Ads

** مجلس النواب ** [ الاستحقاق الأخير ]


بقلم هيام محى الدين
حددت خارطة الطريق التي توافقت عليها القوى الشعبية والسياسية والمجتمعية في الثالث من يوليو 2013 ثلاثة استحقاقات لوضع أساس لنظام ديمقراطي يواكب أعلى النظم الديمقراطية المعاصرة ؛ ويعطي لمصر مكانتها المستحقة في إقليمها والعالم وهي وضع دستور يكفل للمواطن المصري أعلى مستوى من الحقوق وأوسع مساحة من الواجبات نحو الوطن والمجتمع ؛ ويحد من تغول سلطة منفردة ؛ ثم انتخاب رئيس للجمهورية في انتخابات حرة نزيهة شفافة وأخيراً انتخاب مجلس للنواب يمارس السلطة التشريعية وسن القوانين التي تنفذ وتحقق نصوص ومواد الدستور ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية وممارستها.
ونظرا للتجارب المريرة التي مرت بها مصر في العقود الأربعة المنصرمة والتي تمثلت بصورة رئيسية في طغيان السلطة التنفيذية وتدخلها في أعمال وواجبات بقية السلطات بصورة فجة أفرغت نصوص الدساتير السابقة من مضمونها ؛ ثم جاء مؤخراً الدستور المعيب الذي وضعته جماعات التأسلم السياسي ليكرس لدولة دينية ثيوقراطية تفرق بين أبناء الوطن على أسس عقائدية ومذهبية وتهدر حقوق كل من يختلف معها ؛ فقد بالغت لجنة الخمسين التي قامت بوضع الدستور في وضع الضمانات الدستورية التي تمنع تجاوز أي من السلطات الثلاث للخطوط المحددة لها فوضعت نصوصاً ملزمة بصورة محددة لاستقلال القضاء وأخضعت السلطة التنفيذية للرقابة البرلمانية بشكل شامل بحيث لا يكون هناك منصب تنفيذي مهما علا خارجاً عن الرقابة والمساءلة البرلمانية كما كان في الدساتير السابقة ؛ كما وضع الدستور مجموعة من المواد في مختلف أبوابه تتطلب إصدار قوانين مكملة للدستور ومنفذة لمواده ومنشئة لمؤسسات وهيئات مستقلة جديدة تؤدي عملها دون تبعية لأي سلطة غير نصوص القانون وأحكام القضاء وهي مهمة صعبة وتتطلب برلماناً شديد الوعي شامل الثقافة أصيل الوطنية تتغلب فيه مصلحة الأمة وتقدم الوطن على الأيدلوجيات السياسية والرؤى الحزبية والمصالح الشخصية والفئوية ؛ ومن هنا كان من الضروري وضع قانون انتخابات جديد وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بصورة تراعي كثافة السكان وجغرافية المكان معا ؛ وقد أثار قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر جدلاً سياسياً ومجتمعياً واسعاً وعارضته كثير من الأحزاب والتكتلات السياسية حيث تم تهميش القوائم الحزبية في 20% فقط من المقاعد 120 مقعداً على أربعة دوائر فقط 2 × 45 ، 2 × 15 بينما أعطى للانتخابات الفردية 80% من المقاعد 480 مقعداً مقسمة 232 دائرة بعضها لمقعد واحد وبعضها لمقعدين وبعضها لثلاثة مقاعد مما أنشا نظاماً شديد التعقيد من الناحية التنظيمية والقانونية خاصة في القوائم التي تشمل كل واحدة منها عددا كبيرا من المحافظات ، وكذلك ظهرت بعض المشكلات في الدوائر الفردية خاصة ذات المقعد الواحد والتي ستكون المنافسة فيها شديدة الصعوبة ومن هذا المنطلق سيكون على البرلمان القادم أن يضع قانوناً جديداً لانتخابات النواب يراعي فيه مدى القدرات والشعبية التي حققتها الأحزاب والتكتلات السياسية ليتيح لها مساحة أوسع للقوائم في الانتخابات التالية بحيث تعالج بشكل موضوعي ما يؤخذ على القانون الحالي من ملاحظات ؛ ومن كل ما سبق يتضح أن مجلس النواب القادم سيكون مجلسا تشريعياً في المقام الأول ؛ فقد ألزمه الدستور بمراجعة كل ما صدر من قوانين في غيبته وإقرارها أو إلغائها خلال الأسبوعين الأولين من انعقاده واكتمال تشكيله اللائحي ؛ كما أن القوانين التكميلية والتنفيذية لمواد الدستور ينبغي أن يتم الانتهاء منها وإصدارها قبل نهاية الدورة البرلمانية الأولى للمجلس لتستقر المؤسسات والهيئات التي أنشأها الدستور الجديد وتمارس عملها ؛ نعم إن هذه الواجبات التشريعية الكثيفة سوف تؤثر بالقطع على الدور الرقابي للمجلس ؛ ولكني أرى أـن ذلك لن يكون مؤثراً بصورة كبيرة حيث تحول نصوص الدستور دون انفراد السلطة التنفيذية أو تجاوزها للخطوط المرسومة لممارستها ؛ كما يتمتع رئيس الجمهورية بثقة واسعة وتأييد كبير من مختلف فئات الشعب بحيث يستطيع مجلس النواب إعطاء المساحة الزمنية المطلوبة لهذه الكثافة التشريعية ؛ ويحد من سلوكيات هواة تسقط الأخطاء وتلميع الذات ؛ ويفسح المجال أمام القدرات التشريعية والمناقشات الجادة لمشروعات القوانين المطلوبة.
ولذلك فإن شعبنا الواعي العريق ينبغي أن يضع نصب عينيه وهو يعطي صوته للمرشحين لمجلس النواب أنهم سيمارسون دوراً تشريعياً أكثر من أي مجلس سابق ؛ ويختارهم على هذا الأساس فالنائب القادم ليس نائب خدمات فئوية أو محددة لدائرة انتخابية ؛ وإنما هو نائب تشريع في المقام الأول عليه أن يضع الأساس التشريعي لعقود قادمة ؛ وأن يسن القوانين التي تتطلبها المرحلة القادمة والإصلاحات الضرورية للبنية المجتمعية وعلاج سلبياتها فبعد القوانين المكملة والمنفذة لنصوص الدستور عليه أن يهتم بإلغاء المعوقات القانونية التي تكبل المبادرات الإصلاحية والتنموية في الاقتصاد والتعليم والبحث العلمي والصحة والزراعة والصناعة ؛ وأن يسن التشريعيات التي تقضي على البطالة والجريمة ؛ وتحد من زيادة نسبة الفقر  وتراعى عدالة توزيع الدخل القومي.
إنها مهمة تشريعية كثيفة وصعبة وتتطلب مجلسا يتمتع أعضاؤه بالوطنية الصادقة والثقافة والمعرفة والرؤية الواسعة ؛ كما تتطلب أن يكون لكل نائب في دائرته مكتب متكامل يعاونه في ممارسته واجبه البرلماني من المتخصصين في القانون والأمن والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والثقافة متطوعين لخدمة أهل الدائرة والوطن وشرح وبيان ما يعرض للنائب من ممارستها برلمانية وتقديم المشورة المتخصصة له لكي يمارس دوره على أساس علمي ومعرفي سليم ؛ وعلينا أن نختار النائب المؤمن بالاستفادة من خبرات أهل دائرته كل في تخصصه والاستعانة بهذه الخبرات في أداء دوره البرلماني بتواضع العالم وعاطفة الوطني العاشق لهذا البلد العظيم ؛ أعلم أن الاختيار صعب ؛ والصوت أمانة فعلينــا أن نــــؤدي هـــــذه الأمانــــة لوجـه الله والوطن لا لوجه العصبية العائلية أو المكانية أو العقائدية والمذهبية وأن يكون رائدنا في الاختيار هو الأصلح لأداء الدور البرلماني الذي تفرضه المرحلة الراهنة.
وأنا واثقة أن شعبنا العريق قد تعلم من تجارب السنين ؛ وسوف يحسن اختيار نوابه من خلال وعيه بالدور الملقى على عاتقهم لتستعيد مصر دورها الرائد في صناعة الحضارة وتقدم الإنسانية.

                          هيام محي الدين

0 تعليقات:

إرسال تعليق