قيل علي لسان المؤرخين بأن تلك الوثيقة غير مسبوقة في التاريخ البشري ، وثيقة تداول السلطة علي نحو سلمي من رئيس إلي رئيس . تلك الوثيقة لم يحلم بها أفلاطون في جمهوريته ، ولم يرد ذكرها علي لسان أحد المتحاورين فيها ، ولو علي سبيل زلة اللسان . ولم يرد ذكرها في تنظيرات علماء السياسة وفقهائها ، ولم يجر العمل بها في أعتي الدول ديمقراطية في العالم ، من أول الديمقراطية الشعبية المباشرة في أثينا ، حتي ديمقراطية المملكة المتحدة " بريطانيا " التي لا يزال الحكم فيها وراثياً . إذن فتلك الوثيقة هي إختراع مصري خالص سجلت براءته بالصوت والصورة وعلي الهواء مباشرة ، وتناقلته وكالات الأنباء العالمية . قال البعض في وصف الوثيقة بأنها مجرد ورقة لا قيمة لها لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الواقعية ، وليس لها أدني علاقة بالديمقراطية المرتقبة التي يحلم بها الشعب ، وهذا قد يكون صحيحاً بالنظر إلي النصف الفارغ من الكوب ، خاصة من أصحاب النظرة السوداوية التي تهيل التراب دائماً ـ بمناسبة وبدون مناسبة ـ علي أي فعل أو قول طالما لا يصب في الإتجاه الذي يرغبه أو يحلم به . نعم فالوثيقة مجرد ورقة ، ولكنها ورقة تحولت إلي وثيقة تاريخية ستنضم إلي أرشيف الوثائق المصرية ، تؤرخ لحادثة غير مسبوقة في التاريخ المصري ، حادثة تسليم وتسلم السلطة في مصر علي نحو سلمي . وكونها ورقة تحولت إلي وثيقة يعطيها بعداً قانونياً في قابل الأيام ، يحتج به في مواجهة من يسعي إلي الطغيان . وهي إقرار موثق من رئيسين توليا السلطة في مصر بأن انتقال السلطة فيها لا يكون إلا هكذا ، وأن الخروج عن هذا الخط يعد خروجاً عما ارتضاه الشعب وتلقاه بالقبول ، وهي بذر لتقليد محترم يتعين ترسيخه في وعي ووجدان الأجيال القادمة . وهي وريقة تؤصل وتوثق بأن السلطة التي زالت والسلطة التي آلت ، ما زالت وما آلت إلا بإرادة شعب مصر ، ونزولاً علي رغبته ، وإعمالاً لأهداف ثورته . وقد سبق توقيع مثل تلك الوثيقة في وقائع تاريخية عرفتها البشرية ، وعرفتها مصر ، ولكن الفرق بين الوثيقتين ، أن الأخيرة كانت توقع تحت قهر وإجبار ، توقع من شخص مسلوب الإرادة ، أو صاحب إرادة معيبة ، لو خير ما بين التوقيع وعدمه لاختار عدم التوقيع ، لأنه غير راغب في ترك السلطة ، أوالتنازل عنها . أما الأولي فهي من رئيس أقدم علي توقيعها بكامل إرادته ووعيه نزولاً علي إرادة الشعب ، ورغبته في التنازل متولدة من رغبة الشعب في التغيير . وحين يقدم الرئيس علي التنازل يكون إقدامه علي نحو مراسمي احتفالي معلن علي رؤوس الأشهاد ، وهو يدرك أنه بعد تنازله سيعود إلي صفوف الجماهير كأي مواطن عادي . أما القول بأن هذه الوثيقة لا تمت للنظم الديمقراطية بصلة ، ولا تعني شيئاً بشأنها ، فهو قول مردود ، لأنها تعد تتويجاً للعملية الديمقراطية ، وشاهداً عليها ، وحجة داحضة علي من يقدح في نزاهتها ، وأن رضا الرئيسين هو تعبير حي من لحم ودم عن رضا الشعب عن اختياره لأحدهما دون الآخر ، فما هي الديمقراطية إن لم تكن تلك الغاية أسمي أمانيها ؟ . لا تقيس الأمور بمقياس بالغرب ، فثمة مقايسس أخري في الحياة ، والديمقراطية التي نعنيها هنا هي الديمقراطية بالمذاق المصري الخالص . فلنقرأ نص الوثيقة لنحكم سوياً علي ما تعنيه بشأن الديمقراطية ، تقول الوثيقة : " باسم الشعب ، صاحب السيادة ومصدر السلطات ومفجر ثورة يناير وما حملته من طموحات ويونيو المكملة ، التي صوبت المسار واستعادت الوطن ، وتنفيذاً للإستحقاق الثاني لخريطة الطريق . وبناءً علي قرار اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية ، بإعلان فوز المشير عبد الفتاح السيسي في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، وعقب آداء اليمين الدستورية ، تسلم الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في البلاد من المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت المنتهية رئاسته . حررت هذه الوثيقة في 8 يونيو 2014 م " . تلك هي الوثيقة ، وتلك نظرتي لها وفيها . ولكل وجهته فيما يري .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 تعليقات:
إرسال تعليق