Ads

فستان العيد

إميل صابر

قبيل العيد بأيام قليلة، وفي محل ملابس الأطفال الذي كنت أملكه، زارني وزوجته وطفلته ذات الأعوام الثلاثة رقيقة الملامح بعيونها الذكية وقفزاتها الشقية.
وفيما ذابت زوجته بين ألواننا الزاهية، مختبرة لكل ما تصل إليه يداها لتعرف هل هو مناسب لصغيرتها أم لا؟ متحيرة فيما هو أجود أو أكثر لياقة، كان هو قد تاه فوق مقعد بجوار مكتب المدير قابضا بيد على سيجارة نسى أن يشعلها، مسندا رأسه باليد الأخرى لئلا تسقط من فرط الإعياء والهم بعد يوم عمل مضن.
عبثا حاولت الأم إقناعه بأي من المعروضات..
فهذا يجده قصيرا، وذلك عار الأكتاف،  والبنطلون ضيق،  والبلوزة خفيفة،  والخامات رديئة  وهكذا..
مضت الأم تسبر أغوار المحل..
والأب يستخف بكل ما تراه الأم كنزا.
ملَّت الصغيرة من كثرة ما جربت قياسه من فساتين وبلوزات وتنانير.. انطلقت نحو أبيها تشاغبه وتداعبه.. أرسلت إصبعها الصغير متسللا فوق جبهته.. آملة أن تفك جبينه المنعقد وتنير وجهة المظلم.
نهرها بلطف فلم تستسلم..
عبثا حاول أن يستجيب لحنو دعاباتها..
لكن قلبه الكسير أبى أن يتعالى فوق الألم. 
لم تكن تعرف أنه لم يتبق في جسده المنهك طاقة تستجيب لحنو لمساتها..
ولم تكن تدري أنه يخفي عنها وأمها فراغ جيبه من ثمن الفستان.. وإنما حضر فقط لإرضائهما، وخجلا من فضح عجزه بسبب ما تعرض له من خصم ظالم في راتبه هذا الشهر.
لهذا أعادت الكرة مرة ومرات.
ولما لم تجد صدى عادت لأمها الذائبة بين الألوان..
فيما أودع هو سيجارته المطفأة بين شفتيه وركب موجة أفكاره وسافر بعيدا.
في خفة
عادت صغيرته باسمة؛ حاملة فستانا أبيضا أمام عينيه المسافرتين.. لم يرها..
دفعت الفستان نحو وجهه النائم..
أناملها أسقطت عفوا سيجارته من مكمنها بين شفتيه.. حاول إنقاذها.. ضمها في قبضته سريعا لم يفلح إلا في إحالتها قطعتين عند موطئ قدميه..
في حركة خاطفة.. طار كفه الغليظ في الهواء.. ليحتوي بعنف خدها الرقيق..
يرتفع جسمها النحيل مع  يده..
تطير كعصفور لم يدعه الصياد يغرد..
يصطدم رأسها الصغير بحافة المكتب الزجاجية..
تهاجر منها ابتسامتها للأبد..
تترنح لحيظة..
تهوي راقدة في وداعة على أرضية المحل..
محتضنة فستان العيد الأبيض..
وقد ازدان 
بأحمرها القاني.

0 تعليقات:

إرسال تعليق