دكتور عادل عامر
علاقة الإخوان مع أمريكا لم تكن وليدة الأيام الماضية لكنها علاقة طويلة الأجل مترامية الأطراف فقد كان المرشد حسن الهضيبي أول من عقد لقاءات مع السفير الأمريكي والجماعة اليوم م سارعت بالارتماء في الحضن الأمريكي ففي 29 يونيو الماضي صدر خطاب من مكتب مدير الاتصال بالجمهور والمساعدات (دا نيال بورين) إلي السيدة (جينيفر لاسزلو مزراحي) مسؤلة منظمة المشروع الإسرائيلي جاء فيه إن الإدارة الأمريكية قررت استئناف الاتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي كانت قد بدأت في عام 2006 علي حد تأكيد الخبر ، ونشر الخبر في صحف ومجلات الجماعات اليهودية الأمريكية واللوبي الإسرائيلي في أمريكا ونشر بجوار الخبر السابق إن اسرئيل ستحضر اللقاءات الأمريكية المقبلة مع الإخوان عبر مسئولين أمريكيين ، ولقد ردت الإدارة الإسرائيلية بسؤال عن موقف الإخوان من حركة حماس وكانت المفاجأة في الإجابة التي أطلقها (دانيال بورين) حيث قال لنا اتصالات سرية مع الإخوان بدأت في عام 2006 بهدف إزاحة الرئيس مبارك وعائلته ولا علاقة للأمر بحركة حماس.. ومن لايعرف فان دانيال بورين كانت تعمل منسقة للعلاقات بين المنظمات اليهودية بأمريكا ، كما كلف الرئيس الأمريكي اوباما (جون كارسون) بملف العلاقات مع الإخوان أيضا وجون كارسون هو صاحب نظرية طحن البيانات حيث يقوم بجمعها عن طريق المتطوعين وبدأ يظهر بعد الثورة المصرية علي يمين الرئيس اوباما وقد اشترطت الإدارة الأمريكية علي الإخوان ـ علي حد ما نشرته الصحف الأمريكيةـ ان تعمل الجماعة علي ترويض الشارع المصري والعربي لقبول الدور الأمريكي ومجابهة الأصوات المعادية لأمريكا وإسرائيل والتمهيد للمفاوضات العربية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية ومساندة الاتفاقيات التي تنتج عن التفاوض وحمايتها بشكل استراتيجي دائم في مقابل تمكين الجماعة من حكم مصر وتم تحديد السيدة (أن دي بارل نانس) نائب موظفي البيت الأبيض لتكون المسئولة عن ترتيب اللقاءات بين الإدارة الأمريكية والإخوان وترتيب المواعيد والبروتوكول ولقد شنت المنظمات اليهودية هجوما علي إسناد ملف العلاقة مع الإخوان إلي جون كارسون وعلقوا علي الأمر بان أمريكا تريد أمركة الإخوان ، وتم ضم جون فافيرو إلي الأسماء السابقة في متابعة ملف العلاقات مع الجماعة وهو الشاب الذي قام بكتابة جميع خطابات اوباما السياسية في أيام الثورة المصرية كما تم تكليف مكتب البيت الأبيض لشراكات الأديان بالانضمام إلي المجموعة السابقة لتولي ملف العلاقة مع الجماعة، الجماعة بذلك وضعت نفسها في حضن الشيطان وتناست تاريخ أمريكا في أفغانستان والعراق مما جعل المحامي ممدوح إسماعيل وأحد أبناء التيار الديني يوجه كلمة للإخوان يحدد فيها مخاوفه من جلوس الجماعة مع الأمريكان، ومن الجدير بالذكر إن الولايات المتحدة منذ أيام الثورة المصرية تحاول إن تكون في دائرة الضوء السياسية وقد وجدت أمريكا ضالتها في الإخوان وذلك بهدف فتح الأبواب المغلقة في الشرق الأوسط. علاقات متميزة سهلت كل شئ الآن حتى إن خرج عصام العريان الوجه ألإخواني المقبول أمريكيا وصرح بأنه لامساس بقانون الخمور في مصر ولا مساس بالسياحة وهو بذلك يبعث رسالة غرامية جديدة إلي أمريكا والغرب. عد وصولهم للحكم الذي يسعون إليه منذ أكثر من 80 سنة, خاصة إزاء ملفات حقوق المرأة, والأقليات, والعلاقة مع إسرائيل, ومصالح أخري كثيرة.
أن: المحك الرئيسي والشيء الفارق بالنسبة لأمريكا هو مدي قبول الطرف الأخر بالمشروع الأمريكي من عدمه, فهذا هو المهم لها دون أي نظر عن من سينفذ هذا المشروع سواء كان إسلاميا أو شيوعيا أو لا ملة له. تعاون الأمريكان مع محمد ضياء الحق في باكستان, رغم أنه أول شخص تحدث عن تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان, إلا أن علاقتها به كانت حميمة للغاية, وكذلك فقد تعاونت مع المجاهدين في أفغانستان خلال حربهم علي الاتحاد السوفيتي وقتها, وتتعامل الآن بحميمة أيضًا مع السعودية, لأنه ببساطة لا يوجد لدي مشكلة في التعامل مع الشيطان الذي يضمن لها الحفاظ علي مصالحها وتحقيق أهدافها ومشروعها في المنطقة. أن: أمريكا سوف تتواصل في وقت لاحق مع حزب النور السلفي رغم نظرة بعض دوائرها له أنه أكثر تشددًا من جماعة الإخوان المسلمين, لأنها تعلب مع جميع الأطراف.
أن هنالك قلة قليلة تفكر في النهضة ، وكثرة تكاد تعيش ما بين اليأس والانبهار، كثرة من المفكرين والكتاب بل حتى العامة يصف حين يريد التشخيص مظاهر لم تعد بحاجة لفراسة لتعرف ولا هي مخفية ليستدل عليها، بيد أن المسألة ليست في مناقشة المظاهر هذه بل في أسباب أدت لمسيرة عبر التاريخ لتقود إلى ما نحن عليه من منظومة تني التخلف وتلقي بظلالها وضلالها على حركات ومشاريع تحمل الأمل وبصيص النور إلى سعة ورحابة النهضة، وليست النهضة التي اعنيها اللحاق بالغرب أو التطور المدني فما ينتج في الجانب المدني أينما كان إنما هو إنتاج الإنسان في هذه الكرة الأرضية فلا حدود إدارية ممكن أن تحدد الجهد البشري، غير أني اعني في ذلك الجانب الحضاري الفكري المنحدر حتى التلاشي عندنا وغيابه في الغرب ، ومن ناحية أخرى عجز الأمة التي نوصف بها وفق التمايز العرفي للبشر عن المشاركة في الفاعلية البشرية بشكل هادف وملحوظ، سواء في الجانب المدني أو الحضاري الفكري، فأضحت أمة هدف لتضخم الفاعلية الغريزية عند البشر بشكل راحت تقود العقل والمعطيات لتحيلها وبالا على البشرية بمنطق الفرض والقوة.ويتداعى أنصار الثورة من كافة القوى إلى تنبه خطورة المرحلة الحالية وتتزايد المناشدات أوساط النخبة إلى الاحتشاد لمواجهة الصراع الحقيقي بين الثورة وخصومها,
قيادات الجماعة وحزبها "الحرية والعدالة" التقوا في أعقاب الثورة التي فتحت باب مصر علي مصراعيه لجماعة ظلت محظورة لعشرات السنين بعض من كبار رموز الإدارة الأمريكية, والذين لم يكن أولهم ولن يكون آخرهم "وليام بيرنز" مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية الذي سارع بتقديم التهنئة لرئيس حزب "الإخوان" "د/ محمد مرسي" كما أعلن الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأميركية "بيرنز" لـ الرجل الأول في حزب الإخوان "مرسي" أن بلاده علي استعداد لدعم مصر اقتصاديا لتجاوز الأزمة الراهنة, وأن زيارته تهدف في الأساس إلي الاطلاع على وجهة نظر "الإخوان" فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية والمشهد السياسي بشكل عام في مصر وفي المنطقة
إلا أن محاولة إدارة أوباما توثيق علاقاتها مع الإخوان المسلمين قد يدفع بحملة جديدة من الهجوم عليه من قبل الحزب الجمهوري الذي يتهم أوباما بتوثيق العلاقات مع "الإخوان", في محاولة منه هو الأخر للحفاظ السلطة, كي تستمر مصر حليفة لهم كما كانت أو أقل قليلا. يذكر أن هناك تقريرًا صدر عن "معهد بروكنجز" يوصى "أوباما" باستمرار الحوار مع الإخوان لمنع الجماعات السلفية من بسط سيطرتها على الحياة السياسية, لأن هذا سيتيح للولايات المتحدة فرض بعض من نفوذها على الإستراتيجيات التي يتبعونها, وخاصة ما يتعلق بالسعي للوصول للسلطة, كما أنه يمكن توظيف النشاط ألإخواني السياسي والدعوي في بعض البلدان الأوروبية لصالح تنمية وتأييد سياسات أمريكا بالمنطقة وإزاء بعض القضايا الدولية. واقترح التقرير أن تسمح أمريكا بتمدد النفوذ ألإخواني في مصر وخارجها من خلال أن تكون هناك تسهيلات سياسية ودعوية له بأنحاء العالم, بالإضافة لفتح أكثر من مركز خدمي ودعائي للجماعة بأمريكا, ودون ممارسة أية ضغوط عليها, وأن تقدم الولايات المتحدة دعمًا ماليًا للجماعة بجملة مساعدات ضخمة "لحزب الحرية والعدالة", حتى يتم تنفيذ أجندة أمريكية واضحة المعالم بمجلس الشعب القادم, وكذلك عند إعلانها لمرشحها الرئاسي, أو تزكيتها لمرشح بعينه ترضى عنه الإدارة الأمريكية. ومن اللافت أن هذا الطرح ينسجم بشكل أو بآخر مع ما انتهى إليه تقرير الحريات الدينية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية منذ فترة, والذي أعتبر جماعة الإخوان المسلمين (أقلية دينية تتعرض للتمييز والاضطهاد الديني في مصر), وهذا التقرير قوبل بترحيب واسع من جانب الإخوان. وتتضح خطورة تحول موقف الإدارة الأمريكية إزاء الإخوان - وفق التصور السابق لتقرير الحريات الدينية - عند مقارنته بتقرير سابق صادر عن الخارجية الروسية يضع (جماعة الإخوان المسلمين) على رأس المنظمات الدولية الراعية للإرهاب في العالم!. وأوجه التفاهم بين الطرفين الأمريكي والإخواني قائمة على أكثر من مجال, فموقف جماعة الإخوان من القضية الاجتماعية والطبقية –ولا يمثل الموقف ألإخواني من الصراع "العربي – الإسرائيلي" عائقا ً أمام تطور علاقة الجماعة بالإدارة الأمريكية, فقيادات الإخوان أعلنوا أكثر من مرة أنه لا تراجع عن معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل, الأمر الذي يعكس تغيرًا في الخطاب ألإخواني التقليدي اتجاه إسرائيل, ويعد اعترافًا ضمنيًا بوجودها كدولة جوار. كما أن الجماعة تناور بشأن موضوع الدولة المدنية وولاية المرأة والأقباط, مع إظهار مزيد من المرونة نحو هذه الأفكار, وبما يسهم في تحسين صورتها لدى الجانب الأمريكي, لاسيما أنها تسعى منذ فترة لتكريس الهوة مع "الإسلام الراديكالي". ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا تعتد كثيرًا بمواقف "أقباط المهجر" بشأن تنمية العلاقات مع الإخوان, وأثبتت السوابق ضعف الكتلة القبطية بالولايات المتحدة وهشاشتها "كجماعة ضغط" مؤثرة على مقررات السياسة الأمريكية تجاه مصر. ومن جانبنا نفتح من جديد الملف المثير للجدل العلاقات بين الإخوان وأمريكا علي خلفية التطورات الأخيرة, خاصة بعد زيارة السفيرة الأمريكية "آن باترسون" لمرشد الإخوان د/ محمد بديع بمقر المركز العام للإخوان مؤخرًا حول ما إذا ما أصبحت علاقتهم حميمة مثلما كانت مع النظام البائد, أم فاترة ومضطربة, أم سيكون بها شد وجذب من الطرفين, ومن سيقدم التنازلات الأكثر لصالح الآخر؟. وأشار إلي أن: عودة العلاقات الأمريكية الوطيدة مع الإخوان حديثا كانت خلال الفترة التي روّج فيها سيناريو الفوضى الخلاقة, فأمريكا – كانت ولازالت - تطمح في تكرار النموذج التركي في البلدان العربية, لكن النموذج التركي لا يمكن بأي حال من الأحوال تكراره في مصر لأسباب بسيطة أهمها أن الجيش المصري ليس علمانيا علي خلاف الجيش التركي, كما أن جماعة الإخوان ليسوا معتدلين مثل رجب طيب أردوغان الذي يعتدل رغم أنفه لمحاولته كسب ود الأوروبيين للانضمام لعضوية اتحادهم. فضلا عن أن "الإخوان" لا يسعون للانضمام للاتحاد الأوروبي, بل علي العكس يهتمون كثيرا بحديقتهم الخلفية الخاصة بهم وهي حركة حماس المتشددة, وبالتالي فسوف يكون "الإخوان" أقل قدرة عن التحدث عن الديمقراطية. لكن بالرغم من ذلك, فهناك اتجاها عاما لدي الولايات المتحدة يسعي نحو محاولة تشكيل نموذج يشبه تركيا التي توصف حكومتها بالمعتدلة التي يمكنها التصدي لإيران وحزب الله والشيعة عامة, وهو ما يعزز من فرص وصول الإخوان إلي سدة الحكم وسيطرتهم عليه
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق