الحل
الثالث
هل
هو الحل !؟
منذ
إنشاء جماعة الإخوان على يد حسن البنا سنة 1928 وحتى صدور حكم محكمة القاهرة
للأمور المستعجلة في 23 سبتمبر 2013 بحظر أنشطة تنظيم الإخوان وجماعتها وجمعيتها
تعرضت الجماعة للحل مرتين سابقتين الأولى عام 1948 بقرار سيادي من رئيس الوزراء
والحاكم العسكري محمود فهمي النقراشي باشا في 8 ديسمبر 1948 والثانية بقرار سيادي
أيضاً من مجلس قيادة الثورة عام 1954 وفي كل منهما كان سبب الحل ارتكاب الجماعة
لجريمة غير عادية هزت الرأي العام وتعرضت لهيبة الدولة أو مؤسساتها الهامة فقد
قامت الجماعة عام 1948 باغتيال القاضي أحمد الخازندار رئيس محكمة الجنايات
انتقاماً منه لأنه أصدر أحكاماً رادعة ضد أعضاء في الجهاز السري للجماعة بعد
إدانتهم بحرق وتخريب منشآت ومحال تجارية مملوكة للجالية اليهودية المصرية مما
جعلهم يفكرون في الهجرة من مصر إلى إسرائيل أثناء حرب فلسطين فتكون هجرتهم دعماً
للعدو وتغييراً لانتمائهم الوطني وكان اغتياله صدمة كبرى للرأي العام وللوزارة
القائمة فقد كانت المؤسسة القضائية المصرية منذ القدم وخاصة بعد تمصيرها بشكل كامل
عام 1937 ومازالت تحتل مكانة رفيعة في نفوس المصريين فكان التعرض لأحد أعضائها بالاغتيال
حدثاً جللاً دفع النقراشي باشا لحلها ومصادرة أموالها بأمر عسكري في 8 ديسمبر 1948
فردت الجماعة باغتيال رئيس الوزراء شخصياً في 28 ديسمبر من نفس العام مما دفع
أجهزة الأمن كلها لانتهاج سلوك انتقامي عدائي ضد الجماعة انتهى باغتيال مرشدها
الأول حسن البنا في 12 فبراير 1949 وعادت الجماعة إلى الوجود بقرار غير مكتوب من
القصر الملكي حين أراد الملك فاروق الاستعانة بهم ليكونوا سنداً له في صراعه مع
حزب الوفد صاحب الشعبية الكاسحة في الشارع المصري في ذلك الوقت واختار القصر أحد
رجال القضاء مرشداً عام للجماعة هو المستشار حسن الهضيبي لتمرير إعادة الجماعة إلى
الوجود دون إغضاب القضاة ومنعاً لاحتجاجهم وقد قامت الجماعة بدورها في مساندة
القصر وأسهمت في حريق القاهرة في يناير 1952 لتعطي للملك المبرر لإقالة النحاس من
الوزارة.
وبعد
ثورة يوليو 1952 أيد الإخوان الثورة في البداية ولكن محاولتهم السيطرة على الضباط
الشبان وفرض إرادتهم على الحكم قوبلت
بالرفض الحاسم من مجلس الثورة فانقلبوا على الثورة بعنفهم المعهود عنهم حتى وصل
الأمر إلى محاولة اغتيال الزعيم جمال عبد الناصر في 26 أكتوبر 1954 في ميدان
المنشية بالأسكندرية فكان قرار مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة للمرة الثانية
ومصادرة أموالها واعتقال معظم المنتمين إليها فنزلت الجماعة كاملة للعمل السري تحت
الأرض حيث زادت أفكارها تطرفاً على يد سيد قضب وأصلت لفكرة تكفير المجتمع واعتبروا
أنفسهم المسلمون وبقية المجتمع الذي لا ينتمي إليهم خارجون على الدين ومرتدون عنهم
يحل قتلهم وقتالهم ، وأصل سيد قطب لهذه الأفكار التكفيرية تلميحاً في كتابه "
في ظلال القرآن " وتصريحاً في كتابه " معالم في الطريق " مما دفع
عبد الناصر إلى القيام بحملة اعتقالات انتهت بإعدام سيد قضب بحكم قضائي وبعد وفاة
عبد الناصر 1970 وتولى الرئيس السادات الحكم وخلافه مع الناصريين واليساريين
وإحساسه بسيطرتهم على الشارع المصري أعاد
إحياء الجماعة على يد مرشدها الثالث عمر التلمساني ليستعين بهذا التيار على الوقوف
في وجه معارضيه من الناصريين والاشتراكيين ولكن التيار التابع لأفكار سيد قضب في الجماعة
اختلف معه بعنف بعد معاهدة السلام مع إسرائيل وانتهى الأمر بقيام هذا التيار
باغتيال السادات نفسه في أكتوبر سنة 1981 وفي عصر مبارك استخدمهم النظام كورقة ضغط
سياسية داخلياً وخارجياً وكقراعة ضد الضغوط الخارجية التي تطالب النظام بتوسيع
مساحة الديمقراطية والضغوط الداخلية التي تطالب بالكرامة والحرية وحقوق الإنسان
ولما هبت ثورة يناير 2011 ركب الأخوان وتيارات الإسلام السياسي التي خرجت كلها من
تحت عباءتهم موجة الثورة واستعانوا خلالها بحلفائهم المسلحين من حركة حماس
وتواصلوا مع الولايات المتحدة كتيار يساعدها بشكل مطلق في تنفيذ مشروعها للشرق
الأوسط الجديد والحفاظ على أمن إسرائيل وتجميع العناصر الإرهابية المتطرفة لتعمل
في المنطقة لصالح المشروع الأمريكي بدلاً من أن تعمل ضده فساعدتهم الضغوط
الأمريكية على الوصول للحكم في مصر وليبيا وتونس ، وكان فشلهم السياسي وغبائهم
التاريخي وسقوطهم في مصر بعد اكتشاف مخططهم وجرائمهم في حق الوطن والشعب
واستخدامهم أقصى درجات العنف في الرد على الرفض الشعبي لهم والذي انتهى بحظر
نشاطهم بحكم قضائي للمرة الأولى فقد كان حلهم في المرتين السابقتين بقرارات سيادية
فهل يكون الحكم القضائي هذه المرة نهاية حقيقية لهذه الجماعة التي عاثت في الأرض
فساداً طوال خمسة وثمانين عاماً ووصلت إلى أقصى درجات العنف والقتل والترويع خلال
الشهور الخمسة عشر الأخيرة والتي بلغ عدد ضحاياها وعنفها في هذه الأشهر أضعاف
ضحاياها خلال العقود الثمانية السابقة من عمر الجماعة وعم عنفها وشمل كل معارضيها
تقريباً ولم يقتصر على الرموز السياسية والوطنية الرافضة لهم بل شمل الصحفيين
والإعلاميين ورجال الشرطة والمواطنين المدنيين من مختلف الطوائف والتيارات ونال
المسيحيون نصيباً وافراً من عنفهم بحرق الكنائس وقتل الأفراد وسرقة أموالهم
ومتاجرهم مما كون رأيا عاماً كاسحاً يرفضهم ويرفض بصورة قاطعة مشاركتهم في أي نشاط
سياسي ، ووصل الأمر إلى اختلافهم لدرجة القطيعة مع تيارات خرجت في الأصل من تحت
عباءتهم كالجماعات السلفية والدعوية ، وأصبح حديثهم عن الإسلام والشريعة غير مقنع
، ومشوباً بتجريح تدين الآخرين وانتمائهم للإسلام ، ونتيجة لكل هذا الغباء السياسي
والعنف الدموي الذي مارسوه كان الحكم القضائي بحذرهم ، فهل يكون حكم القضاء هو
القول الفصل في مصير التأسلم السياسي والمتاجرة بالدين والشريعة أم يعودون ولو بعد
فترة إلى الحياة مرة أخرى.
إن
الإجابة على هذا التساؤل ليست بالسهولة التي يبدو بها لأول وهلة وإنما نحتاج إلى
جهد فكري وتنويري وتربوي يعيد للشعب المصري أصالته التاريخية وانتمائه الديني
المستنير ويجعله محصناً ضد دعوات التكفير والعنف والفساد وإدعاء الحق الإلهي في
السيطرة لفئة أو جماعة ، وذلك واجب يبدأ من المدرسة وينتهي بالإعلام ويحتاج إلى
فكر وسطي وانتماء وطني وتمسك بالقيم الإنسانية ومكارم الأخلاق في أعلى صورها وغرس
لمنهج التفكير العلمي لا التسليم الببغائي ، وأنا واثقة أن مصر تملك العناصر
البشرية المثقفة القادرة على محاربة فكر الإرهاب وفرض الرأي والرؤية على الآخرين ،
وتحقيق ونشر فكر الوسطية والتنوير والإقناع .. ولكن علينا أن نبدأ وأن تقوم عقول
مصر الثقة الواعية المستنيرة بدورها الذي يعد في هذه الظروف واجباً دينياً ووطنياً
وقومياً ملزماً لكل قادر عليه.
هيام محي الدين
0 تعليقات:
إرسال تعليق