Ads

مطالبات في مصر بخفض سن الحدث

الدكتور عادل عامر
أن المادة 11 من قانون الطفل تنص على عدم الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد على من لم يتجاوز الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة. و إن المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل تقضي بعدم جواز معاقبة طفل بالمؤبد أو الإعدام على جريمة ارتكبها، والانسياق خلف الضغوط الإعلامية المطالبة بتغيير ذلك وتغليظ العقوبات علي الأطفال في الجنايات، من شأنه التأثير علي سمعة مصر دوليا ويضعها في مصاف الدول التي لا تحافظ علي اتفاقاتها الدولية. لان تخفيض سن الطفولة إلى أقل من 18 عاما، يفجر قضايا أخرى، منها سن التجنيد الإجباري، ارتفاع معدلات الزواج المبكر، ارتفاع نسب عمالة الأطفال، ومن غير المنطقي أن نحكم بالإعدام على كل أطفالنا وندمر مستقبلهم، بسبب جريمة واحدة أو حالة خاصة.
ويجب ان تفكر الدولة في تنشيط مراكز الشباب والأندية الرياضية التي تستوعب الأطفال وتوفر لهم صحة نفسية سليمة، ويصبح التفكير في منع تكرار الجريمة أهم من تغليظ العقوبة. رغم بشاعة ووحشية الجريمة التي ارتكبت ضد “زينة”، فإن القانون يجب أن يبقى مجردا لا يتم تغيير قواعده ونصوصه مع كل قضية، لان قانون الطفل المصري علي وجه الخصوص يعد من أعظم القوانين التي تستطيع أن تفخر بها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، حيث جاء متوافقا إلى حد بعيد مع «اتفاقية حقوق الطفل».أن منظمات المجتمع المدني بذلت جهودا كبيرة لتحصل على المكاسب التي نصت على حماية حقوق الطفل المصري في كل الظروف، سواء مع القانون رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته في القانون 26 لسنة 2008، وتم تدشين قانون فلسفته الأساسية قائمة علي حماية الطفل وأنه ضحية في كل الأحوال سواء كان جانيا أم مجنيا عليه، فهو ضحية المجتمع والأسرة والتربية والظروف الاقتصادية والثقافية والتعليمية، لان التحقيقات كشفت عن أن أحد مرتكبي الجريمة «أمه راقصة»، وهذا ما يحتم ضرورة فتح ملفات دور «لجان حماية الطفل» في كل المحافظات، لأن هذا «الجاني» كان «ضحية» قبل اشتراكه الجريمة، فأين كانت هذه اللجان؟أن الاستجابة لمطالب تعديل سن الطفولة يمثل خرقا لالتزام مصر الدولي باتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل، وهو ما يعقبه إدانة دولية يترتب عليها وقف المنح والإعانات التي تقدمها دول الاتحاد الأوربي لمصر فيما يتعلق بمشروعات التنمية. أن تحديد سن الطفولة بالثامنة عشرة يتفق مع ما نصت عليه “اتفاقية حقوق الطفل” الصادرة عن الأمم المتحدة، التي كانت مصر بين أول 20 دولة في العالم وقعت عليها عام 1991، وتحديد هذا السن لم يكن عشوائيا، بل جاء بناء علي دراسات وأبحاث، تتعلق بمعايير النضج والثقافة والتربية والصحة، وأنه لم تم تطبيق تلك المعايير بالكامل في مصر، فإن سن الطفولة سوف يصل إلى 21 عاما وليس 18 فقط، وذلك لاختلاف كثير من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية. التزام مصر بموجب التصديق على اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها الاختيارين ، وأنه لزاماً على جميع الجهات المعنية بالطفولة مراعاة ملاحظات اللجنة الدولية لحقوق الطفل بما يعكسه من التزام مصر تجاه المواثيق والاتفاقيات الدولية كما أن الحدث فى نظر علماء النفس والاجتماع هو الصغير منذ ولادته حتى يتم نضوجه الاجتماعى والنفسي وتتكامل لديه مكونات الرشد ولا تحدد مرحلة الحداثة حسب وجهة نظرهم بحد أدنى للسن وحد أعلى، بل تتميز بمجموعة من الظواهر الحيوية والجسمانية والعضوية والنفسية وتنقل الصغير من دور التكوين الجسمى والنفسى الخاصين بالوليد إلى دور التكوين والنمو الخاصين بالبالغ.

أما الحدث فى المدلول القانونى، فهو الصغير الذى لم يبلغ سن الرشد الجنائى فالحداثة من الناحية القانونية ينحصر مجالها فى فترة زمنية يمكن تحديدها بحد أدنى وحد أعلى، وتحديد هذه السن يختلف باختلاف التشريعات ويرجع ذلك غالباً إلى تأثير العوامل الطبيعية والاجتماعية والثقافية والخاصة بكل مجتمع على حدة. وذهبت أغلب التشريعات إلى تحديد السن الأعلى للحدث بثماني عشرة سنة وهو ما أخذ به المشرع المصرى فى قانون الطفل الحالى رقم 12 لسنة 1996م وما سار على نهجه المشرع اليمني بموجب قانون حقوق الطفل رقم 45 لسنة 2002م وذلك تماشياً مع السن التى حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل سنة 1989م. ومن خلال حديثنا عن مدلول الحدث فى القانون تطرقنا لجنوح الأحداث أو ما يطلق عليه انحراف الأحداث والذى لا يقتصر على الأفعال المجرمة أو التى تنبئ عن حدوث انحراف حقيقى بل يشمل أحياناً الأفعال العارضة التى لا تدخل تحت مفهوم الجرم من ناحية وهنا يقودنا إلى نتيجة هامة وهى اتساع نطاق المسئولية الجنائية عند الحدث رغم أن الأصل هو تقليص مسئولية الحدث من الناحية الجنائية، إلا أن الغاية التى يتبعها المشرع سواء فى القانون المصري أو اليمني عادة وهى الإصلاح والتقويم قد يخفف من خطورة هذه النتيجة. يخضع الأحداث لنفس الضمانات المتاحة للبالغين أثناء التحقيق الابتدائى مع الأخذ بمراعاة سن الحدث ودرجة خطورة الفعل المنسوب إليه وحالته البدنية والذهنية والظروف التى نشأ وعاش فيها وغير ذلك من عناصر فحص الشخصية. يعتبر التصرف فى التحقيق الابتدائى قراراً يتضمن تقييماً للمعلومات والأدلة التى أمكن الحصول عليها أثناء التحقيق، وبياناً للطريق الذى تسلكه الدعوى بعد ذلك فإذا كان هذا الطريق لا يعدو واحداً من أمرين بالنسبة للبالغين، أما الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، أو إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، فإن لسلطة التحقيق الابتدائى بالنسبة للأحداث إمكانية ثالثة للتصرف فى التحقيق وتتمثل فى إصدار أمر بتسليم الحدث لمتولى أمره مع إنذاره لمراقبة حسن سيره وسلوكه مستقبلاً.
تقتضى مصلحة الحدث فى كثير من الأحيان عدم المضي فى الإجراءات القانونية معه حتى وصوله إلى ساحة القضاء، الأمر الذي يتعين معه أن يكون لشرطة الأحداث سلطة التصرف في أمر الحدث تصرفاً من شأنه أن يعيده إلى ذويه دون إرساله إلى النيابة العامة، ومن ثم فإننا نرى أنه من الأوفق منح ضباط شرطة الأحداث تلك السلطة الممنوحة لنيابة الأحداث والخاصة بتسليم الحدث لمتولى أمره مع إنذاره كتابة لمراقبة حسن سيره وسلوكه فى المستقبل وذلك إذا ضبط الحدث فى إحدى حالات التعرض للانحراف إذ أن ذلك يخفف العبء عن كاهل النيابة ويوفر كثيراً من الوقت، ويجنب الحدث عيوب الإجراءات المطولة التى تستهدف قوانين الأحداث دائماً تجنبها، فضلاً عن ضآلة مفهوم الإنذار وآثاره القانونية بالنسبة لمتولي أمر الحدث.
التأكيد على اختصاص محكمة الأحداث بجميع جرائم الأحداث سواء أكانت جناية أو جنحة أو مخالفة، سواء أكان المتهم حدثاً أم كان مشتركاً معه بالغ. المادة 72 من قانون العقوبات ـ قبل إلغائها ـ كانت تنص على أنه : " لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذى زاد عمره على خمس عشرة سنة ولم يبلغ سبع عشرة سنة كاملة . وفى هذه الحالة يجب على القاضى أن يبين أولاً العقوبة الواجب تطبيقها بقطع النظر عن هذا النص مع ملاحظة موجبات الرأفة إن وجدت ، فإن كانت العقوبة هى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم بالسجن مدة لا تنقص عن عشر سنين ، وإن كانت الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم بالسجن " وقد استقر الفقه والقضاء في ظل تطبيق هذا النص ـ المنقول عن نص المادة 66 من قانون العقوبات الصادر سنة 1904 ـ على أن القانون يفترض فيمن بلغ الخامسة عشرة أن إدراكه قد كمل وأصبح أهلاً لحمل مسئولية أفعاله كاملة ، من أجل ذلك توقع عليه العقوبات العادية . غير أنه رؤى أن يجنب من يكون في هذه السن عقوبتى الإعدام والأشغال الشاقة لأن في تنفيذ الأولى قسوة لا تقبلها النفوس ، وعقوبة الأشغال الشاقة أشد من أن تحتملها بنيته فتعرضها للتلف . وأن كل ما يتطلبه القانون بهذا النص ألا يحكم على من يكون في هذه المرحلة من العمر بعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة بنوعيها ، فلا يلجأ لهذا النص إلا إذا رأت محكمة الجنايات أن تحكم عليه بعقوبة منها ، فإن أمكن تلافيها بوسيلة أخرى فلا حاجة له . ولذلك نصت المادة المذكورة صراحة على وجوب مراعاة موجبات الرأفة إن وجدت قبل تطبيق النص ، فإذا نزلت العقوبة بتطبيق ظروف الرأفة وفقاً للمادة 17 من قانون العقوبات عن عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بأن صارت سجناً أو حبساً فلا تطبق المادة 72 المشار إليها لأن أغراض الشارع قد تحققت أحداث 12 وإذ ألغيت المادة 72 من قانون العقوبات بالقانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث ، حلت محلها المادة 15 من هذا القانون فنصت على قاعدة استبعاد عقوبتى الإعدام والأشغال الشاقة بنوعيها دون أن تشير إلى مبررات الرأفـة ، إلا أن الـرأى ظـل مستقراً على ما كان عليه في ظل المادة 72 من قانون العقوبات على ما سلف بيانه . وأخيراً فقد حل قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 محل قانون الأحداث ونص في المادة 111 المعدلة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 ـ الذى يسرى على واقعة الطعن الماثل ـ على أنه : " لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذى لم يجاوز سن الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة .

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية


0 تعليقات:

إرسال تعليق