Ads

الاغتيال المعنوي لمؤسسات الدولة


دكتور عادل عامر

أن الثورة والمجتمع المصري يتعرضان منذ ثورة يناير وحتى الآن لحرب نفسية هي أسوأ من حرب الأسلحة، يديرها بالأساس "إعلام الانقلاب" وفيها تتم عملية اغتيال معنوي للثورة ولكل الفئات المشاركة فيها، وعملية تفتيت وتفكيك للمجتمع بشكل غير مسبوق، وتزايدت حدتها بعد الانقلاب، حيث الاغتيالات والمذابح والدماء من مصريين ضد مصريين آخرين. أن الحرب النفسية أسوأ وأكثر تأثيرا من حرب الأسلحة، وقد بدأت "الحرب النفسية" منذ ثورة 25 يناير، وازدادت في فترة حكم الرئيس مرسي، وأخطر ما في هذه الحرب أنها قسمت المجتمع المصري، والإعلام هو سبب هذا الانقسام؛ لأن الإعلام هو من مارس وأدار هذه الحرب النفسية، وأصبح إعلاما مضادا يستهدف تغيير اتجاهات الناس بالشائعات والأقاويل والادعاءات، دون سند أو دليل، لدرجة دفعت الناس للحذر من النظام الشرعي، ووصل بهم للكره، وهذا كله ليس من خلال وقائع، بل تم صناعة الكراهية من خلال أدوات الحرب النفسية التي شنها الإعلام. أن الحرب النفسية استهدفت تكفير الناس بالثورة والديمقراطية وزعزعة إيمانهم بها، ورصدت أن هذه الحرب النفسية على الثورة صاحبها وزاد من خطورتها حرب معيشية وحياتية عانى منها المصريون، وبخاصة الفئات المهمشة مثل أطفال الشوارع والمرأة والفقراء، والذين لم تتحسن أوضاعهم بعد الثورة وحتى الآن طيلة فترة المرحلة الانتقالية للآن، وعاشوا مراحل عصيبة بظروف مجتمعية واقتصادية وأمنية صعبة ومنهم الشباب أنفسهم، هؤلاء خرجوا يوم 25 يناير طلبا للتغيير ولم يتحقق التغيير بعد. أن هؤلاء تم ممارسة حرب نفسية عليهم مبكرا لاغتيال طموحاتهم وآمالهم في التغيير من خلال ثورة يناير، وهذا اغتيال معنوي لكل هذه الفئات ومعهم طبقة المثقفين أيضا، محذرة من أن هناك اغتيال معنوي لثورة يناير وكل الطوائف والفئات التي شاركت فيها سواء مثقفين وبسطاء وفقراء. أن "الحرب النفسية" تم توظيفها منذ اليوم الأول من إدارة المرحلة الانتقالية وحتى الآن، وبعد 30 يونيو تفاقمت الأمور وانكشف الوجه القبيح من اغتيالات ومذابح وأصبح مصريون يقتلون بأيدي مصريين آخرين. أن الثورة المضادة لعبت دورا كبيرا في هذه الحرب النفسية أن مواجهة الحرب النفسية تبدأ بإدراك أننا نعيش غمة وأزمة تعاني منها مصرنا الجميلة، وأن هذا الشعب الجميل يستحق الكثير وجدير به، وبالتكاتف سيجد في الغد ما لم يجده بالأمس  أن عمليات الاغتيالات التى تتعرض لها الرموز السياسية تأتي بنتائج عكسية لمن ينفذها، فهي تزيد الإيمان بالوطن وحب الشعب وإيمانه بثورته. انني يتوقع محاولات جديدة لاغتيال بعض الرموز والشخصيات في الأجهزة الأمنية في الدولة، والهدف منها إدخال مصر في نفق مظلم، وهذه المحاولات تحمل بصمات خارجية لها خبرات في تنفيذ مثل هذه العمليات ولا تخرج عن تنظيم القاعدة. "إن الجماعة لن تتواني عن الاستمرار في مخطط إنهاك وإرباك الدولة المصرية، سواء بالتظاهرات أو بتنفيذ أعمال إرهابية أو تفجيرات أمام المنشآت الحيوية".نضمت إلى الأسطول الإعلامي الجديد، المواقع الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر، حيث جُنّدت مئات الصفحات لتقديم الخطاب السياسي الإخواني وتبريره وتجميله وقصف أعدائه وخصومه. تشتركُ هذه المؤسسات الإعلامية أولا في خطاب يقومُ أولا على "تجميل المنجز" وعلى الدعاية للأحزاب الجديدة، وهو فعل كان يقوم به إعلام أنظمة الاستبداد، إلا أن الإعلام الإخواني أضاف إلى هذا النسق مسحة من "التديّن" حيث يُستحضرُ الخطاب الديني والشرعي في مسائل وقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية. لكن هذا الخطاب الإعلامي القائم على التبرير يتخذُ وجهة أخرى موازية وهي مهاجمة المخالفين والخصوم السياسيين، ويصلُ الأمر إلى الوصم بالعار وتأثيم كلّ من يخالف الإخوان أو ينقد مشاريعهم. نخلصُ إلى أن الخطاب الإعلامي الإخواني يقومُ أساسا على الدفاع المحموم على الحكام الجدد وتجميل منجزهم وتبرير أخطائهم، مع حملات ممنهجة لقصف الخصوم وكلّ من تسوّلُ له نفسه "التجاسر" على نقد الإخوان. نستخلصُ من ذلك أن هذا الخطاب الإعلامي يتشابه حدّ التماهي مع الخطاب السياسي للإخوان. بل يمكنُ أن نجدَ لذلك تأصيلا فكريا حتى في نظرية التمكين الإخواني التي أشار إليها القيادي الإخواني السابق ثروت الخرباوي والتي تقومُ على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي مرحلة نشر الرجال، والمرحلة الثانية هي مرحلة نشر الأفكار، أما الثالثة فهي تنفيذ الأفكار. بعد إنهاء مرحلة نشر الرجال والسيطرة على مفاصل الدولة، تبدأ مرحلة نشر الأفكار التي تبدأ بما يُسمّى "تهيئة الأجواء" حتى تصبح قابلة لتنفيذ الأفكار المشار إليها. وعندما يحصل صراع مع أفكار أخرى يحصلُ ما يسمّى "العنف المؤجّل" أي استخدام العنف المعنوي حيث يمكنُ أن يتعرض أي مخالف إلى اغتيال معنويّ يمسّ سمعته أو شرفه وتوجدُ كتائب مجندة وجاهزة لتنفيذ ذلك بالاعتماد على الاتهام في الدين أو الأخلاق وهو الاغتيال المعنوي لكل من يُعارض الجماعة أو ينتقدها أو يرى ما يخالف رؤاها. هذه المرحلة يوكلُ فيها الدور الرئيسي للإعلام (بمختلف أشكاله) وفق ثنائية تجميل المنجز وتسويق الخطاب، ثم الاغتيال المعنوي للخصوم. الثابتُ أن مشروع الإسلام السياسي في الوطن العربي هو مشروع واحد بتعبيرات مختلفة، هو مشروع واحد لأنه ينهلُ من نظريات وأفكار الإخوان المسلمين، لكن تعبيراته تختلفُ من قطر لآخر حسب الظروف المحلية المخصوصة وحسب ظروف ومقتضيات موازين القوى. وفي رسالة تبين نظرة أنصار الإخوان في خارج مصر إلى ما يجري الآن؛ وتصف الوضع بأن 'النظام (السابق) نفسه موجود وراسخ وهو الاعلام والشرطة والقضاء'، ولم تُحدد مواطن الفساد ولا رموزه، وربطت بين الشرطة والقضاء والقول: 'على فكرة دول حاجة واحدة مش حاجتين لان نظام مبارك المجرم قد سمح لضباط الشرطة بالعمل في السلك القضائي، واصبح الضابط يعمل بالنيابة، ويجلس على منصة القضاء، ولهذا السبب لم تصدر أي أحكام على قتلة الثوار، فالذي يجمع الادلة ضابط يقدمها للنيابة ضابط، ثم تعرض على قاض ضابط'، ونسي كاتب الرسالة أن 'القضاة الضباط' مقربون من د. مرسي، وإلا ما كان قد اختار نائب رئيس الجمهورية - قبل أن يلغيه في الدستور الجديد المطعون في سلامته - منهم' إنه المستشار محمود مكي، وكان شرطيا قبل أن ينتقل إلى سلك القضاء، وإذا كان هذا النظام معيبا فمرسي يملك تغييره بالسلطات التشريعية والتنفيذية التي تحت يده، والعملية ليست انتقائية؛ فهم أنبياء حين يخدمون في'بلاط' مرسي، ويحارَبون كشياطين حين يعملون في 'بلاط' غيره، ولم تنس الرسالة القوات المسلحة، وقالت: 'الجيش من أكبر المستفيدين؛ لن ينسى أن قيادة البلد التي كانت بين يديه منذ 60 سنة قد انتزعت منه، ويتمنى فشل التجربة علشان يرجع تـاني ويسانده في ذلك كـل الفاسدين الـذين يتمنون عودة الجيش'. وكأن المجلس العسكري أجبر على ترك الحكم بعد انتخابات الرئاسة. أليس المجلس العسكري هو الذي راهن عليهم وهيأ لهم الفرص التي أوصلتهم إلى الحكم؛ تاركا الثوار في العراء، وتسبب في الغرور الذي ركبهم؛ معتبرين أنفسهم صناع الثورة ومفجريها، وقصة الستين سنة التي تُلاك متعمَّدة، كي لا يفرق الناس بين مرحلة الثورة والتحرر والاشتراكية بقيادة جمال عبد الناصر، وحقبة الثورة المضادة والصهينة التي أسس لها أنور السادات، وعززتها الدولة البوليسية في فترة حكم حسني مبارك؛ الكنز الاستراتيجي للدولة الصهيونية، وانتهت بالتوريث والحكم العائلي، وشتان بينها لدمجها جميعا في فترة واحدة طولها ستون عاما، وعندما كانت مصلحة الإخوان مع المجلس العسكري شاركوه خطاياه وغطوا على تجاوزاته، حتى أفسحوا الطريق لمليشيات؛ بدأت تستعين بالخبرة الإيرانية في تصفية جيش الشاه وإحلال الحرس الثوري (مليشيا الثورة) محله. كان الجيش الإيراني رديفا للقواعد العسكرية الغربية، وشريكا للدولة الصهيونية، ومن المقبول أن تصفيه الثورة الإيرانية؛ لخطره عليها، أما تاريخ الجيش المصري فمختلف، وما زال المخزون الوطني داخله مؤثرا على مواقفه وتحركاته، وكان موقفه من التوريث سببا في خروجه على حكم مبارك، وعاد إلى ثكناته بعد انتخابات اعتبرت الأنزه، رغم ما جلبته من حكم طائفي ومذهبي، وإذا كان هناك من يطالب القوات المسلحة بدور سياسي انتقالي لوقف البلطجة والفوضى، فالإخوان وروافدهم هم السبب؛ بسوء إدارتهم للبلاد، ودورهم في تقسيمها، ومع ذلك فإن شعور القوات المسلحة بأنها مستهدفة جعلها توجه النداءات المؤكدة لانحيازها للشعب؛ طلبا لدعمه وليس العكس، وذلك الشعور بالخطر دفعها لطلب عون الشعب ضد الهجوم الضاري عليها، والواضح أن الرأي العام الشعبي لن يتوانى في الدفاع عنها إذا تعرضت لمكروه، وكان من المفترض أن يسأل المعنيون لماذا تغير المزاج العام فيطلب دعم القوات المسلحة بعدما كان ناقدا للمجلس العسكري قبل انتخاب مرسي رئيسا للجمهورية؟ لكن سيكون من الصّعب جدا ـ خلافا لما يتداوله البعض ـ التفكير في الطرف الثالث الذي هو حزب النهضة الحاكم، إذ لن يجني من ذلك وهو في الحكم بعد انتخابات ديمقراطية، إلا الخسارة المحققة، بل وقد تتهاوى كل أحلامه في إحكام قبضته على الدولة في حالة ثبوت مسؤوليته عن هذه الجريمة النكراء. ورغم أن منطق الأشياء يستبعد أن يكون حزب النهضة هو المسؤول، إلا أنه سارع بذكاء إلى التنازل لحكومة التكنوقراط لتدارك الشبهات ووضع التنظيم في موقع الضحية وهو خارج الحكم، قبل أن تنهال عليه الاتهامات وهو في الحكم.



كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق