Ads

السلفيون يدخلون إلى فضاء العمل السياسي


دكتور عادل عامر

السياسة لعبة لها أصولها وخصوصياتها المتعارف عليها لدي المشاركين فيها ، وهي أصول وضوابط في مجملها مستقاة من العلمانية الغربية ، ولو فرض فيها النزاهة والحيادية وحرية الاختيار ، فستكون الغلبة فيها دائما للأكثر تأثيرا في الشارع ، والأكثر قدرة على التواصل والتعاطي مع الرغبات الشعبية ، والتيارات السياسية العلمانية في مصر تعلم يقينا أنها تيارات منبتة ، لا وجود لها على الحقيقة في الشارع ، وعند المواطن العادي ، وعلى الرغم من سيطرتها على المشهد الإعلامي والسياسي لعهود طويلة إلا أن هذه التيارات تعاني من ضعف شديد في الحركة والتأثير ، ووجودها في الحياة السياسية المصرية أشبه ما يكون بالقطع الديكورية التي توضع في الأركان لاستكمال الصورة الجمالية فقط لا غير ، لو نقلت من مكانها أو انكسرت لن يلحظ أحد غيابها ولن تؤثر علي سير الحياة اليومية.
بالتأكيد هناك قطاع سلفي داخل الإخوان ونعم هناك أرضية فكرية متشابهة، ولكن هذا لا يجب أن يجعلنا نتجاهل خصوصية الظاهرة السلفية ودورها، فقد سمح نظام مبارك منذ ٢٠٠٦ لإنشاء محطات فضائية سلفية، وكان السلفيون بعيدين عن السياسة تمامًا، ولذلك كانوا يرون في تظاهرات 25 يناير مصالح محدودة، ومفاسد أهمها، الشعارات الباطلة، ووجود المنكرات، وارتفاع احتمال سفك الدماء، وهذا ما ظهر في بيانهم الذي وزعوه نفس اليوم. سنجد مواقف ملتبسة للسلفيين من "ثورة 25 يناير"، أهمها من الداعية الشهير محمد حسان الذي عارضها ولما نجحت عاد وأيدها، ومثله، الشيخ أبو إسحاق الحويني الذي ظل في صمت إلى الآن، ثم كانت المواقف المتتابعة للدعوة السلفية بالإسكندرية والتي تمثل أكبر تكتل سلفي في مصر والتي جاء رفضها عبر فتوى للدكتور ياسر برهامي أحد أهم رموز هذه المدرسة حول حكم المشاركة في "ثورة 25 يناير" والموجودة على "اليوتيوب" حيث قال: "نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير...إلخ". كما نرى أبرز المعارضين "للثورة" الشيخ محمود المصري الذي حاول مخاطبة جموع الثوار في ميدان التحرير ومحاولاً حثهم على العودة إلى ديارهم وترك الاعتصام لكنه طرد من الساحة، وكذلك الشيخ مصطفى العدوي والذي تحدث بدوره في مداخلة للتليفزيون المصري رافضًا ما يحدث مشددًا على حرمة الدماء والتقاتل بين المسلمين، وكذلك الشيخ محمد حسين يعقوب الذي رفض "الثورة" ووصفها بالفتن المتلاطمة. وكان البيان الثاني الذي أصدره السلفيون يوم 29 يناير يقول: "لا يخفى على أحد ما حدث بعد مظاهرات الأمس مِن تخريبٍ للمُمْتلكات العامَّة والخاصَّة، وعملياتِ سَلْبٍ ونَهْبٍ تُعَرِّضُ المجتمعَ كُلَّه لأعظم المخاطر، وأَيُّ مكاسبَ تحصل للأُمَّة مِن تدمير وحَرق المباني العامَّة والوثائق والمستندات...إلخ".ثم أصدرت الدعوة السلفية بيانا حول انسحاب جهاز الشرطة (30 يناير)، وجاء البيان الثالث للدعوة السلفية حول معالجة الموقف الراهن يوم 31 يناير والذي ناشد جموع المسلمين في مصر بقوله "أيها المسلمون، نناشدكم اللهَ تعالى أن تحفظوا مصرَ قَلْب العالم الإسلامي، وأن تحموها ممن يريدون تخريبَها وترويعَها...إلخ". وقد تضمن البيان عددَا من النقاط تتعلق بحرمة الدماء والأعراض".ثم جاء بيان يوم 1 فبراير ليعبر عن رؤية الدعوة السلفية الرافضة للثورة بقوله ".... إن تغيير الوضع السابق على الأحداث ضرورة حتمية، فلا يمكن الاستمرارُ في دَفع البلاد إلى مَزيدٍ مِن الفوضى". (موقع صوت السلف) وبالطبع كان موقف جماعة أنصار السنة والجمعية الشرعية، وكذلك التيار المدخلي حيث حرما التظاهرات والمسيرات والخروج على الحاكم، على لسان الشيخ أسامة القوصي الذي دعا إلى الوقوف بقوة أمام المتظاهرين والسمع والطاعة للسلطة الحاكمة، في خطبة الجمعة بمسجده بمنطق عين شمس. وفجأة يتغير موقف السلفيين بعد تغيير النظام، وظهر ذلك في البيان الذى أصدرته الدعوة السلفية بالإسكندرية "هل تريد أن تفقد مصر هويتها الإسلامية؟ كن إيجابيا وشارك معنا" والذي وزع في مؤتمر حاشد بالإسكندرية (8 فبراير) حضره ما يقرب من 100 ألف شخص، كما تم عقد مؤتمر آخر بالقاهرة يوم الاثنين 14 فبراير، في نفس الاتجاه، تحدث فيه الشيخ سعيد عبد العظيم. ومن طالع المؤتمر الذي أقامه السلفيون في مسجد عمرو بن العاص يوم 1 إبريل، سيدرك ذلك، حيث دعا القادة والمشايخ محمد إسماعيل وعبد المنعم الشحات وسعيد عبد العظيم إلى العودة للشريعة الإسلامية، وطالبوا المجلس العسكري بتفعيل حدود الشريعة، ولم يفوت عبد المنعم الشحات المتحدث الإعلامي باسم المدرسة السلفي بالإسكندرية الحوار الوطني فقال: "لا يمكن لهذا الحوار أن يُقر دستورًا، ولا حتى أن يقدم مشروع دستور للهيئة التأسيسية التي نصت عليها التعديلات الدستورية التي قال لها الشعب: "نعم".. فهل ندرك مصر.. قبل "فوات الأوان"؟!وجنحت التيارات السلفية في مجملها إلى إعادة رسم خرائط سلوكياتها وسياستها بل وتنظيراتها، على قاعدة العمل السياسي، ومن هنا تكمن الخطورة وهي عدم ممارستها الفعلية للسياسة من قبل، مع عدم وجود الوعي الكافي لها، وعدم وجود أطر تنظيمية داخلية لهذه الجماعات، مما يؤدي إلى مزيد من التصرفات الفردية الكثيرة من أتباعها، وهذا ما حدث أو ما نسب إليهم على الأقل. "كانت مشكلة المشكلات للسلفيين أنهم أبعدوا أنفسهم عن السياسة فترات طويلة وعادوا إليها الآن، فوجدوا أنفسهم محتاجين لخبرة الإخوان المسلمين وقواهم السياسية المنظمة، ووجد الإخوان أنفسهم محتاجين للسلفيين ذوي الحركة الاجتماعية الواسعة النفوذ التى لا يمكن تجاهل ثقلها الشعبي، وكان واضحا بشكل كبير وقوفهما معًا في أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية، واتضح أن أي معارضة وطنية مصرية تتعامل مع واقع مصر السياسي والاجتماعي بمهارة لن يسعها أن تتجاهل السلفيين كأحد أهم وأبرز معالم خريطة مصر السياسية والاجتماعية الآن". ودخلت مصر الزمن السلفي، وصار السلفيون الدينامية الفاعلة التي تمددت في فضاء ميدان التحرير، وكان نهاية هذه التمدد هو إنشاء أول حزب للسلفيين، أطلق عليه "حزب النور"، وأكد عادل عبدالغفار، وكيل المؤسسين، يوم 13 يونيه بعد موافقة لجنة الأحزاب على الأوراق الرسمية للحزب، الالتزام بالمرجعية العليا للشريعة الإسلامية، وتأمين الحرية الدينية للأقباط، وإثبات حقهم في الاحتكام إلى ديانتهم، ودعا إلى إقامة دولة عصرية على الأسس الحديثة، وأعلن رفضه نموذج الدولة الدينية. ويقع برنامج الحزب في ٤٣ صفحة، ويضم ٧ فصول وهى: الهوية والبرنامج السياسي، البرنامج الاقتصادي، المجال الاجتماعي، السياسة الخارجية، المجال الأمني، التعليم والبحث العلمي، وفق ما جاء في جريدة المصري اليوم بنفس التاريخ. واعتبر الإخوان يوم 15 يونيه أن موافقة لجنة شئون الأحزاب على إشهار حزب النور يعد خطوة مهمة في الحياة السياسية المصرية، في فترة ما بعد ثورة يناير، مؤكدين أن تكوين حزب سياسي يعبر عن طموحات الحركة السلفية دليل عن ذروة التطور السياسي في الحركة الإسلامية. السياسة لعبة لها أصولها وخصوصياتها المتعارف عليها لدي المشاركين فيها ، وهي أصول وضوابط في مجملها مستقاة من العلمانية الغربية ، ولو فرض فيها النزاهة والحيادية وحرية الاختيار ، فستكون الغلبة فيها دائما للأكثر تأثيرا في الشارع ، والأكثر قدرة على التواصل والتعاطي مع الرغبات الشعبية ، والتيارات السياسية العلمانية في مصر تعلم يقينا أنها تيارات منبتة ، لا وجود لها على الحقيقة في الشارع ، وعند المواطن العادي ، وعلى الرغم من سيطرتها على المشهد الإعلامي والسياسي لعهود طويلة إلا أن هذه التيارات تعاني من ضعف شديد في الحركة والتأثير ، ووجودها في الحياة السياسية المصرية أشبه ما يكون بالقطع الديكورية التي توضع في الأركان لاستكمال الصورة الجمالية فقط لا غير ، لو نقلت من مكانها أو انكسرت لن يلحظ أحد غيابها ولن تؤثر علي سير الحياة اليومية.



--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق