Ads

ابن الجبل


بقلم/ زهرة بوسكين

الاسم : أبو تمام
اللقب..؟...ما لقبك يا ولد؟
هكذا سأل المعلم... وهكذا أجاب الولد : (؟)
أبو تمام طفل جميل وبريء ولد في الجبل
يعرف أمه التي يحبها كثيرا وتسعى دوما لتسعده لكنه لا يعرف أباه... كلهم كانوا أبا له ولأقرانه
كلهم ساهموا في ضربه وتحفيظه القرآن والفتاوي والأناشيد حتى يصدح في أعلى الجبل
وكلهم حاولوا تدريبه على استعمال بندقية الصيد التي حولها إلى (محشوشة) لتصيب من يقترب منه بطريقة أنجع
ذات صيف حار هربت سعاد من بيتهم في الريف لتلحق بحبيبها في الجبل 
كانت تحلم أن تتزوجه وتعيش معه في بيت هاديء وتنجب له اطفالا سعداء
لم يعد يهمها البيت الهاديء ستكون إلى جانبه ولو في الجبل
هربت من بيتهم ذات صباح باكر واختارت الجبل تزوجها حبيبها و تزوجها كل رفاقه..لم يكن يستطيع امتلاكها لوحده ولم يكن جسدها له فقط لقد اقتنع أنه من طقوس الجهاد أن كل شيء مشترك الأكل واللباس والفراش والنساء فكانت سعاد زوجة كل الكتيبة الإرهابية وبعد مدة استشهد حبيبها وتم ترحيلها إلى جبل آخر لتواصل جهادها وتكون مفرغة عمومية لكل هؤلاء الذين تعود جسدها على الرضوخ لهم وتعود رأسها على تطبيق مبادئ الجهاد
بعد فترة أنجبت ولدا سموه آباؤه "أبو تمام"
كثيرا ما تغرق في التفكير وتسعى جاهدة لتحدد من يكون أبو الولد ولكن الأمر صعب 
لم تتمكن منه رغم بداهتها وشجاعتها تماما كما لم تتمكن كل رفيقاتها في الجبل من منع ابناء عن المجيء إلى الحياة ومن تحديد آبائهم حين مجيئهم
لا يهم الأمر كثيرا هي تحس ان الولد دخرا لها ولأزمنتها المتعبة... 
بعد سنوات استجابت والعديد من رفاقها ورفيقاتها لنداء الدولة ونزلت من الجبل لتحاول أن تدخل حياة جديدة
لقد ملت الجبل ... حياة بائسة.. عري وجوع ومرض وأجساد تهوي عليها باسم الجهاد و... و... وموت يفتح فاه من كل صوب وفي كل وجهة تلتفت إليها
هاهي تدخل حياتها الجديدة... ليس لأجلها بل لأجل فلذة كبدها ... لينعم بكريم العيش كبقية أقرانه ويتعلم ويصبح طبيبا أو مهندسا يمسح عنها عار الجبل...دخر ازمنتها المتعبة
أبو تمام لم تمسح مقاعد القسم او دروس المعلم من ذهنه ما تعلمه في الجبل...لم تمسح الأناشيد الوطنية ما في رأسه من أناشيد الجبل... ولم تمسح دروس الدين في المدرسة ما علمه إياه امير الكتيبة من فتاوي تحريضية منذ سن الخامسة.... و أنامله التي تشد القلم وتكتب الدرس لم تنس كيف تمسك السلاح رغم نعومتها....في رأسه تدور المعارك... تتوالى وجوه رجال كانوا ينامون مع أمه ويغتصبونها أمام عينيه و هو آخر من يأتي دوره ليكون في حضنها...
دفء المسكن لم ينسه البرد والعواصف وحياة الجبل
لماذا هو هكذا دون اقرانه؟...هكذا يتساءل الولد...
ضدان يتجاذبانه.... امس عفن ومستقبل أفضل...بينهما يقفز حاضربمتناقضات السؤال...حاضر يبني صرحه على تفاصيل الجبل...هل يفسح المجال لغده كي يكون أفضل؟
وهو المسكون بهذا الرفض الكبير لكل المتناقضات التي تتقاذفه... لكل المد والجزر الذي يلهو به 
كل الرفاق يرفضون صحبته... أصابع كثيرة تشير إليه سرا وجهرا... لقيط ... إرهابي...ابن الجبل...
ذات لقاء ولد من رحم المجهول سألت الولد
لماذا اسمك أبو تمام؟...لأنني ولدت في الجبل 
من أبوك؟...كل الإرهابيين الذين عاشروا أمي
ماهي ذكريات طفولتك؟
أذكر أنني كنت أنظف سلاح الإرهابيين... أناولهم الماء وأمسح أحذيتهم....وعندما تكون أمي مريضة يفرغون قاذورات أجسادهم في مؤخرتي...
....ينقطع الصوت بينه وبين ذاته .. لا يمكنه أن يتعرى أكثر الحقيقة دوما تحمل وجها قبيحا...وركام الجبل لن تزيحه المدرسة والحياة الكريمة التي تحاول الدولة أن تنقذه بها...أبو تمام يرفض اسمه ويرفض جسده يرفض أمه يرفض آباءه ويرفض كينونته لأن الحياة لن تستطيع ان تثقب الذاكرة وتسرب منها ذكريات الجبل ولن تستطيع أن تغير حقيقة ابن الجبل
فأين يأخذك الرفض يا ولد؟
غدا تسقط ورقة التوت ويجيبنا ابن الجبل

0 تعليقات:

إرسال تعليق