Ads

النظام السوري تاريخ إجرامي متأصل!

بقلم: داود البصري

لنظام القتلة في الشام تاريخ طويل وعريق ومكثف في الجريمة السلطوية المنظمة , وفي إرهاب الشعب , وقتل وملاحقة الأبرياء والأحرار والتفنن في صنوف القمع والإهانة والتعذيب وفرض القوانين القراقوشية , وسيرة النظام البعثي الطلاء الإرهابي العقيدة , الباطني التوجه تؤرخ لأحد أشد وأحقر الأنظمة القمعية في العالم والذي للأسف صمت العالم عن جرائمه الشنيعة لعقود طويلة بل أن البعض قد بارك تلك الجرائم واعتبرها دليلاً على هوية النظام التقدمية!! والحضارية !! وتأكيدا وتأصيلا لسياسة الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي!! وجميعها شعارات مفلسة وغبية انتهى زمنها وكسدت سلعتها , وقد تساءل البعض أخيراً ومنهم الكاتب والنائب الكويتي الحالي السيد نبيل الفضل عن سر صمت العالم عن جرائم النظام السوري التي ارتكبها في مجزرة مدينة حماة عام 1982 والتي سقط ضحيتها عشرات الآلاف من السوريين في ظل صمت دولي شامل ومريع وتسليطه الأضواء على الجرائم التي يقترفها النظام نفسه وبالتركيبة والمنهج والعقيدة والتوجه نفسه منذ عام كامل بعد اندلاع الثورة الشعبية السورية الكبرى في الخامس عشر من مارس عام 2011 وحتى اليوم ? و أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال الإشكالي بسيط للغاية وواضح جدا لمن يتابع التطورات الدولية والإقليمية والمتغيرات الكبرى في العالم وتغير الخارطة السياسية في العالم العربي اعتبارا من عام 2001 والتي شهدت انقلاب السياسة الأميركية على حلفائها الديكتاتوريين السابقين وإنهائها لنظام البعث العراقي بطريقة الاحتلال العسكري المباشر بعد عقد ونيف من الحصار الدولي القاسي الذي أتبع جريمة غزو الكويت عام 1990 وماجره من ويلات و متغيرات إقليمية ودولية عديدة كان أهمها تبلور ماسمي حينها النظام الدولي الجديد وإنفراد القطب الأميركي بقيادة العالم وتوجيه مسارات الأحداث , ولو عدنا بالذاكرة إلى العام 1982 وهو زمن المجزرة الأسدية في مدينة حماة المجاهدة فإننا سنكتشف أن حرب النظام السوري ضد المعارضة وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا وقتذاك يقودون التحرك العسكري الميداني كان قد شهد خطا تصاعديا اعتبارا من عام 1978 وهو تصاعد كان مستمراً منذ أحداث عام 1964ضد حكم نظام البعث أيام الرئيس أمين الحافظ ومجموعته ثم شهد الواقع السوري حينذاك صداما دمويا رهيبا بين صفوف الجماعة الحاكمة عبر عن نفسه دمويا بانقلاب 23 فبراير 1966 الذي قادته اللجنة العسكرية العلوية ضد قيادة البعث القومية , ثم تبلور الصراع الحاد بين أفراد اللجنة العسكرية ذاتها وحيث بدأت حرب الإرهاب السلطوي على محورين , المحور الشعبي من خلال تسلط رئيس جهاز الأمن القومي العقيد عبد الكريم الجندي على الحركة السياسية السورية وتوسيع سياسة المعتقلات والمقابر التي تقع تحتها سجون رهيبة مثل سجن مقبرة الشيخ حسن في دمشق ? ومحور الصراع الداخلي السلطوي الذي حسمه تيار وزير الدفاع وقتذاك حافظ الأسد بقتل العقيد الجندي ومن ثم السيطرة على السلطة المطلقة من خلال انقلاب داخلي ضد صلاح جديد ونور الدين الأتاسي وبداية الحقبة الثالثة من النظام البعثي الذي تحول لحكم عائلي صرف للعائلة الأسدية اعتبارا من عام 1971 بعد التحلل من كل الاعتبارات الحزبية والدستورية الواهية , وقتذاك تم حسم الصراع البعثي/ البعثي رغم المناوشات المستمرة مع نظام البعث العراقي الذي آوى جماعة أمين الحافظ وبقايا البعث العفلقي ( القيادة القومية ) , عندها دخل الصراع في سورية منطلقا جديدا مع اندلاع حرب أكتوبر 1973 والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أتبعتها وفرضت تغييرات شاملة على الواقع الاجتماعي و السياسي السوري , وحيث جاءت مرحلة نهاية السبعينات من القرن الماضي لتفرز واقعا سوريا جديدا تميز بهيمنة سلطوية للعائلة الأسدية وفق نظام عسكري محض تحول فيه الجيش السوري ليكون ميليشيا تابعة للنظام وليس الوطن , و تناسلت فيه أجهزة وفروع المخابرات تناسلا مفزعا حبس أنفاس السوريين وأطبق على صدورهم ومع فشل تجربة ميثاق العمل القومي والوحدة مع العراق عام 1979 بعد إزاحة تيار الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر وهيمنة تيار صدام حسين على السلطة في بغداد , انكفأ النظام السوري لمحاربة تجدد نمو خلايا الإخوان المسلمين الذين خاضوا صراعا دمويا قاسيا لم تكن الأحزاب اليسارية أو القومية السورية غائبة عن مفرداته ,فقائمة القمع السلطوي ومقابر وسجون النظام تتسع للجميع, وتصاعدت المعركة الداخلية في ظل واقع دولي كان متسما بازدياد حالة الحرب الباردة والصراع الغربي / السوفيتي على مناطق النفوذ في العالم الثالث وخصوصا بعد سقوط عرش الطاووس البهلوي في طهران وظهور الظاهرة الخمينية التي عمت المشرق بأسره ثم التورط العسكري السوفيتي في قفار أفغانستان وحالة الاستنزاف المرهقة التي عانى منها السوفيات هناك دعما لنظام وانقلاب شيوعي في كابول لم يتمكن من الصمود من دون الدعم العسكري السوفيتي المباشر أواخر عام 1978 والذي كان له نتائجه المباشرة والرهيبة فيما بعد على السلام العالمي بأسره , وفي ظل تلك الظروف السياسية والإستراتيجية المعقدة انفجر الصراع العراقي / الإيراني المستمر تاريخيا في حرب قاسية طويلة قدر لها أن توصف بكونها “الحرب المنسية” والتي استمرت زمنا قياسيا ( 1980 /1988 ) وبكلفة بشرية واقتصادية مرعبة ولكنها كانت في النهاية إحدى وجوه التعبير عن حالة الاستقطاب والمنافسة الدولية الشرسة على الشرق الأوسط , لقد خاض العراق وإيران في أوحال تلك الحرب المجنونة تحت رايات وشعارات مختلفة , فمن الجهة الإيرانية كانت الحرب دفاعا عن الثورة الإسلامية , ومن الجهة العراقية كانت تلك الحرب دفاعا عن البوابة الشرقية للعالم العربي ومنع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية والتي وجدت استجابة لشعاراتها في الشارع العراقي من خلال النشاط العسكري والتنظيمي لحزب الدعوة الإسلامية الذي يبشر بالطروحات الإيرانية نفسها! وكان موقف نظام البعث السوري غريبا ومثيرا للتأمل ! فهو في الوقت الذي يرفع فيه شعار البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية ويتمنطق بمنطق الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة! فإنه لم ير بأسا ولا حرجا من مناصرته للجهد العسكري والسياسي الإيراني ضد رفاق العقيدة في العراق!! بل أن النظام السوري ذهب بعيدا في دعم الإيرانيين من خلال المستشارين العسكريين السوريين ودعم المعارضة الدينية الشيعية العراقية ك¯ “الدعوة” وشركاه ما أدى بالنظام العراقي لتقديم الدعم المباشر لجماعة الإخوان المسلمين ولجماعة التحالف الوطني لتحرير سورية وهم من بقايا البعث العفلقي السوري القديم من أتباع أمين الحافظ! وكانت صورة التشابكات السياسية والأمنية والعسكرية مرعبة ومتداخلة بالكامل , ففي العراق شن البعثيون حرب إبادة شاملة ضد حزب “الدعوة” , وفي الشام فعل البعث السوري الشيء نفسه ضد الإخوان المسلمين ومارس حرب الإبادة والاستئصال وكما فعل نظام صدام حسين مع أهالي مدينة الدجيل العراقية بعد تعرضه هناك لمحاولة اغتيال عام 1982 فأباد مئات من المواطنين هناك , كانت معركة النظام البعثي الأسدي السوري في مدينة حماة بمثابة عملية كسر ظهر للإخوان المسلمين فأباد النظام عشرات الآلاف الذين لم تستطع المساجد حمايتهم من بطش النظام عبر عقيدته العسكرية والأمنية المستمرة نفسها اليوم في العقاب الجماعي للمدن الثائرة , وطبعا جرى كل ماجرى بالسلاح السوفيتي سواء في العراق أو الشام , كما كانت الإدارة الأميركية وقتذاك وأيام الرئيس رونالد ريغان تغازل نظامي البعث في بغداد ودمشق وتصم الآذان وتغلق العيون بالكامل عن جرائم النظامين البعثيين في ظل نزوع الإدارة الأميركية آنذاك لكسب خيار حرب النجوم الإستراتيجي! دمر نظام البعث السوري حماة وقتل الآلاف من دون أن يرف له جفن أو يتعرض لملاحقة قانونية دولية بسبب عدم وجود التواصل الإعلامي القوي والفاعل كما هو اليوم بسبب الثورة المعلوماتية الهائلة والإنترنت وشبكات التواصل والحوار و المعلومات , أما العالم العربي فقد كان وقتها مشغولا برياح وتطورات الحرب العراقية/ الإيرانية واندلاع الإرهاب بشكل جديد عبر العمليات الانتحارية التي ظهرت في لبنان وطبقت في الكويت أواخر عام 1983 ووقوف النظام الإيراني خلفها مشفوعا بتسهيلات لوجستية من المخابرات السورية.. وتلك قصة أخرى ومختلفة بالكامل , جرائم النظام السوري هي نفسها لم تتغير , وما تغير فعلا هو المواقف الدولية التي ماعادت أبدا تسمح بأن يكرر النظام السوري سيناريوهات الماضي الدموية المرعبة , ولكن رغما عن كل المتغيرات لايزال نظام دمشق سادرا في غيه ومستمرا في سياسته القديمة لسبب واحد ووحيد لكونه يعلم أن المواجهة الحالية هي المواجهة الأخيرة ! وبإن إفلاته من العقاب لن يتم هذه المرة , وإن معركته المصيرية قد حددها الشعب السوري الحر الثائر بدمائه وهو الرمي في مزبلة التاريخ.. وتلك عاقبة القتلة والمجرمين.

0 تعليقات:

إرسال تعليق