دكتور عادل عامر
ولعل التراث لم يجد في الكون مهدا لإقامته ارحم من ربوع سيناء ذات الرمال الأنقى والأغنى في العالم. فقد قدرت مشيئة الله «عز وجل» أن تحتضن رسالات الرسل، وان تستقبل نبوءة الأنبياء، ولذا سميت «ارض الأنبياء» وجاء ذكرها في 6 سور في القرآن الكريم في سورة التين: «والتين والزيتون وطور سينين» وسورة الطور: «والطور وكتاب مسطور» والنازعات: «هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوي»، والبقرة: «وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة»، وسورة مريم: «وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا» وأخيرا سورة القصص: «وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك»، ومعبرا وممرا للأنبياء منهم من اجتازها ومنهم من أقام فيها، بدءا من أبى الأنبياء إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وأيوب وشعيب ويوسف. جاء إليها سيدنا إبراهيم مع زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السلام عام 1890ق.م وتزوج هاجر المصرية، كما اجتازها سيدنا يوسف عليه السلام "عام 1780ق.م" الذي التقطه بعض السيارة وباعوه إلى عزيز مصر كما مر بها أبوه سيدنا يعقوب عليه السلام وأولاده الأسباط عند قدومهم للحياة في مصر عام 1706ق.م، وسيدنا أيوب عام 1300ق.م، وشعيب الذي عاش بين أرض مدين وأرض سيناء عام 1250 ق.م، وعاش على أرضها، كما جاء في موقع «منتديات حراس العقيدة»، وسيدنا موسى الذي ناجى ربه من فوق جبل الطور، وعلى أرضها الطاهرة تلقى الرسالة ونزلت آيات الله لليهود عام 1218ق.م وخرج بالتوراة من مصر وأخوه هارون، كما تقابل مع الخضر في جنوب سيناء عند مجمع البحرين، وعلى أرضها عاش النبي داود عام 1005ق.م وحمل أناشيده وقام اليهود بترتيلها في صلواتهم وأطلقوا عليها مزامير داود، والنبي صالح الذي عاش بين سيناء ومدين، ومن أرضها دخلت السيدة العذراء مريم ومعها السيد المسيح الطفل إلى أرض الإله الآمنة وخرج عيسى عليه السلام من مصر بعد قضائه سبعة عشر عاماً في أحضان العقيدة حاملاً رسالة الإنجيل إلى العالم. هذه مكانة سيناء الثقافية في العقيدة والتراث، وأيضا في التاريخ الذي يزهو بأهمية المكان وطبيعته الجيوسياسية، وما قدمه الأولون إلى سيناء هو كثير، فماذا قدمنا نحن لسيناء، وهل استطعنا إن نزيل تشوهات الحروب والاحتلال من وجهها، بعد إن عانت من محاولات التهويد المستمرة. قد يكون اليهود خلال احتلالهم لسيناء نجحوا جزئيا في الوصول إلى التراث المادي، إلا أنهم لم يتمكنوا من النيل من التراث المعنوي الذي ظل صامدا خلال الاحتلال (1967-1981)، واحتفظ أهلها بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة دون تشويه.
في عصر انهارت فيه الحواجز بين الثقافات والشعوب، ووصل التقدم التكنولوجي إلى آفاق لم يكن ليتصورها العقل البشري، وشاعت مقولة نهاية الحضارات، وانتشرت أطروحة صراع الحضارات وما تتضمنه من تقييم لأساس العلاقة بين الحضارات قائم على العداوة والصراع لا على أساس التفاهم وإمكانية الوصول إلى مشترك يمكن من بناء حضارة عالمية تمزج بين جميع ثقافات الشعوب وتستفيد من النافع في كل منها الإرهاب ظاهرة مقيته ولدت منذ ولادة المجتمعات الإنسانية وتطورت كما الظواهر الاخرى مستفيدة من التقدم العلمي لتفعيل اساليبها ووسائلها. نتيجة لذلك تعددت أهدافها وتوسعت جغرافيتها لتشمل العالم باسره ، دونما تمييز بين الدول المتقدمة او التي في دور النمو، وسواء كانت الدولة فقيرة او غنية، او انها تطبق النظام الديمقراطي او غيره من الانظمة. بحيث بات وقوع العمل الارهابي في اية دولة محتملا، ولم تعد القوة مانعا لوقوعها. وكان من بين اهدافها ماهو سياسي ووسيلة تحقيقه نشر الرعب والذعر باستهداف المدنيين وغيرهم للضغط على السلطات القائمة لتغيير مواقفها والرضوخ لمطالب الإرهابيين. وبالتالي فقد فرضت نفسها على المسرح الدولي فشغلت صناع القرار وعلماء السياسة والقانون وغيرهم كلا حسب اختصاصه. دار سجال عنيف حول الظاهرة واكتسب عنفه من عنف الظاهرة نفسها وتلاحقت أراء فيما تصارعت أخرى. وكل رأي لايصدر مجردا من خلفيته الثقافية والاجتماعية والسياسية والمنهل الذي منه ينهل وبه يتاثر ، حول مفهوم الارهاب وماذا يشمل من اعمال. شرفت سيناء بكونها معبرا لأنبياء الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وعيسى وأمه البتول. فلها مكانة عالية عند المولى عز وجل حيث أقسم بها في كتابه بقوله تعالى {والتين والزيتون. وطور سينين} (التين:1-2) فـ «سينين» هي أرض سيناء وبها «جبل الطور» الذي أكرمه الله بأن ناجاه موسى عليه، كما أن من خصائص هذا الجبل أن رفعه الله عز وجل فوق اليهود عندما خانوا العهد ولم يؤمنوا فكان تخويفا وإرهابا لهم فآمنوا ثم أعرضوا كعادتهم فقال فيهم عز وجل {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} (البقرة:63). وفيها الوادي المقدس «طوى» وهو البقعة الغالية التي قدسها الله تعالى فنادى فيها موسى قائلا: {هل أتاك حديث موسى. إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى} (النازعات: 15-16)، ذلك الوادي الكريم الطاهر الذي قال فيه الله عز وجل لموسى (عليه السلام) {فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى} (طه: 12). كما أمر الله موسى أن يرحل ببني إسرائيل لقتال قوم ظالمين جبارين فلما وصلوا إلى «وادي التيه» بسيناء مكثوا فيه أربعين سنة تائهين فكان الله يظلهم بسحاب كالغمام ليقيهم حرارة الشمس وأنزل عليهم المن (طعام حلو) والسلوى (نوع من الطير) ليأكلوا وقال تعالى {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى} (البقرة:57)، فلما أصابهم الظمأ ولم يجدوا ماء طلبوا من موسى أن يدعو ربه ليرزقهم الماء ليرتووا فقال في ذلك عز وجل {وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} (البقرة:60)، فهذه هي سيناء المباركة التي أنعم الله بها علينا. ان اجراء العملية تم بعنف لم يسبق له مثيل سواء من خلال حجم القوات او السلاح المستخدم والتي شملت الطائرات والدبابات والمدرعات والقنابل وغيرها كما لو كان الجيش المصري دخل حرب مع دولة اخرى على ارض سيناء . وهو ما ابرزة نشر فيديو لجثث محترقة لمن تم وصفهم بالارهاببين وبدا عليهم حجم النيران والقذف التي استخدمت ضدهم ، وهو ما يهدد بان يتورط الجيش في نفق مظلم من حالة العنف والعنف المضاد والعمل على توليد المزيد من الارهابيين المتعاطفيين او المناصرين لاهدافهم . وان كانت ظاهرة الارهاب هي ظاهرة ذات طبيعه مركبة في معالجتها والتي يدخل بها الجانب الامني الى جانب الابعاد الاخرى التي لاتقل اهمية مثل البعد الاقتصادي المتمثل في دفع عجلة التنمية في سيناء وضخ الاستثمارات وانشاء مجتمعات عمرانية واستغلال ترعه السلام وتطويرها وحفر الابار للزراعه وانشاء المدراس. وياتي الى جانب ذلك المعالجة الثقافية للإرهاب التي تعنى بنشر الوعي والثقافة الدينية الصحيحة ونشر العلم ، فمجتمع سيناء هو مجتمع يغلب علية الطابع البدوي الذي مازال يحتفظ بعاداته وتقاليدة والى جانب الطبيعه الوعرة والجبلية لسيناء والتي يصعب السيطرة عليها كلها امنيا وخاصة مع تغلل المجموعات الارهابية الى مناطق لا يعرفها الا من يعرف سيناء جيدا ولا تعرفها الأجهزة الأمنية الا بمعاونة مقتفي الاثر من البدو . ومما يثير الخوف والقلق هو ما يتم تهريبة من سلاح في سيناء والتي اصبحت معبرا لتجارته وتهريبة الى سوريا عبر الاردن وبخاصة السلاح الليبي والعكس عبر الحدود مع اسرائيل ناهيك عن تجارة المخدات والهجرة غير الشرعية وتجارة الاعضاء البشرية وكل تلك المشكلات جاءت ونمت في ظل فر اغ امني وبشري ممتد في مرحلة ما قبل حرب 73 وما بعدها وهو ما يطرح تعقد حل المشكلة التي تمثلت في ان تكون سيناء ارض خصبة لنمو المجموعات المتطرفة وارض تدريب للجهاديين العالميين والتي اصبحت ذات علاقة بشبكات الجريمة المنظمة الدولية . وتفرض تلك التحديات ان تكون مواجهة هذا الخطر متعددة الابعاد فلا يعقل ان يتم استخدام النيرات الكثيفة لقتل المشتبه بهم بالارهاب او قذفهم من الطائرات او استخدام القنابل ضدهم وهو ما يؤدي الى حدوث انتهاكات لحقوق الانسان وحق اي انسان في ان يخضع للقضاء الطبيعي وان تكون محاكمته عادلة . وانه في حالة التعقب الامني لايجوز قتلة دون محاكمته .فالفرق بين الجماعات الارهابية في استخدامها للعنف انها لا تملك الحق الشرعي في استخدامة واذا استخدمته لا تلتزم باية قيود او ضوابط مقارنه بدور الدولة عبر اجهزتها الامنية التي تمتلك الحق الشرعي في استخدام القوة وانها تهدف الى سيادة القانون وحماية هيبة الدولة والانحياز التام للمصلحة التي تحمي الامن القومي . يجب الا يعتمد الجيش علي الحل الامني والذي كان لا يجب ان يتجاوز محاولة اثبات هيبة الدولة وسيادة القانون لا ان يتحول الى انتهاك القانون وارتكاب اعمال شبيه بما يقوم به الجماعات الارهابية المتطرفة وان يعتمد على الجانب المتعلق بجمع المعلومات والتحريات اكثر من الفعل العسكري غير المحسوب والذي قد يكون عشوائيا عندما يتم استخدامه . وتعزيز قدرة الجيش تلك تتطلب ان يمتلك اسلحة واجهزة اتصال متقدمة ونشاط عالي من الاجهزة المخابراتية ، والاستعانه بالاقمار الصناعية لمراقبة الاتصالات التي تدور بين الجماعات الارهابية وهو ما يحتاج الى تعاون دولي وخاصة مع الولايات المتحدة والى فرض المرونه الواجبة في كيفية نشر قوات الجيش المصري وبقوة في سيناء لفرض هيبة الدولة . والتي استغل غيايها جماعات التكفير الجهادية في غزة وسيناء ومرتع لنشاط ايران وحزب الله لاستخدام سيناء كجبهة في الحرب وشن العمليات ضد اسرائيل او محاولة فرض الطموحات والضغوط على الدول الاقليمية والدولية وخاصة حيال موقفها من النظام السوري والدعم الايراني له . فتجفيف منابع الارهاب يرتبط ايضا بتجفيف منابع الجريمة التي توفر المال والسلاح للنشاط الارهابي وهو ما يتطلب الحد من الهجرة غير الشرعية من دول الجوار ومكافحة تجارة المخدرات . ان الارهاب يتطلب معالجة شاملة تاخذ في اعتبارها كل ابعاد الحل ودون تورط الجيش في حرب مستمرة تنهكة عسكريا وتشوه صورته عالميا وتكون بداية لتقوية الارهاب وليس الى ضعفة واقتلاع جذورة . والذي جاء في بيئة غابت عنها الدولة والقانون لعقود كثيرة واعتبارات قبلية يجب ان تأخذ في الاعتبار فالجاني ليس الارهاب وحدة بل الجاني الحقيقي هو من سمح بغياب هيبة الدولة في سيناء والتي جذبت روابط الارهاب والجريمة على نطاق اقليمي وليس فقط محلي . والتي كان غالبا ما يتم اتهام البدو بانهم المسؤليين عن زعزعة الامن دون الاخذ في الاعتبار مسئولية الدولة وسياساتها التي رسخت قيود كامب ديفيد ولم تحاول ان ترسخ المصلحة الوطنية العليا . وهو ما يحتاج الى ان تكون العملية نسر التي يقودها الجيش المصري ضد الارهاب في سيناء تنتطلق وفق اهداف امنية وليس لها علاقة باي ترتيبات سياسية يتم ستغلالها لصرف الانظار وكسب الشرعية والتمهيد لتغييرات داخل الجيش . فان تعاظم او محاولة التخضيم من خطر الارهاب في سيناء قد يجر الجيش المصري الى حرب طويلة تكون نتائجها فشل التنمية في سيناء وضعف الجيش المصري وهو ما يصب في صالح اسرائيل ويخلق لها تفوق استراتيجي اخر في المنطقة . الى جانب ضعف الجيش السوري وانشقاقة . ويفرض ذلك علىالقيادة السياسية في مصر ان تحافظ على تماسك المؤسسة العسكرية وان تحفظها من محاولات الاختراق تحت ذريعه التعاون الامني في مكافحة الارهاب والا تغفل الابعاد الاخرى في مواجهة الارهاب الى جانب الحل الامني . أن ما يحدث فى سيناء لا يستهدف إسرائيل فقط، وإنما البعض منه يستهدف مصر أيضاً، وتجىء أعياد سيناء هذا العام وشبه الجزيرة تذرف دموع الحزن على ما أصابها طوال السنتين الماضيتين، بداية من المذبحة التى وقعت لجنودنا فى شهر رمضان الفائت والتى راح ضحيتها ١٦ جندياً ساعة الإفطار. وقد تزايدت فى الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على الدوريات المصرية فى سيناء، وتشهد مديرية الأمن بمحافظة شمال سيناء فى الوقت الحالى اعتصاماً مفتوحاً، يشارك فيه عشرات الضباط وأمناء الشرطة والجنود احتجاجاً على هذا الوضع، خاصة بعد استشهاد ضابط ضمن دورية أمنية بوسط سيناء قبل حوالى أسبوع بواسطة مسلحين مجهولين هاجموا الدورية أثناء عملها. فما الذى يحدث فى سيناء بالضبط، وكيف فقدت السلطات المصرية سيطرتها على هذا الجزء الاستراتيجى من أرض الوطن الذى يتصل اتصالاً مباشراً بالأمن القومى المصرى؟ سؤال أتمنى أن يجيبنى عنه أحد. تطور الأوضاع فى منطقة شبه جزيرة سيناء فى ظل حالة القلق التى تعيشها المنطقة أن هناك عددا من عناصر أعضاء التيارات الأسلامية المتشددة والمنتشرين بقوة فى شبه جزيرة سيناء فى شمالا وجنوبا وبمنطقة الوسط يقومون الأن بتأليب شيوخ القبائل العربية وجماعات البدو على القوات المسلحة ، بعد صدور القرار الأخير للفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة و وزير الدفاع والإنتاج الحربى والذى يقضى بإعادة توضيح الضوابط المتعلقة بتملك الاراضى فى المناطق المتاخمة للحدود مع المستوطنات الإسرائيلية حيث يحظر تملكها فى بعض المواقع كما أنه غير مسموح الموافقة على تخصيص حق الإنتفاع لها فى مناطق أخرى . ذكر التقرير الأمني أن هناك عناصر من أعضاء حزب الحرية والعدالة و التيارات الإسلامية المتشددة ، استغلوا غضب مشايخ سيناء ، بعد صدور هذه القرارات ، وعقدوا اجتماعات مغلقة فيما بينهم لمطالبتهم بتصعيد مواقفهم تجاه القوات المسلحة خلال الأيام القليلة المقبلة في حال إصرارها على استكمال ما بدأته من إجراءات حظر تملك الآراضى في المنطقة الشرقية الحدودية. وطالب التقرير الأمني ضرورة تعامل الجهات الأمنية بمختلف تقسيماتها بمنتهى الجدية مع هذه المعلومات الواردة، خاصة بعد ورود أنباء قوية عن نية قيام بعض القبائل العربية بتصعيد مواقفها لإثارة البلبلة بسيناء خلال الأيام المقبلة.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق