من المغرب كتب : مصطفى منيغ
هالنا ما عايشناه مؤخرا ومصر تستبدل شيئا بشيء هو منها ككل من يتحرك فوقها ، تعيسا شقيا كان ، أو مَنْ زار السجون العتيقة ليجرب بنفسه داخل زنازينها الموحشة ،كل الحقيقة التي جعلت الملايين تنتفض ثائرة عليه ونظامه بشكل اطَّلعنا عليه بالمباشر (هذه المرة وليس بقراءة التاريخ) ، أن المصريين إن توحدوا على تحقيق هدف معين سامي (بالخصوص) لن يقف أمامهم حاكم مهما كان سلاحه آخر صيحة في القمع والاستفزاز ... صراحة، في وقت من الأوقات ، شعرنا بقليل من الأسى المصحوب بالكثير من الخوف ،على مصر عروس الدنيا وبسمة قاراتها الخمس ، إلى أن أدركنا ما تعلمناه منها، ذاك الصبر المفعم بالعمل لتقليص الأضرار في حدود المألوف عند الانتقال بالشعب من مرحلة ذاق فيها كل أنواع الحرمان والجور والظلم ، إلى أخرى أولها أمل ، ووسطها وفاق ، وقبل نهايتها بناء نماء مستديم ، بما يُسْتَخْرَجُ من نفس الأديم ، إن تخلف التضامن الدولي على تقديم المشروع من العون ، بالتأكيد ثمة ما شدنا للتفاؤل رغم بوادر التوتر التي سلكت بنا ما وقفنا عليه بالمشاهدة الاضطرارية اليومية عبر وسائل إعلام ، تقدمت الثورة المباركة وبقي في مكانه لا يتزحزح شبرا صوب تعبير يُقَِّربُ الواقعَ للمتلقين عبر العالم ، فاسحا المجال لآخر مِن خارج أرض الكنانة ، يُعِدُّها صورا كما شاء ، باحثا عن مجد إعلامي لا تتكرر أسباب اقتناصه اعتمادا على إمكاناته الموضوعة بسخاء رهن إشارة العاملين في حقله .
غلق النوافذ لعزل البيت ومَنْ فيه معتقدا أنه الحل في ترك من حسبها صرصارا تمر بما تحدثه من ضوضاء لغاية أن تهدأ اندفاعات هنا وحماس مبالغ فيه هناك ، لتجنيب البيت المعني القليل أو الكثير من الأضرار . نظرة ناقصة وتقصير المراد به التعتيم وما يُنتج هذا الأخير من نتائج معكوسة تضر ثم تضر ثم تضر. الأعلام وُجد لينطلق مع الهواء، طلقا نقيا كان ، أو ملوثا بما تقذف به الشرطة على الناس من قنابل مسيلة للدموع في أوقات تسميها في مجمل تقاريرها بالحرجة ، والإعلامي حالة تأدية واجبه لا يشعر حتى بما يتدفق من صدره يصبغ قميصه الأبيض بحمرة الدم ،على اثر طلقة نارية أصابه بها من لا يريد حرية التعبير أن تُلْتَقَطَ حية طليقة من وسط تلك الاضطرابات ، التي يعود الجزء الأكبر في وقوعها لتدخل الأمن بقوة، كأن من يضربونه بتلك الشراسة ليس بشرا مثل عناصره، وإنما جدار حديدي، على رجال الأمن تذويبه بأعتى القنابل إن تطلب أمر إزاحته من الحيز الواقف فيه كشاهد موثق بالكلمة المنشورة والصورة المذاعة . ما من شك إن حسبناها ضريبة يدفعها الثوار الأحرار من لحومهم المنزوعة أطرافا ، كما حدث مع العديد من الضحايا ، من طرف المساندين للراغب في صناعة الكرسي العازم التربع فوقه ، من هياكل الشهداء العظمية وجماجمهم الصلبة القادرة على تحمل حرارة البارود وثقل الجالس عليها ظلما وعدوانا .
مصر عظيمة كانت وستبقى ، لا يهم شكل النظم التي حكمتها ولا ما استفاد حكام تلك النظم منها ، تيك أمور التاريخ كفيل بتناول أدق تفاصيلها ، وقبله ما نقشه الإنسان المصري البسيط فوق ممتلكاته التي لا زالت مدفونة تحت أثار الفراعنة بمراحل ، وقبله جغرافية الأرض مذ خلقها الله الحي القيوم ذو الجلال والإكرام . ما يهم الآن ملخص في الإجابة على سؤال (التي يكمن فيها مستقبل مصر شكله وفصله) ما استفادت مصر من هؤلاء حكاما ونظما ؟؟؟. سؤال رغم بساطته يختزل النظرة الواجب التمعن بها فيما حصل من تاريخ 30 يونيو من السنة الحالية وما لحقه من أيام حبلى بالإحداث ومنها محاولة اغتيال وزير الداخلية الذي نجي منها لأنها كانت مدبرة(كما سمعناه مترددا بين وسائل إعلامية معينة، وما جادت به شجاعة بعض الأخوة المصريين الذين نحترم ما يفوهون به من معلومات لها قيمتها المعتبرة إن كانت صحيحة) ونُزِعَ من تنفيذها نزعا جميلا ليتيقن هو نفسه أنه لا يملك مصير نفسه الوظيفي، وما اللقب الرسمي الذي يحمله مجرد عطاء يتناسب مع الظرف ليس إلا من طرف أقوى أقوياء العرس الإعلامي المصري بنجومه المعروفين المعتمد بعضهم على آلة التحرك عن بعد، لأسباب لم تعد خفية عن أحد .
... مصر بلد الديانات المعترف بها عالميا ، لكن الإسلام يبقى دين الأغلبية ، الإسلام الحقيقي المعتدل المتفتح على الحياة الكريمة بكل ما خلقه الله سبحانه وتعالى طيبا جميلا حلالا . ثمة الأقباط الأحرار بمصريتهم يفعلون بها ومعها ما يشاؤون في حدود القوانين المطبقة عليهم وعلى سواهم لا فرق ، يمارسون شعائر دينهم بنفس اللهجة المصرية ، التي هي لغة التسعين مليون مصري الأساسية ، ويحتفلون بأعيادهم بنفس القدر من الاحترام الذي يتمتع به المسلمون في أعيادهم الشرعية ، وإنها لخاصية عز نظيرها في العالم العربي قاطبة ، حتى اليهود المهاجرون إلى إسرائيل ، يتمنون العودة إلى بلدهم الأصلي مصر يقبلون ثراها صباح مساء لما لها في قلوبهم من مكانة لا يمكن لإسرائيل احتلال ربع مقامها . خليط ضمه التعايش الإنساني النبيل من قرون ، شخصيا عشت في مصر وشربت من ماء نيلها الخالد لما شاء خالقه ، مستقرا لمرحلة في مدينة القناطر الخيرية التي لي فيها أصدقاء وصديقات ، تلف جمعنا أينما تواجدنا في هذه الأرض الفائية، هالة الود المشبع بمقاسمة الأفراح ومعايشة الصعاب بما يلزم من مساعدة بعضنا البعض وصولا لصرف الغالي النفيس لنبقى على عهد الإخاء كأشقاء يضمهم تجدد الحنين إلى يوم النشور والدين .
(يتبع في الجزء الثاني)
0 تعليقات:
إرسال تعليق