Ads

كيف لم تستوعب أميركا ما فطنت له السعودية؟؟

محمود التونسي


بينما تعاني بلاده من أعلى نسب للبدانة في العالم، تراه يرقص "الهيب هوب" منتشيًا على أنغام "ميتشيل أوباما"، مثلما يهتف مشجعًا لحكومته في حربها على الإرهاب خارج حدودها على الرغم من الإرهاب الذي يسكن شوارعها منذ عقود.
هكذا وبنفس الطريقة وقع المواطن الأمريكي فريسة الحملات الإعلانية الشرسة التي تغطّي حملات عسكرية أكثر شراسة ليمتثل في النهاية للقانون الأمريكي المعروف بـ "USA Patriot Act" رغم علمه المسبق بأن بلاده أوّل من قدّم الدعم للتنظيمات الإرهابية، إلّا أنّ معظمه لا يزال واقعًا تحت تأثير التنويم المغناطيسي المسمّى بـ "الحرب على الإرهاب" مرددًا نفس الأسطورة الحكومية التي تنتقل من بلد إلى بلد ومن إدارة إلى إدارة ومن رئيس إلى آخر، ليتمدد التعبير الذي استعمله البريطانيين ضد المدنيين الفلسطينيين في الأربعينات ومن بعدهم الأمريكيين في السبعينات إلى تعبير أكثر اتساعًا ليطال من تقتضي الضرورة البطش بهم سواء أكانوا أفرادًا وجماعات أم أنظمة قائمة غير مرغوب فيها.

لم تكن الولايات المتحدة وحدها أوّل من دعمت وساعدت في إنتاج أجيال عديدة من الإرهابيين من خلال استغلال الأصوليات بمفهومها المعاصر الأكثر ميلًا إلى التطرف، بل أيضًا بداية من المملكة العربية السعودية وباكستان والصين بدعمهم الثوار المعارضين للسوفيت في أفغانستان بمباركة أمريكية، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء سنين العسل بينه وبين مصر نستطيع القول أن "السادات" على الأرجح لم يكن يتوقع هذه الدرجة من التطرف فيمن أخرجهم من سجونه ليحارب بهم الشيوعية التي تهاجم طريقته الجديدة في التعامل مع الولايات المتحدة والتي انتهت إلى اتفاقية "كامب دافيد" قبل أن تنتهي حياته مقتولًا على يديهم، وبالتزامن مع "كامب دافيد" اندلعت الثورة الإيرانية الإسلامية لتعود السعودية من جديد إلى الاستقواء بانتاجها من الإرهابيين لمواجهة المدّ الشيعي المتوقّع من الثورة الإيرانية، ثم جاء غزو العراق للكويت ليضع السعودية في موقف العداء معهم بسبب موافقتها على دخول قوات أمريكية لأراضيها كحماية من تهديدات صدّام بينما كان "بن لادن" يتوقّع أن يقبل الملك "عبد العزيز" عرضه بترك الأمر له ليعالجه بجهاد جديد ضد العراق المؤهل طائفيًا -ولا يزال- لهذا النوع من الجهاد.

وحيث أنّ غالبية البلدان الإسلامية كانت ولا تزال تعارض فكرة تحديد النسل، فتجدها الأكثر إمدادًا بمجنّدين جدد طوال الوقت وربما هذا يفسّر بشكل كبير ارتباط مصطلح الإرهاب بالإسلام لاسيما لدى الغرب الذي لا يملك الوقت الذي يبحث فيه عن مرادفات أخرى كي ينظر لك نظرة مختلفة، لنجد فجأة هذه النظرة وقد تطوّرت مع الوقت لشيطنة كل ما هو إسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتفجير برجيّ مركز التجارة العالمي، لتمتد الحرب على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق إلى اليمن، ولأهداف مختلفة قليلًا، تحوّلت إلى "الحرب مع الإرهاب" في ليبيا ثمّ سوريا رغم أن كلا الطرفين "أميركا-الإرهاب" ينفي علاقته بالآخر تمامًا.

فطنت السعودية لخطورة علاقتها بتلك التنظيمات مبكّرًا، وفي أوائل التسعينيات دخلت في صِدام مباشر مع "بن لادن" بسحب الجنسية السعودية منه وتجميد أمواله ومنعه من السفر، ولم يكن السبب في ذلك شيئًا سوى موقفه من استدعاء القوّات الأمريكية واعتباره دخولها للسعودية مخالفًا للشريعة الإسلامية، ليصبح بعدها العدو الأوّل لأمريكا ومن ورائها حلفائها العرب بالطبع، لكن على عكس المتوقع فأمريكا لم تستوعب التجربة السعودية جيدًا لتفهم حقيقة أن الإرهاب لا يدين لأحد بالولاء.

لن نفتش عن الحجج التي ساقها كل طرف ليبرر موقفه، فما أسهل أن يستصدر كل منهم فتوى تحلل له ما يراه صوابًا، ولن نطرح أسئلة ساذجة معروفة الإجابات للبحث في أسباب تحوّل الموقف الأمريكي من الإرهاب من حين إلى آخر، فالأسباب تقريبًا هي نفسها التي تفسّر موقف الإسلام السياسي في مواقف عدّة، لنسترجع فقط ثلاثة مشاهد أولهم مشهد تكرر كثيرًا قبل الربيع العربي لمظاهرات احتجاجية ومسيرات تقودها وجوه معروفة للجميع وتجوب الشوارع في معظم البلدان العربية مطالبةً بفتح باب الجهاد في فلسطين المحتلّة ربما من قبل ولادتهم، ثانيهم مشهد الحشود الحاملة لصورة "مجاهدهم" الأوّل "أسامة بن لادن" في مظاهرات حاشدة تندد بالفيلم الأمريكي المسيء للرسول، وهتافاتهم تهتز لها الأرض من تحتهم "كلّنا أسامة" ثم يسيئون للإسلام مثله أكثر من فيلم لم يشاهده أحد، ثالثهم مشهد استنجادهم بأمريكا للجهاد معهم في سوريا!! لا أقول فلسطين بل سوريا، فالجهاد هناك أفضل في هذا الوقت.

ما أسهل شعارات الديموقراطية الرنّانة التي تنادي بها أمريكا هنا وهناك بدكتاتورية فجة، ما أسهل تجريد نصوص دينية من سياقها لتسوق بها الجهلاء إلى النار وتوهمهم أنها الجنّة في الصيف، ما أسهل خلق العدو البديل بفتوى طالما وُجِد التمويل، وها هي السعودية تسبق أمريكا من جديد وها هي أمريكا تخفق مجددًا والحلّ ليس بعيد، فما أسهل "الحرب على الإرهاب" إن لم تكن من أجل "الحرص على الإرهاب".

0 تعليقات:

إرسال تعليق