Ads

لماذا لن أنتخب السيسي رئيساً لمصر؟

احمد محجوب


منذ البداية كان هذا الشعب واضحاً في مطالبه «عيش .. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية»، لم يكن يستجدي كما ظن مبارك، فحاول «تهويش» الشارع بالجنود والرصاص، ولم يكن مغيباً مثلما ظن «المشايخ»، فحاولوا كبحه بـ«الديمقراطية حرام».. وأخيراً لم يكن هذا الشعب الذي خرج في 25 يناير وعاد في 30 يونيو ينتظر عطفاً من ذراعه العسكرية (ممثلة في الجيش)، ليشاركه في إزاحة الإخوان ورد عنفهم.. على طول المسار كان الشعب «يأمر» من يجلس على الكرسي، و«يجبر» من يحركه في الكواليس على إتخاذ القرار.
في 30 يونيو، اختلفت التركيبة نعم.. نزلت ملايين ب«الكنب» نعم.. خرج من أيدوا «بلوفر رئاسي» جنبا إلى جنب مع من أيدوا مرشحي الثورة نعم.. كل هذا بل وأكثر حدث ، لكن من قال إن «التركيبة» بصورتها العامة هي من تضع النقطة آخر السطر؟.

1

لنتعلم من أنفسنا أولاً.. في 25 يناير خرجت مع 90% من أصدقائي تقريبا.. كان خروجاً كرنفالياً مشحوناً.. كانت الشرارة من أولئك الذين «فعصتهم» أجهزة الأمن أمام لاظوغلي في يونيو 2010، وهم أنفسهم من تظاهروا مع كفاية وشباب من أجل التغيير و6 أبريل وعمال المحلة وربما قبلها منذ احتجاجات 2003 بالتزامن مع غزو العراق.
هذه النواة الأساسية، ظلت ضئيلة العدد.. حجمها لا يعكس مدى تأثيرها في المحيط العام، ظل مبارك 30 عاماً يخوف الناس في بيوتهم من «العملاء والمأجورين»، فتزايد عدد «العملاء» شيئاً فشيئاً حتى نزلوا في 25 يناير وأطلقوا ثورة أذهلت مبارك ومن أشعلوا الشارع في وقتٍ واحد.
رحل مبارك وجاءت الموجة الثانية من «دولة العواجيز»، هذه المرة ارتدوا سترات الجيش الوطني، وقتلوا وسحلوا وسجنوا الجميع.. الأقباط في ماسبيرو .. الشباب في محمد محمود.. الألتراس في بورسعيد.. العمال في طنطا للكتان.. الفقراء في عزبة الزبالين.. وباستثناء تحالف «اللحية والبيادة»، لم تعد في المجتمع فئة أو شريحة لم تتعرض للقمع في 18 شهراً حكم فيهم المجلس العسكري البلاد.
«اللحية» ارتبطت مع «البيادة».. تحديداً تسلقتها، كان أمل الإسلاميين أن يضعوا فوق البيادة العسكرية «جلباباً» أبيض ناصع ومسبحة وطاقية شبيكة.. أراك تضحك من المشهد؟ لا يا عزيزي فعلوها من قبل في السودان، فوصلوا بعمر البشير إلى الحكم، ولم تجر أنتخابات بعدها لمدة 23 عاماً.. ووصلوا برفاقهم (بذات التوليفة بندقية ولحية) إلى الأغلبية في انتخابات فلسطين المحتلة، وحتى الآن يرفضون إجراء أي انتخابات جديدة.
أصحاب الجلاليب، ظنوا أن توافق المصالح بينهم وبين الكتلة الأكثر صلابة في جسد الدولة، سوف يدوم للأبد.. ولما لا؟.. ألم يطح رئيسهم معدوم الكفاءة بالمشير طنطاوي ومن معه بجرة قلم؟ ألم يصمت الجيش نفسه على «القادة الكبار سنا»، وهم يهانون ليل نهار؟ ألم تكن عملية نقل القيادة أكثر سلاسة مما توقع الجميع؟.
«إدي العبيط حبل يشنق بيه نفسه»، هكذا كان يقول سائق تاكسي تجاوز الستين بعامين معلقاً على ما يراه الناس من صمت السيسي أمام توالي جرائم مرسي، ليس في حق فئة بعينها من المواطنين، لكن بحق الدولة كلها، شعباً ومؤسسات.. حدوداً ونسيج اجتماعي.. وصدق توقع الرجل العجوز، فحين أصبح الحبل على غارب «العبيط»، كان أول ما فعله أن شنق نفسه بيديه، أعلن الجهاد على دولة عربية، وأصدر دستوراً طائفياً مرتبكاً.. نشر الخوف بالمليشيات.. سيطر على أرزاق الناس وجعلها تمر من مكتب إرشاد الجماعة.. قمع معارضيه بالسلاح والتكفير والتخوين.. خاصم القضاء والإعلام والأقباط.. باختصار، أصبح الجميع يدرك أن رجلاً ترشح للرئاسة ببرنامج «واحد صاحبه» ووصل إلى الكرسي، بفارق 1% عن «مرشح برتبة بلوفر»، وحكم بطريقة درويش القرية الذي يعتمد على هواية وحيدة، هي «تحديف الطوب»، على المارة، وإثارة ضحكهم.

2

في الصورة برز الصف الثاني من شباب 25 يناير.. أعلنت مجموعة ضيقة من النشطاء إطلاق حركة «تمرد» لسحب الثقة من مرسي، وباختصار إسقاط حكم الجماعة.
وكما في 25 يناير، كانت توليفة النواة معبرة عن أضداد.. فقطار تمرد ضم موازييك واسع من النشطاء منذ البداية  بعضهم انتمى سابقاً لـ 6 أبريل مثل محمود عبد العزير، وأخرون تعرضوا للسحل على يد الجيش في موقعة ست البنات مثل حسن شاهين، وثالثهم تظاهر ضد العسكر ومبارك والإخوان، وكان في حملة أبو الفتوح، ثم نزع عنها مثل محمود بدر.
بهذه النواة الرئيسية، استجاب الناس ووقعوا على 22 مليون استمارة تمرد.. وحدهم الشباب حددوا موعد الرهان والمعركة «30 يونيو» والميدان يتمد من التحرير إلى الإتحادية، حيث مجزرة القصر الرئاسي.
بالتأكيد لم يكن كل الـ 22 مليون الذين وقعوا على تمرد ينتمون إلى فكرة 25 يناير.. بل على العكس، بعضهم كان يصفها بـ«النكسة»، ويتهم النشطاء بأنهم «عملاء أجانب».. لكن طريق الفزع الذي سار فيه مرسي وإخوانه، جعل الذين في قلوبهم وطن يجتمعون على كلمة واحدة: لترحل دولة المرشد قبل أي شيء.
لم يتفق أحد على سيناريو معين لرحيل مرسي، تمرد أعلنت أنها سوف تتقدم للدستورية العليا ولجنة الانتخابات بـ 22 مليون استمارة، وبالتأكيد ليست هذه طريقة قانونية لعزل رئيس الدولة، كان رهان تمرد على الضغط من الشارع، لعل الذي يسكن القصر تكون لديه قليل من حمرة الخجل ليرحل طوعاً.. وفي 28 يونيو، حشد الذين في قلوبهم إرشاد، أنصارهم في رابعة العدوية، وقرروا منذ اللحظة الأولى أن 30 يونيو «معركة مع الكفار»، كما قال شيوخهم علنا في موقعة الإستاد، وأمن الحاضرون فيما هز مرسيهم رأسه الفارغ مبتسماً.
المطلب دائماً وعبر الثورة، لا يضع في اعتباراته خطوة «وماذا بعد»، هكذا تعلمنا من أنفسها في 25 يناير، حين طالبنا برحيل مبارك وإسقاط النظام، فحين رحل مبارك، لم نجد إلى جنرالاته، باعتبارهم مرحلة مؤقتة للوصول إلى إسقاط النظام (الهدف الأوسع).
أيضا في 30 يونيو، كان الهدف «انتخابات رئاسية مبكرة»، وهي كرة من اللهب ألقتها الملايين في حجر المعزول، كانت الرسالة واضحة: تنازل طوعا وادخل معنا في معركة صناديق نهائية.. إما هذا وإما ما لا نعرف وما لا تطيق.
حين يتحدث أنصار المعزول عن «الديمقراطية»، يمكنك أن تسمع ضحكاتي من بعد 100 متر على الأقل.. ألم يكن في قلوبكم «صناديق» في السودان وغزة؟ .. طيب .. ألم يكن في إرشادكم ثقة بـ«شعبية الإسلاميين» ليخوضوا معركة صناديق جديدة تذهب اللبس وتجدد «الشرعية»؟
اختار مرسي طريقه من قبل 30 يونيو.. اختار أن يكون اليوم «معركة»، وحين يلجأ تنظيم لمليشياته المسلحة، ويعلن مجلس حرب في سيناء؟ فماذا يفعل الشعب سوى استدعاء بالأمر لذراعه العسكرية؟

3

كما في 25 يناير بالضبط.. التاريخ لا يعيد نفسه، لكننا لم نتغير.. لا ذنب للتاريخ هنا.
الشعوب لا تضع خارطة تفصيلية بكل شيء.. والثورات لا تملك في لحظات الفوران أن تقرر بدائل سريعة.. الشعوب يا عزيزي ترفع مطالب وتصدر أوامر لجسد الدولة، وعلى أولئك الذين يجلسون على كراسيهم حل من اثنين: إما أن ينحازوا للمطالب أو يرحلوا عن الكراسي وعنا.
باختصار، لم يكن أحد يريد أن يأتي طنطاوي، وأتى، ولم يكن أحد يريد أن يأتي العيسوي وأتى ولم يكن أحد يريد أن يأتي الجنزوري وأتى.. كل هؤلاء رحلوا يا عزيز عيني (باستثناء الجنزوري باعتباره إله الوظائف عند الفراعنة)، رحلوا ليس لأنهم «شعروا بالملل»، رحلوا لأنك أجبرتهم على ذلك، رحلوا لأن من جلسوا على الكراسي عرضوا عليك خططاً قبلت منها خطوات ورفضت أخرى، وحين اشتد النزاع، خرجت إليهم ودفعت ضريبة ذلك من دمك ودمي.. أما هم فلم يكن من سبيل أمامهم إلا الرحيل كرهاً.
الآن وبعد 30 يونيو والتفويض وفض رابعة وضربات الإرهاب والمحاكمات العسكرية ومعركة الدستور.. لا تزال جمرات 25 يناير مشتعلة وإن ظن البعض العكس.
تخشى يا عزيزي من حملة تشويه إعلامي؟.. مستعد للتضامن معك فقط إذا أخبرتني متى توقفت هذه الحملات التي بدأت في عهد مبارك ثم مرسي وتستمر حتى الآن؟.. تخشى يا عزيزي من توحش أجهزة الأمن؟.. مستعد لتفهمك فقط إن أخبرتني متى كان لهذه الأجهزة قلب رحيم أو عقل يفهم أي شيء أصلا؟.. تخشى يا عزيزي من عودة الفلول أو الإخوان؟ سأخبرك يا عزيزي أن فلولك «المباركيين» وإخوانك «الإرشاديين»، لم ينجحوا في اختبار الصناديق إلى بنسبة 20 إلى 23 % فقط، أما تيارك الثوري (وكان في أضعف حالاته) فحصد 40% من الأصوات.. أنت «قدهم مرتين.. إفهم بقى».
من حقك أن تصاب بالاحباط.. أنا شخصياً أعتبره علامة صحية.. الإحباط إشارة على أن حلماً ما لا يزال يراودك، وأن الحلول القديمة لم تعد تجدي.. الإحباط إشارة أمل في ذاته، أمل في البحث عن حلول أخرى، تقودك وتقودنا إلى «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية».
هنا يا عزيزي لن سأبتعد قليلاً عن ميزان الدم.. أعرف السائل الأحمر وجاذبيته الهائلة، لكني أعرف أيضاً الثورات وضرائبها المميتة.. 

4

هناك من يريد السيسي رئيساً.. أما أنا فأقول له ولمؤيديه: لن أنتخب عبد الفتاح حسن خليل السيسي، وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء.
تحدثني عن خطر الإرهاب؟ أقول لك: كان جيشك في ثكناته وكنت وحدي في الشارع أواجه ذات التنظيم الإرهابي وفي يده الدولة بعسكرها وأمنها ولم يفلحوا في شيء سوى الولولة.
تحدثني عن فاصل انتقالي يرأسه عسكري؟ أقول لك: سبق وجربناها 18 شهراً، وكان السيسي رئيسا لمخابرات المجلس العسكري، فلماذا نشرب من ذات «الترعة» مرتين؟
تحدثني عن غياب البديل؟.. أقول لك: قبل بدء السباق الرئاسي بأسبوع واحد لم يكن أحد يعرف من مرشحه، وبعض المرشحين ظلوا على حافة الترشح حتى اللحظات الأخيرة؟
تحدثني عن ضرورة الحل الأمني؟ أقول لك: مصر خاضت معركة ناجحة ضد الإرهاب من 1972 (أحداث الفنية العسكرية) وحتى 1997 (تفجيرات الأقصر) ولم يفلح الأمن دون تنمية وحريات.
تحدثني عن الأمن القومي ومتطلباته؟ أقول لك: التعليم أيضاً أمن قومي..العدالة أيضا أمن قومي.. الحرية بذاتها أساس لنظرية الأمن القومي كله.. نحن شعب لديه جيش يستدعيه وقت اللزوم بالأمر، ولسنا جيشاً يتعطف على الشعب ويمسح له بالتسكع على ضفاف النيل.
تحدثني عن «تطهير المؤسسات من أنصار مرسي».. أقول لك: السيسي عينه مرسي.. تصدق دي؟ .. طب خد دي كمان.. ومحمد إبراهيم عينه مرسي أيضاً.
تحدثني عن كونه "رجل قوي".. أقول لك: المؤسسة التي تغير طاقم قياداتها للمرة الأولى منذ 21 عاما وتظل مستقرة، هي القوية، وليس الرجل هو القوي
تحدثني عن "حسن الإدارة".. أقول لك: لم يظهر هذا الحسن سوى في ضربة البداية وكان سؤالها إجباريا من الشعب نفسه.. أما ما بعدها، فنحن نعيش تخبطاً وصراع أجنحة أمنية وشبكات مصالح، هذه ليست دولة يا حبة عيني
تحدثني عن "رد الجميل" فأقول لك: نزول السيسي تنفيذ من جندي لأمر الشعب، هذا هو ما يتقاضى لأجله راتبه الضخم.. ورئاسة دولة، ليس "جمايل".. فرئاسة المحروسة أسوء بوابة لدخول الجحيم

5

لنتفاهم يا عزيزي..

لا تزال هناك نحو 6 أشهر حتى بدء انتخابات الرئاسة، البعض يريد تعجيلها فور الانتهاء من الدستور، والبعض يقول البرلمان أولاً.. دعنا نبدأ ضربة البداية التي ربما تكون قد سمعتها كثيراً.. ما رأيك بـ: عيش .. حرية .. عدالة إجتماعية.. كرامة إنسانية؟
لو شغال معاك؟.. يبقى تعالى معايا، ونبدأ من الأول:
ع ي ش
ح ر ي ة
ع د ا ل ة ا ج ت م ا ع ي ة
ك ر ا م ة ا ن س ا ن ي ة

0 تعليقات:

إرسال تعليق