Ads

الليموريون الجدد


عبد الرازق أحمد الشاعر

ذات تاريخ، أراد الجراح جون بلاند أن يجري عملية كاتاراكت لحيوان الليمور في إحدى المستشفيات العامة بمدغشقر، فلما عرض الأمر على مديرها هناك، سأله الرجل إن كان قد سبق له إجراء جراحة مماثلة في عين بشري. ولما أجاب صاحبنا أنه لا سوابق له في إزالة العتمة عن عينين آدميتين، رفع المدير حاجبيه الكثيفين حتى تقوسا حول عينيه وقال ماطا شفتيه: "كيف آمنك على عيني ليمور قبل أن تجري عملية ناجحة في عيني بشري؟ ألا تعرف أن سعر الليمور قد تجاوز خمسين جنيها يا رجل؟"
والليمور لمن لا يعرفه حيوان ثديي رمادي اللون ملطخ ظهره بالبني القاتم الذي يخف تدريجيا حتى يكاد يتلاشى عند البطن، لكنه يحمل رأسا بيضاء تتخللها بقع سوداء كالحة فوق الجمجمة، ولا يصل طوله إلى نصف متر مهما امتد به الأجل. لكن الحيوان الذي لا يكاد يتجاوز ثلاثة كيلوجرامات رشيقة يعيش في جزيرة مدغشقر أعورا بين العميان. فهو ملك القلوب هناك بلا منازع والمسيطر على بورصة المشاعر. 
يقضي الليمور معظم وقته فوق اليابسة متنقلا بين أفرع الأشجار بخفة قرد ورشاقة أرنب باحثا عن ثمرة هنا أو برعم هناك، لكن شيئا مما ذكرت لا يجيز لمسئول يحمل عينين كأعيننا وتاريخا مثقلا بالغصات كتاريخنا أن يقدم عيني ليمور على عيني تيمور أو يرفع سعره فوق سعرنا.
صحيح أنه حيوان اجتماعي يجيد حياة القطيع ويحك أفراده في دعة ظهور بعض، وصحيح أنه لا يأكل اللحوم ولا يلطخ أصابعه المتراصة كأصابعنا بدماء رفيق أو يلعق بلسانه سمعة غريم، ولا يكذب أو يغدر أو يخون، إلا أنه كمثلنا تسيره النساء وتقود قطيعه أنثى. فأي فضل يمكن أن يدعيه ليمور على تيمور؟ وأي بجاحة تلك التي نفضت حاجبي مدير مستشفي كأرياش طائر حين أراد جون بلاند إزالة الغشاوة من فوق عيني ثديي مثلنا؟
ليت المسئولين في بلادنا يتفضلون بدعوة ذلك النخاس المدغشقري لزيارة مصرنا ليرى أن سعر الإنسان هنا قد تجاوز سعر الليمور المدلل هناك بسبعة أضعاف. ليت نصير الليموريات هذا يقف بين قضبان الموت أو قرب أكوام العمارات المهدمة أو أمام مستشفياتنا المعدمة ليسمع بأم أذنيه كيف أن النخاسين في بلادنا يقدرون الإنسان وإن كان بضعة أشلاء تحت مقاعد قطار أو جثة مفرومة تحت كتل الأسمنت.
ليته يرهف سمعه للمتاجرين بلحومنا ليرى كم يقدر الإنسان في بلاد الثورة والثائرين. وليت أبناء مدغشقر المقهورين يتواصلون مع نشطائنا على مواقع التواصل الاجتماعي ليتعلموا أن تحرير الإنسان يبدأ من البورصة. تقول الحكمة الإنجليزية: "حين يبخس المرء قيمته، لا يجب أن يتوقع من أحد أن يرفع سعره."

-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق