات عبارة عن مسخ علمي لأن دراستهم لم تكون بعيدتا عن الأدلجة الفكرية و السياسية  لأنهم لم يعتمدوا على الموضوعية كقاعدات لهم  بل عوضوها  بالحمولات الاديولوجية والتوجيهات الفكرية  كمقام لدراستهم ،وهدا لا يعني أن الحضارة الإسلامية وصلت إلى قمة المثالية فهي حضارة عظيمة لها ما لها من امتيازات وعليها ما عليها من أخطاء تاريخية، إلا أن من العيب أن ينهج أصحاب العلم الزيف والتخديع من أجل إبطال عظمة هذه الحضارة التي ارتقت بالإنسان إلى مصاف الكمال   .
فالأخطاء المنهجية التي اعتمدها هؤلاء كانت في بعض الأحيان تحمل في ثنياها نية دفن هذا الموروث الإنساني و تلفيق حالة الوفاة له من أجل دفنه وتركه بمبرر التخلف و الرجعية من خلال طرح بديل له وهو النهج الغربي نظرا لدهشتهم بها أو لتفكيك وتشكيك صدق ذلك الموروث فيأخذون التزييف و التلفيق منهجا لهم و الخلط  قلما لهم فالأخطاء المنهجية تتمثل في  ستة أخطاء كلها  التالي :
·        غياب الموضوعية و حلول الحمولات الاديولوجية والتوجيهات الفكرية
هدا ما نجده حاضرا بقوة لبعض الدراسات بحيث أن الدارس لا يتحلى بروح الموضوعية بقدر ما يوجه بحثه نحوى طابعه الاديولوجي معين ، ودالك بفعل استحضار الخلفيات الفكرية لدارسين وهدا ما نتج عنه التداخل و الخلط وتوجيه الدراسة نحوى أغراض سياسية فتجد الدارس ينتقد تم ينتقد ليصل إلى أن الموروث فاسد لا يصلح  لهدا الزمان فيطرح تصوره الاديولوجي البديل  فيبرز نقاط محاسنه ليبدأ بتجميلها بمساحيق الزيف ، فغياب الموضوعية يحيلنا مباشرتا إلى طابع   الذاتية التي  تسقطنا  في لا علمية والتي تسقطنا بدورها  في حفرة الصراع الكلامي الفارغ من المحتوى الفكري الراقي  فترى الكثير من الكتابات موجهة لضرب الحضارة الإسلامية على أنها حضارة بربية هوجاء فتجدهم يسقطون في تناقضات عديدة فيصبح مهمة دارس عند إذن هو التجريح و التظليل الفكري فغياب الموضوعية هو خطأ جسيم بحق أي دراسة علمية كيف مكانة وهدا ما يولد لنا الأخطاء الأخرى   .
فالموضوعية شرط أساسي للمعرفة العلمية اد أنها تكون مجردة من الشوائب الذاتية التي تنتج لنا المسوخ المعرفية المشحونة بتيارات الإديولجية التي تسبب التضليل وغيره التي تفقد طابع الدقة و النزاهة المعرفية .

·        النقد الناقص
 النقد منهج أصيل لتحصيل المعارف الأصيلة هدا المنهج الذي يشترط في صاحبه الدراية الكاملة بمادة النقد سواء كان أدبا أو علما أو معرفتا...، فالناقد ضابط لمادة نقده فلا يمكن للطبيب أن يقدم نقدا موضوعيا علميا لقصيدة شعرية ولا يمكن لروائي أن ينتقد نظرية علمية..،  فشرط النقد القويم هي المعرفة الكلية والكاملة بموضوع النقد هدا المنهج الذي استعمل استعمالا ناقص بحيث أن الناقد لم تتوفر فيه شروط اللازمة لنقد ودلك بسب عدم معرفته الكلية بالحضارة الإسلامية فمن أراد أن يفهم الإرث الإسلامي فلا بد له أن يطلع على علومها بالكامل من اجل نقد علمي بناء وليس الاقتصار على جانب دون الأخر فبعض الدارسين يقتصرون على الأحداث دون معرفة معالم الفكر الإسلامي فيطلقون أحكام قيمة بدون علم فيتهمون هدا المورث بالتخلف الحضاري فلا يجب التكلم عن علم الكلام دون الفقه ولا يمكن التكلم على الأحكام الشرعية دون مقاصدها ..، ولا يمكن حكم على أن العقل مجمد في الحضارة الإسلامية فابن تيمية رحمه الله اعتمد أداة المنطق كمنهج قويم ليرد بها على الفلاسفة . فالتحدت بغير علم يولد لنا  نقدا ناقص هدا النقد الناقص ينتج لنا أطروحات ناقصة الفهم  فان كان النقد مبني على معرفة ناقصة فان النقد سيكون ناقصا مغاير لمنهج القويم بل ترجع إليه كل أسباب الأخطاء كلها التي وقع فيها الدارسون  فلا بد لناقد أن يدرس بعناية كل الجوانب المعرفية والعلمية ... وان يعلمها وألا يقتصر على جانب وإهمال جانب أخر ، وقد يكون هدا نقد ناتج عن توجيه اديولجي بفعل فقدان الطابع الموضوعي  .
·        القياس المغلوط :
هدا المنهج الذي اعتمده الكثير من بني جلدتنا لدراسة الحضارة الإسلامية بكل جوانبها ودلك بدراستها على  أن الحضارة الإسلامية هي مقابلة للحضارة المسيحية فحملوها ما لا تتحمل ، فينظر إلى الفكر الإسلامي على انه نظير للفكر المسيحي و أنهما متقابلان نظرا لقيام حضارتهما على الدين السماوي وهدا ما ينتج لنا مغلطات في طرح الإشكالات الفكرية والمعرفية لان هناك فرق شاسع بين المسيحية و الإسلام فالأول غايته الوحيدة هو تنظيم علاقة الفرد بربه بعيد عن المجتمع أما الإسلام فجاء مغاير مخالفا للمسحية فتعاليمه متعلقة بالعبد وربه وبين العباد اجمع فسن في الاقتصاد ما سن و سن في العلاقات الزوجية ما سن...، وهدا ما يجعل نضرة زملائنا نضرة مغلوطة إلى الموروث الإسلامي فيقسون التراث الإسلامي   على التراث المسيحي  فينتج لنا نتائج مشوه ومن بين تلك النتائج هو فصل الدولة عن الدين لاعتبار أن الفكر الإسلامي السياسي متأسس على الدولة الدينية يكون قائدها الوصي على العباد فيستمد سلطة المطلق من الرب هدا يمكن اعتباره حال المسيحية أما الإسلام فلا وسيط بين العبد وخالقه  إذ يقدم شرائع تسري على الكل دون عصمة احد و أن الكل تحت الشرائع المنزلة كيف ما كانت مرتب الفرد في وسطه  وهدا مغاير للمسيحية وفي هدا الصدد نجد مجموعة من الإشكالات المغلوطة في حق الموروث الإسلام والتي جاءت نتيجة للقياس المغلوط ومن بينها هل الإسلام دين آم دولة؟ وهدا الإشكال هو قياس لإشكال غربي هل المسحية دين أو دولة نظرا للخلط الذي كانت تلعبه الكنيسة في العصور الوسطى فكانت تتحكم في كل شيء باسم الرب فالإسلام مغاير لداك إذ يحمل مجموعة من الشرائع والأحكام وان استحضرنا هدا في دراستنا لتغير الإشكال من هل الإسلام دين أو دولة ؟ إلى هل الإسلام سلطة أو شرائع ،
 ومن تلك القياسات   المغلوطة التي أقيمت على الفكر الإسلامي استحضار وجهة نضر اسبنوز في تفسير الوحي على انه حلم فقط للأنبياء فالفيلسوف المقتدر اسبنوز له اجتهد وفسر دالك على ضوء النصوص المتاحة له من الدين المسحي واليهودي فوصل إلى تلك النتيجة والغريب أن بعض من الدارسين  اخذوا تلك الدراسة وقاموا  بتنزيل دالك التصور على التراث الإسلامي  فنتج لنا نتائج مغلوط لان الإسلام قدم لنا حقائق علمية سواء في سنة او القرءان و ليس احجيات كما هي مورودت في الأسفار المسحية   ، هدا القياس الذي أسفر لنا الفهم المغلوط للموروث الإسلامي بسب الجهل في بعض الأحيان و الإستجهال في كثير منها  الذي  قادنا إلى عقم فكري جعل  المفكرين من أتباع هدا الطرح يدرون حول دائرة التبعية فحاولوا البحت عن توفيق بين ما سمي الاشتراكية والإسلام واللبرالية و الإسلام ليوفقوا بينهم مثلهم مثل من قبلهم الدين حاولوا توفيق بين ارسطوا و الإسلام  فانتهى بهم الأمر في الضياع فاستعملت كتاباتهم لأغراض سياسية و أدى إلى ما نسميه بالتفسخ الفكري الذي صار مسخا مجسدا في عقول الشباب الذين يرون أنفسهم نخبة بلا نخوة لعدم معرفتهم اي تيار يسلكون أو أي درب ينهجون فتراه مسلم اشتراكيا، مسلم لبراليا لا يعلم الأصح  كم الفاسد فيسقط في تناقض مخيض نتج عنه تشوه الفكري .
 فالقياس المغلوط يولد لنا  نتيجته هجينة مهينة تسقطنا في تناقضات لا أول لها من الأخر لها ، نفس هدا المنهج استعمله بعض المستشرقين من اجل تشويه الإرث الإسلامي وجعله كظلامية القرون الوسطى لخلطهم بين الإتنين وهاد ليس غريب على دخلاء ممن يريدون أغراض التخريب لكن الأخطار الحقيقية هي التي يعتمدها من هم بداخل ولهم العذر في دالك إن كانت نية صافية و هؤلاء قاموا بمراجعات لما نادوا به  . فالقياس المغلوط يكون ناتجا دائما عن عدم المعرفة الكلية بالشيء المقاس به او عليه هدا الجهل يسقط الدارسين في المغلطات القياسية أو يكون في بعض الأحيان قياس مقصودا لتضليل و التشويه .
·        الخلط بين الأحداث التاريخية و المعرفة
من بين الأساليب التي نهجه بعض الدارسين هو الخلط بين المعرفة و الاحدات التاريخية هدا الخلط الذي يؤدي الى تشويه الكل و التأثير على لفهم مما يحصل إلى تداخل الاحدات على أنها انعكاس لتلك المعارف و المذاهب وهدا بين جلي في مجموعات من الأطروحات من بينها أطروحات طه حسن الذي يرى على أن الإسلام لا يختلف على العصور الوسطى لخلطه بن الفكر الإسلامي وبين الأحداث التي وقعت إبان الشرخ التاريخي الحاصل في الحضارة الإسلامية التي انسلخت فيه الأحكام  على المنهاج الإسلامي لما جاء به النبي محمد عليه أفضل الصلاة وسلام  فيستدل بتلك الفترات على أنها انعكاس لتعاليم الإسلام بأنه معاد للعلم والفكر دون عودته إلى الأصول والنبوع الفكرية  فيهتم بالقشريات التي تولد له مغالطات كثيرة  إما الغرد منها التشويه او التبرير لطرح متبع وهدا ما يعتمد عليه الاشتراكيون وغيرهم من دعاة الحداثة وحتى هده لم يفهموا  على أنها استمرار لماض بعيد  فالخلط بين المعارف والأحداث التاريخية  التي تولد لنا فهم مغلوطا للحضارة الإسلامية و لمعارفها بل ينتج لنا تؤيلا مشوها  .
·        النقص و التلفيق
ومن بين الأمور المنهجية الخطيرة التي اعتمداها بعض الدارسين هو تلفيق روايات للتاريخ الإسلامي مزعومة  أو اقتطاع ونقص لبعض  الراويات بغيت التشوه وتأويل المغلوط  للاحدات ومن بينها الرواية المغلوط " إقصاء علي كرم الله وجهه من الخلافة  وتحالف عمر بن الخطاب و ابي بكر الصديق لاستيلاء على الخلافة " فهده  كلها روايات لم تثبت مدى صحتها بقدر ما تبت مدى تزيفيها وتلفقها ودلك بسبب عدم مطالبة فاطمة بارت الخلافة لأنه لو كانت الخلافة ارث لأل البيت لطالبة بها فاطمة بنت رسول وزوجة على كرم الله وجهه عليهم رضوان الله أجمعين  ،فكل تلك الطرق تهدف إلى تشويه الأحداث التاريخية  وطعن فيها وفي  الفكر وهدا يكون بدافع الحملات الاديولوجية وتوجيهات السياسية نضرا لوجود حركات إسلامية تدعو إلى العودة للفكر الإسلامي فمن البديهي وجود دراسات تشوه هدا الفكر النوراني  ومن ابرز هدا التيار المستشرق برنارد لويس الذي كرس كل مؤلفاته للحضارة الإسلامية لتقديمها على انها حضارة دم من اجل إرهاب صورتها وهدا ليس بالغريب وإنما هو المعتاد وهدا لا يعني أن كل المستشرقين متله فهناك من قدموا دراسات تتسم فيها الموضوعية كالباحث توماس أرنولد و هوفمان هؤلاء قدموا دراسات علمية ترى فيها المنهج العلمي القويم البعيد من الأدلجة الفكرية وتوجيهات السياسية وهناك من يعتمد على هذه الطريق لضرب الفكر الإسلامي نظرا لمنافسته القوية داخل الساحة الفكرية والسياسية لباقي التيارات الأخرى  .
·        التشكيك
ليس العيب في الشك كمنهج بغيت الوصول إلى المعرفة و الحقيقة بقدر ما هو معوب على البعض التشكيك من اجل التلفيق وهؤلاء تبنوا هدا المنهج لدرب صدق الرسول الكريم و تشكيك في الأحداث التاريخية التي لها بصمات علمية وعملية التي مازلت موجودة إلى حاضرنا و يكفنا القرءان الكريم خير دليل الذي أكد العديد من العلماء على  أنه الكتاب الوحيد الذي لم تتبدل حروفه على وجه البسيطة ، فالتشكيكيون  لا يعترفون بالشك كمنهج قويم بقدر ما يعتبرونه منهج لتمرير المغالطات الفكرية والتاريخية ، فإن كان الشك قد  أحدت ثورة فكرية مع الرازي قبلا تم مع ديكارت لاحق فحرر العقل من جموده ووصاية  التي مورست  عليه ليحوله  البعض من أداة للوصول إلى الحقيقة المعرفية إلى أداة تحاول تخريب الحقيقة فتسقط صاحبه في دوامة العبث والتيه الفكري المفضي إلى حلقة جدلية لا منطق لها سوى مفردات عائمة . فنقول لهؤلاء العبثيين من المشككين لمادا لم يستطيعوا لحد الآن وضع حجج منطقية قائمة على العقل والحجة العلمية بأن القرءان كلام من عند بشر كسائر الكتب الأخرى ، بقدر ما أبانوا على نقاط ضعف في دراستهم فلا يمكن الإقرار بأن القرءان لم تتغير به الحروف ولم تستبدل به الكلمات أن يكون كلام عادي فكيف يفسرون دلك ؟.


-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق