Ads

فتوى محمود شعبان بقتل البرادعي وحمدين في ميزان الفقه الاسلامي


بقلم د/ عبد الحليم منصور
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر

كان قد أفتى الداعية السلفي، محمود شعبان، - كما نقلت ذلك وسائل الإعلام المختلفة - بقتل الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي، عضوا جبهة الإنقاذ الوطني، مؤكدًا أن الجبهة التي تحرق مصر وتبحث قياداتها عن كرسي الرئاسة حكمها في شريعة الله هو ''القتل''.
ورأيي أن هذه الفتوى غير صحيحة ولا يجب التعويل عليها وذلك ما يأتي :
أولا ـ لأنها صادرة من غير متخصص في علوم الشريعة ، ولا دراية له بعلم الفقه وأصوله ، ومن ثم فقوله مردود لأنه ليس من أهل الاختصاص المعني بذلك .
ثانيا – لا يحل قتل النفس التي حرم الله الا باحدى ثلاث كما ورد في الحديث ( النفس بالنفس ، والثيب الزاني – والتارك لدينه المفارق للجماعة ) 
ثالثا – المعارضة في الاسلام وفق القواعد التي وضعها الاسلام مشروعة ولا يمكن التنكر لها وقد وقعت المعارضة للحاكم اثناء الرسول وبعد في حياة الصحابة ، ولاتزال موجودة في العالم كله إلى يومنا هذا .
رابعا - الحفاظ على دماء المصريين ، مسلمين وأقباط أمر في غاية الأهمية ، بل إن ثاني الكليات الخمس التي جاءت الشريعة لحمايتها الحفاظ على النفس . قال تعالى ( من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) وفي الحديث :" اجتنبوا السبع الموبقات .. ) ومنها : قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق . وقال عليه الصلاة والسلام وهو أمام الكعبة يوما : ( ما أعظمك وما أعظم حرمتك وإن المؤمن أشد حرمة عند الله منك ) . وقال أيضا ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) وقال تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمد فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) 
ومن ثم لا يمكن لأي عاقل ينتسب لدين الاسلام ويؤمن بمبادئه السمحة ويفهمه حق الفهم أن يستبيح دماء المسلمين وأعراضهم على هذا النحو
خامسا – أذكر صاحب الفتوى وأمثاله بقوله تعالى ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) وبقول النبي عليه الصلاة والسلام ( أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار )
سادسا - إن المعارضة التي يقوم بها بعض طوائف الشعب ليست في أمور دينية قطعية لا يجوز مخالفتها بحيث يعد منكرها ، قد أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وإنما هي أمور اجتهادية تحتمل الرأي والرأي الآخر ، فقد يكون الصواب مع الحاكم ، وقد يكون مع المعارضين ، وفائدة المعارضة ههنا هي تجلية الأمر أمام الحاكم ليمحص ما يريد اختياره ، ويعدل من وجهة نظره بما يتفق والمصلحة العامة .
سابعا – إن مثل هذه الفتاوى التي تصدر ممن ليسو أهلا للإفتاء تثير البلبلة والفساد في أوساط الرأي العام ، وتهدد أمن المواطنين ، بل وتؤدي إلى مزيد من دكتاتورية الحكام لأن الهدف منها هو إخراس الألسنة حتى تنطق بغير هوى الحكام ، وهذا فيه ما فيه من الفساد والإفساد في الأرض ، وفيه تأصيل للاستبداد الذي طالمنا حلمنا بانقشاعه .
ثامنا – المعارضة السياسية عرفها الاسلام منذ القدم ووضع لها قواعد وضوابط وأسسا وفيما يلي أذكر طرفا من الحديث على المعارضة السياسية ليتضح الأمر لذي عينين ، حتى يعلم هذا وأضرابه أن معارضة الحاكم أمر جائز بل قد يوصف بالوجوب وهاك بعضا من أحكام المعارضة السياسية كما عرفها الإسلام .
تاسعا - مفهوم المعارضة في الاسلام : :" قيام من تتوافر فيه الشروط – فردا كان ، أوجماعة ، منظمة ، أو غير منظمة - بالامتثال لأمر الشارع ، في تقديم النصح ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، في مواجهة الحاكم ، أو المحكومين ، في الأمور الاجتهادية ، بهدف تحقيق الخيرية للأمة الإسلامية " 
عاشرا - أهمية المعارضة وضرورتها : إن الوظيفة الأساسية للأحزاب السياسية المعارضة ، هي انتقاد سياسات الحكومة السالبة ، وتصحيح مسارها ، حتى تضطلع بدورها في إدارة دفة الحكم ، بالصورة المثلى ، ومن ذلك تتطلع المعارضة إلى الوصول للسلطة عن طريق تنظيم معارضتها .
والمعارضة في النظم الديمقراطية لها أهمية كبرى ، فعلاوة على أنها متفقة مع المنطق ، وطبيعة الأمور ، كذلك من حيث وجود الرأي والرأي المخالف ، وما يحققه وجود المعارضة المشروعة ، من وسائل قانونية تسمح للتيار المعارض بالتعبير عن رأيه ، إضافة إلى ذلك فإن المعارضة تعتبر في الدول الديمقراطية جزء لا يتجزأ من النظام نفسه
حادي عشر - أهداف المعارضة : 
1 ـ تدارك أخطاء الحكومة
2 ـ إيجاد التوازن بين الحاكم والمحكوم
3 ـ كشف أفضل الحلول :
4 ـ مقاومة النزعات الديكتاتورية
5 ـ الاهتمام بشئون المسلمين :
6 ـ المعارضة ضمانة ضد هلاك الأمة
ثاني عشر - التكييف الفقهي للمعارضة هل المعارضة حق أم واجب ؟
الذي يبدو لي : 
أننا إذا نظرنا إلى المعارضة من ناحية من توجه إليه المعارضة وهو الحاكم ، فهي حق له على أفراد الأمة، وجماعاتها ، أن تقدم له واجب النصح ، والإرشاد ، وأن تأمره بالمعروف ، وأن تناه عن المنكر .
وإذا نظرنا إلى المعارضة من ناحية من يقوم بها ، باعتبار أن الحكم الشرعي وصف لفعل المكلف ، فنقول : إنها واجب في الجملة على سبيل الكفاية ، إذا قام به بعض أفراد المجتمع ، سقط الإثم والحرج عن الباقين ، وذلك باعتبار أن المعارضة السياسية نوع من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، أو هي من باب النصح للحاكم ، وهما واجبان في الجملة ، فتأخذ حكمهما ، ومن ثم فخلاصة الأمر وجملته ، أن المعارضة هي نوع من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، أو هي نوع من النصيحة لولي الأمر ، وللحكومة القائمة على شئون المسلمين في البلاد ، كما ان المعارضة السياسية تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة وهي الوجوب والندب ، والتحريم والكراهة والإباحة . 
ثالث عشر - نماذج عملية للمعارضة في عصر الرسول :
1 ـ ما روي عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه ، قال: كنت أَمْشِي مع النبي ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَجَذَبَهُ جذبه شَدِيدَةً حتى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبي ، قد أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ من شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ، ثُمَّ قال: مُرْ لي من مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ ، فَالْتَفَتَ إليه فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بِعَطَاءٍ " 
2 ـ وفي رواية عن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال: لَمَّا كان يَوْمُ حُنَيْنٍ ، آثَرَ النبي نَاسًا ، أَعْطَى الْأَقْرَعَ مِائَةً من الْإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذلك ، وَأَعْطَى نَاسًا ، فقال رَجُلٌ : ما أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللَّهِ ، فقلت: لَأُخْبِرَنَّ النبي ، قال : رَحِمَ الله مُوسَى ، قد أُوذِيَ بِأَكْثَرَ من هذا فَصَبَرَ " 
3 - لما اشتد على الناس البلاء ، بعث رسول الله كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، ومن لا أتهم ، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة ، على أن يرجعا بمن معهما عنه ، وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح ، حتى كتبوا الكتاب ، ولم تقع الشهادة ، ولا عزيمة الصلح ، إلا المراوضة في ذلك ، فلما أراد رسول الله أن يفعل ، بعث إلى سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، فذكر لهما ، واستشارهما فيه ، فقالا له : يا رسول الله ، أمرا تحبه فنصنعه ، أم شيئا أمرك الله به ، لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا ، قال : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله ، وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ، ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة ، إلا قرى ، أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام ، وهدانا له، وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ؟ والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، قال رسول الله : فأنت وذاك ، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال: ليجهدوا علينا "
4 - روي عن مسروق قال: ركب عمر منبر النبي ثم قال : أيها الناس ، ما إكثاركم في صداق النساء ، وقد كان رسول الله وأصحابه إنما الصدقات بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله مكرمة لم تسبقوهم إليها ، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم ، قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، قال : نعم ، فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن قال: وأي ذلك ، قالت :أما سمعت الله يقول :" وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " قال : فقال : اللهم غفرا ، كل الناس أفقه من عمر ، قال : ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيت أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب ، قال أبو يعلى : وأظنه قال ممن طابت نفسه فليفعل "
رابع عشر - هل المعارضة تنافي الطاعة الواجبة لولي الأمر ؟
تقدم القول بمشروعية المعارضة في الجملة ، وأنها تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة ، على النحو الذي سبق بيانه ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل يوجد ثمة تعارض بين المعارضة ، ووجوب الطاعة لولي الأمر ؟ 
الذي يبدو لي : 
أنه لا يوجد ثمة تعارض على الإطلاق بين وجوب الطاعة لولي الأمر ، وبين واجب المعارضة ، أو النصح لولي الأمر ، لأن وجوب الطاعة للحاكم مقيد بكونها في غير معصية ، وفي هذا يقول النبي :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ومن ثم فالحديث عن طاعة ولي الأمر ، لا يعني نبذ فكرة المعارضة تماما ، بل إن المعارضة لا تكون في كل صورها خلعا للطاعة ، أو خروجا على الجماعة ، حتى لا ينظر إليها إلا من هذا الثقب الضيق والإطار المحدود .
إن المعارضة قد تكون قائمة وموجودة دونما خلع للطاعة ، ذلك أن افتراض الاختلاف في الرأي بين أهل الشورى ،واختلافهم مع الإمام ، لا يعني خروجا عليه ، لأن الاختلاف في الآراء والأفهام وطرق الاستنباط ، أمر وارد ، في الأمور التي تقبل تعدد الأفهام ،وكذا في الأمور التي فيها مخالفة صريحة لمباديء الإسلام ،لأن طاعة أولي الأمر محدودة ومقيدة بطاعة الله ورسوله ، فإذا خالفوا ، فلا طاعة لهم . 
ومما يؤيد ذلك : ما روي عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه عن جده ، قال : بايعنا رسول الله على السمع والطاعة ، في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا ،لا نخاف في الله لومة لائم " 
قال الشوكاني :" .. وبالجملة فهذه الطاعة لأولي الأمر المذكورة في الآية هذه هي الطاعة التي تثبت في الأحاديث المتواترة في طاعة الأمراء ، ما لم يأمروا بمعصية الله ، أو يرى المأمور كفرا بواحا ، فهذه الأحاديث مفسرة لما في الكتاب العزيز ، وليس ذلك من التقليد في شيء ، بل هو في طاعة الأمراء ، الذين غلبهم الجهل ، والبعد عن العلم في تدبير الحروب ، وسياسة الأجناد ، وجلب مصالح العباد ، وأما الأمور الشرعية المحضة ، فقد أغنى عنها كتاب الله ، وسنة رسوله " 
خامس عشر : ضوابط المعارضة
1- المشروعية : وتعني سيادة القانون واحترام أحكامه ، وسريانها على كل من الحكام والمحكومين ، فالقانون يجب أن ينظم العلاقات بين الحكام وبعضهم ، وبين المحكومين وبعضهم ، وبين الحكام والمحكومين ، والمعارضة يجب أن تمارس في حدود القانون ، فلا يحق للمعارضين ارتكاب الأعمال غير المشروعة ، أو المخالفة للقانون في مجال معارضتهم .
2- سلمية المعارضة : المعارضة المثمرة لا تؤتي أكلها في العادة ، إلا إذا كانت سليمة ، وهادئة ، وذلك لأن قرع الحجة بالحجة ، ومقابلة الرأي بالرأي الآخر ،للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة لمشاكل المجتمع لا يأتي عن طريق استخدام القوة المادية لإسكات الرأي الآخر أو القضاء عليه
3- استهداف المصلحة العامة : لا بد أن يكون الهدف من المعارضة ، وتوجيه النقد للحكومة وللحاكم ، هو استهداف الصالح العام في البلاد ، لذلك فإن المعارضة يجب أن تستهدف في كل تصرفاتها وآرائها ، تحقيق هذه المصلحة التي هي من أهم أسباب وجودها ، ومن ثم فليس للمعارضة أن تتخذ كغاية لتصرفاتها تحقيق بعض المصالح الشخصية لقادتها ، أو زعمائها ، أو غيرهم ، أو إنجاز بعض المصالح الإقليمية ، أو المحلية ، أو الفئوية ، على حساب الصالح العام ، فإذا خرجت المعارضة عن هذا المسار ، فإنها بذلك تكون قد تنكبت طريق الضلال ، وانحرفت عن الطريق المستقيم
4- ـ موضوعية الرأي : يجب على المعارضة وهي بسبيل تحقيق دورها في المجتمع ، وهو إبداء النصح للحاكم ، والحكومة ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما ، أن تتحلى بموضوعية الرأي ، وأن تبتعد عن المهاترات الارتجالية ، والاعتبارات الشخصية ، والمجادلة فيما لا يفيد
- اسال الله ان يحمي مصر وأن يجنبها الفتن ما ظظهر منها وما بطن ، وأن يجمع كلمة ابنائها ، وأن يرزقهم الاخلاص في الفعل والقول والعمل ، وان يرد كيد الكائدين وحقد الحاقدين وان يحمي مصر من كل سواء وان يجعلها واحة للامن والامان ان شاء الله تعالى هي وسائر بلاد المسلمين . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق