الدكتور عادل عامر
أنه بمراجعة دستور 2012، تم التوصية بحظر قيام أحزاب على أساس ديني، وأن تمارس الأحزاب الموجودة حالياً السياسة بحرية كاملة، طالما أنها لا تفرق بين المواطنين في الجنس أو الدين.لان الأساس الديني هو إدخال الدين في الصراع السياسي، ما يؤدي للمساس بقدسية الدين، إذ إن الدين "يقين"، بعكس السياسة فليس لها يقين دوماً، ولذلك فمن المهم عدم إقحام الدين في السياسة داخل المجتمع، والابتعاد به عن الصراع السياسي. أن اتخاذ حزب لمرجعية دينية، كأن تكون مرجعيته إسلامية، فهذا مباح. أنه فور صدور الدستور المُعَدَّل، يتعين على الأحزاب توفيق أوضاعها حسب النص الدستوري، فإن لم تفعل، سيتم حلها. كما أنه إذا ثبت أن أي حزب يمارس السياسة على أساس ديني، وأقيمت ضده دعوى قضائية من مواطنين عاديين (أصحاب المصلحة الوطنية)، فإن القضاء يحكم بحل الحزب فوراً.
إن "الأساس الديني" هو أن الحزب يضع في برنامجه الجنس أو الدين أو العقيدة أساساً لمنهجه وسياساته داخل المجتمع، وبذلك فهو يُميز في الحقوق والواجبات تبعا لجنس أو ديانة أو لغة المواطن. أما "المرجعية الإسلامية فهي تعني أن يمارس الحزب السياسة، لكنه لا يفرق بين أفراد المجتمع في حقوقهم بل يعتبرهم متساوين أمام القانون، ويعترف بذلك ضمن برامجه.
أن حظر قيام الأحزاب على أساس ديني يتفق تماماً مع حق المواطنة، بألا يتم التفرقة بين المواطنين على أساس الديانة، إذ إن "المواطنين أمام القانون سواء".فان بتجربة الإخوان المسلمين في الحكم، حيث تم استخدام الشعارات الدينية كمدخل لممارسة السياسة، رغم أن الحزب - نظريا- ليس على أساس ديني، وصار كل من يخالفهم، هو كاره للإسلام وكافر، أي أنهم أضفوا "القدسية" على الأداء البشري في مجال "السياسة" التي تحكمها المصلحة. "مصر دولة مدنية بها حوالي 10% من السكان، لا يدينون بالإسلام، ولابد لهم من ضمانات لحقوقهم، وأي حزب على أساس ديني ينتهك حقوق هذه النسبة من المصريين، لدرجة أنه خلال فترة حكم الإخوان، طالبت أحزاب قائمة علي أساس ديني، بإلزام غير المسلمين بدفع الجزية".
إن السياسة بعيدة كل البعد عن الدين، والمصلحة العليا للبلاد لا تستبعد الإسلام كما يروج البعض. ، لأن الأحوال تبدلت، والرؤى الاقتصادية والتكنولوجية تطورت، فلابد من قراءة الواقع المجتمعي الجديد من قبل علماء متخصصين من كل طائفة ودين وليس قراءة خاصة ممن يرون في أنفسهم أنهم الأفضل والأكثر فهماً والأعرف يشرع الله وشريعته..
. لم يحظى مفهوم الحزب الديني بالاهتمام الكافي إعلاميا من قِبل التيار الإسلامي لبيان مضمونه الصحيح، بعيدا عن التزييف العلماني المعتمد على سطوة الصوت العالي، نظرا لاحتكاره أغلبية المنافذ الإعلامية والثقافية العامة والخاصة، واحترافه فن مخاطبة الجماهير، ولهذا تيسر له تكييف المعاني والمصطلحات على النحو الذي يخدم توجهه وتوجه السلطة المستبدة المتحالف معها، والتي تتبنى ذات التوجه بصورة أو بأخرى.
فمفهوم الحزب الديني المُروج لمضمونه الفاشي والعنصري في الأوساط السياسية والثقافية المصرية لاينطبق على أحزاب التيار الاسلامى بصفة عامة، أو بعبارة أخرى فان مفهوم الحزب الديني القائم على أساس التفرقة بين مواطنين الدولة الواحدة بسبب الدين، في الحقوق والواجبات العامة، لايتطابق مع النظرية العامة لفكرة الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية، الذي تستند خططه وبرامجه إلى الدين الاسلامى في شقه التشريعي.
وهذا المعنى تضمنه الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011م، الذي نص صراحة على المضمون الدستوري الصحيح للحزب الديني الممنوع قيامه دستوريا، حين نص على منع قيام الأحزاب على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجهة، وبطبيعة استمر هذا المعنى في دستور 2012م،و تعديلاته 2014 ومن خلال هذا المضمون الدستوري للحزب الديني، عملت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تحت مظلة الدستور والقانون.
وعلى العكس من ذلك، كانت المادة الرابعة من دستور 1971م تحظر قيام الحزب الديني بنص مبهم يحمل في طياته هوية الحكم العلماني للسلطة، التي تدعي عدم خلط الدين بالسياسة أو العكس، على الرغم من استخدامها الفاضح للدين حسب الحاجة، فقد كانت المادة المذكورة، تنص على حظر قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، أو مرجعية دينية ، ومن الناحية النظرية المجرّدة، يتضح بجلاء عند تأمل الفارق بين الحزب الديني بالمعنى الفاشي والعنصري، وبين الحزب الإسلامي المدني بطبيعته، مدى التجنّي العلماني الذي يحاول أن يلزم غيره بما يرفضه، خاصة إذا كان الدين الاسلامى بطبيعته المزدوجة كعقيدة وشريعة ومما سبق يتضح أن الحزب الديني بالمفهوم الدستوري الصحيح هو ذلك الحزب الذي لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد من زاوية الانتماء الديني في خطته السياسية ولا في نظرته إلى كافة المواطنين ولا في شروط الانضمام إليه .
أما القول بان الحزب الديني هو الحزب الذي يستند في سياساته وخططه إلى الدين كمرجعيه فهو فهم وتكييف علماني لايلزم من لا يعترف بالعلمانية. وأما القول بأن السماح بقيام أحزاب سياسية على مرجعية دينية إسلامية سيؤدى عمليا إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين، مما قد يثير الفتنة التي تبرر منع قيام مثل هذه الأحزاب وان كانت دستورية وقانونية ومتماشية مع طبيعة الدين الذي يتخذه أتباعه ومؤيديه من غير الأتباع مرجعية سياسية أو حضارية بحسب الأحوال لهم.
خاصة إذا أراد أتباع الدين الآخر تأسيس حزب سياسي يخصهم، فما هو إلا ادعاء علماني واهي وطائفي أيضا، لأن الحزب الإسلامي لن يكون كالحزب المسيحي، الذي إذا تم تأسيسه فلن يستساغ عقلا الانضمام إليه من غير مسيحي، لأنه سيكون حزبا دينيا من ناحية العقيدة وعلمانيا من ناحية السياسة والتشريع والتخطيط ، لعدم وجود شريعة يستند إليها.
على العكس، كانت المادة الرابعة من دستور 1971 تحظر قيام الحزب الديني بنص مبهم يحمل، في طياته، هوية الحكم العلماني للسلطة التي تدعي عدم خلط الدين بالسياسة أو العكس، على الرغم من أن استخدامها الدين يكون حسب الحاجة، فقد كانت المادة المذكورة تنص على حظر قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، من دون توضيح معنى عبارة الأساس الديني الذي تقصده، وتضيف إلى ذلك حظر قيام الأحزاب التي تستند إلى أي مرجعية دينية، في خلط فاضح بين طبيعة الأديان المختلفة، السماوية، بطبيعة الحال. ولا شك في أن مضمون النصوص الدستورية التي تناولت مفهوم الحزب الديني، اختلفت لأسباب سياسية، فالنص العلماني لمفهوم الحزب الديني في دستور 1971 ا، كان موجهاً لمنع قيام الأحزاب الإسلامية قانوناً، والنص الموضوعي الذي تناول مفهوم الحزب الديني في إعلان 30 مارس/آذار 2011، ومن بعده دستور 2012، وضع التيار الإسلامي في صدارة المشهد السياسي في مصر، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تستعد في ذلك الوقت لإزاحة دولة العسكر، والحلول محلها، بوصفها كبرى الكيانات الإسلامية والسياسية.
ومن الناحية النظرية المجرّدة، يتضح بجلاء عند تأمل الفرق بين الحزب الديني، بالمعنيين، الفاشي والعنصري، والحزب الإسلامي المدني بطبيعته، مدى التجنّي الذي يحاول أن يلزم غيره بما يرفضه.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
أنه بمراجعة دستور 2012، تم التوصية بحظر قيام أحزاب على أساس ديني، وأن تمارس الأحزاب الموجودة حالياً السياسة بحرية كاملة، طالما أنها لا تفرق بين المواطنين في الجنس أو الدين.لان الأساس الديني هو إدخال الدين في الصراع السياسي، ما يؤدي للمساس بقدسية الدين، إذ إن الدين "يقين"، بعكس السياسة فليس لها يقين دوماً، ولذلك فمن المهم عدم إقحام الدين في السياسة داخل المجتمع، والابتعاد به عن الصراع السياسي. أن اتخاذ حزب لمرجعية دينية، كأن تكون مرجعيته إسلامية، فهذا مباح. أنه فور صدور الدستور المُعَدَّل، يتعين على الأحزاب توفيق أوضاعها حسب النص الدستوري، فإن لم تفعل، سيتم حلها. كما أنه إذا ثبت أن أي حزب يمارس السياسة على أساس ديني، وأقيمت ضده دعوى قضائية من مواطنين عاديين (أصحاب المصلحة الوطنية)، فإن القضاء يحكم بحل الحزب فوراً.
إن "الأساس الديني" هو أن الحزب يضع في برنامجه الجنس أو الدين أو العقيدة أساساً لمنهجه وسياساته داخل المجتمع، وبذلك فهو يُميز في الحقوق والواجبات تبعا لجنس أو ديانة أو لغة المواطن. أما "المرجعية الإسلامية فهي تعني أن يمارس الحزب السياسة، لكنه لا يفرق بين أفراد المجتمع في حقوقهم بل يعتبرهم متساوين أمام القانون، ويعترف بذلك ضمن برامجه.
أن حظر قيام الأحزاب على أساس ديني يتفق تماماً مع حق المواطنة، بألا يتم التفرقة بين المواطنين على أساس الديانة، إذ إن "المواطنين أمام القانون سواء".فان بتجربة الإخوان المسلمين في الحكم، حيث تم استخدام الشعارات الدينية كمدخل لممارسة السياسة، رغم أن الحزب - نظريا- ليس على أساس ديني، وصار كل من يخالفهم، هو كاره للإسلام وكافر، أي أنهم أضفوا "القدسية" على الأداء البشري في مجال "السياسة" التي تحكمها المصلحة. "مصر دولة مدنية بها حوالي 10% من السكان، لا يدينون بالإسلام، ولابد لهم من ضمانات لحقوقهم، وأي حزب على أساس ديني ينتهك حقوق هذه النسبة من المصريين، لدرجة أنه خلال فترة حكم الإخوان، طالبت أحزاب قائمة علي أساس ديني، بإلزام غير المسلمين بدفع الجزية".
إن السياسة بعيدة كل البعد عن الدين، والمصلحة العليا للبلاد لا تستبعد الإسلام كما يروج البعض. ، لأن الأحوال تبدلت، والرؤى الاقتصادية والتكنولوجية تطورت، فلابد من قراءة الواقع المجتمعي الجديد من قبل علماء متخصصين من كل طائفة ودين وليس قراءة خاصة ممن يرون في أنفسهم أنهم الأفضل والأكثر فهماً والأعرف يشرع الله وشريعته..
. لم يحظى مفهوم الحزب الديني بالاهتمام الكافي إعلاميا من قِبل التيار الإسلامي لبيان مضمونه الصحيح، بعيدا عن التزييف العلماني المعتمد على سطوة الصوت العالي، نظرا لاحتكاره أغلبية المنافذ الإعلامية والثقافية العامة والخاصة، واحترافه فن مخاطبة الجماهير، ولهذا تيسر له تكييف المعاني والمصطلحات على النحو الذي يخدم توجهه وتوجه السلطة المستبدة المتحالف معها، والتي تتبنى ذات التوجه بصورة أو بأخرى.
فمفهوم الحزب الديني المُروج لمضمونه الفاشي والعنصري في الأوساط السياسية والثقافية المصرية لاينطبق على أحزاب التيار الاسلامى بصفة عامة، أو بعبارة أخرى فان مفهوم الحزب الديني القائم على أساس التفرقة بين مواطنين الدولة الواحدة بسبب الدين، في الحقوق والواجبات العامة، لايتطابق مع النظرية العامة لفكرة الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية، الذي تستند خططه وبرامجه إلى الدين الاسلامى في شقه التشريعي.
وهذا المعنى تضمنه الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011م، الذي نص صراحة على المضمون الدستوري الصحيح للحزب الديني الممنوع قيامه دستوريا، حين نص على منع قيام الأحزاب على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الجهة، وبطبيعة استمر هذا المعنى في دستور 2012م،و تعديلاته 2014 ومن خلال هذا المضمون الدستوري للحزب الديني، عملت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تحت مظلة الدستور والقانون.
وعلى العكس من ذلك، كانت المادة الرابعة من دستور 1971م تحظر قيام الحزب الديني بنص مبهم يحمل في طياته هوية الحكم العلماني للسلطة، التي تدعي عدم خلط الدين بالسياسة أو العكس، على الرغم من استخدامها الفاضح للدين حسب الحاجة، فقد كانت المادة المذكورة، تنص على حظر قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، أو مرجعية دينية ، ومن الناحية النظرية المجرّدة، يتضح بجلاء عند تأمل الفارق بين الحزب الديني بالمعنى الفاشي والعنصري، وبين الحزب الإسلامي المدني بطبيعته، مدى التجنّي العلماني الذي يحاول أن يلزم غيره بما يرفضه، خاصة إذا كان الدين الاسلامى بطبيعته المزدوجة كعقيدة وشريعة ومما سبق يتضح أن الحزب الديني بالمفهوم الدستوري الصحيح هو ذلك الحزب الذي لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد من زاوية الانتماء الديني في خطته السياسية ولا في نظرته إلى كافة المواطنين ولا في شروط الانضمام إليه .
أما القول بان الحزب الديني هو الحزب الذي يستند في سياساته وخططه إلى الدين كمرجعيه فهو فهم وتكييف علماني لايلزم من لا يعترف بالعلمانية. وأما القول بأن السماح بقيام أحزاب سياسية على مرجعية دينية إسلامية سيؤدى عمليا إلى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أساس الدين، مما قد يثير الفتنة التي تبرر منع قيام مثل هذه الأحزاب وان كانت دستورية وقانونية ومتماشية مع طبيعة الدين الذي يتخذه أتباعه ومؤيديه من غير الأتباع مرجعية سياسية أو حضارية بحسب الأحوال لهم.
خاصة إذا أراد أتباع الدين الآخر تأسيس حزب سياسي يخصهم، فما هو إلا ادعاء علماني واهي وطائفي أيضا، لأن الحزب الإسلامي لن يكون كالحزب المسيحي، الذي إذا تم تأسيسه فلن يستساغ عقلا الانضمام إليه من غير مسيحي، لأنه سيكون حزبا دينيا من ناحية العقيدة وعلمانيا من ناحية السياسة والتشريع والتخطيط ، لعدم وجود شريعة يستند إليها.
على العكس، كانت المادة الرابعة من دستور 1971 تحظر قيام الحزب الديني بنص مبهم يحمل، في طياته، هوية الحكم العلماني للسلطة التي تدعي عدم خلط الدين بالسياسة أو العكس، على الرغم من أن استخدامها الدين يكون حسب الحاجة، فقد كانت المادة المذكورة تنص على حظر قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، من دون توضيح معنى عبارة الأساس الديني الذي تقصده، وتضيف إلى ذلك حظر قيام الأحزاب التي تستند إلى أي مرجعية دينية، في خلط فاضح بين طبيعة الأديان المختلفة، السماوية، بطبيعة الحال. ولا شك في أن مضمون النصوص الدستورية التي تناولت مفهوم الحزب الديني، اختلفت لأسباب سياسية، فالنص العلماني لمفهوم الحزب الديني في دستور 1971 ا، كان موجهاً لمنع قيام الأحزاب الإسلامية قانوناً، والنص الموضوعي الذي تناول مفهوم الحزب الديني في إعلان 30 مارس/آذار 2011، ومن بعده دستور 2012، وضع التيار الإسلامي في صدارة المشهد السياسي في مصر، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تستعد في ذلك الوقت لإزاحة دولة العسكر، والحلول محلها، بوصفها كبرى الكيانات الإسلامية والسياسية.
ومن الناحية النظرية المجرّدة، يتضح بجلاء عند تأمل الفرق بين الحزب الديني، بالمعنيين، الفاشي والعنصري، والحزب الإسلامي المدني بطبيعته، مدى التجنّي الذي يحاول أن يلزم غيره بما يرفضه.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق