Ads

عِجْلُ البراري!

عمر حمَّش


هذا عجلٌ ابنُ عجلٍ، حفيدُ عجلٍ، لكنه أيضا سليلُ ثيران البراري القديمة، في دمّه رغبةُ الصّولِ، ولم يزلْ؛ يرسمُ غاباتِه، ويراوغُ فيها الأسودَ الكبيرة، قالت أمّه: مراعي أجدادك كانت بلا حدود، تبدأ إذا ما الشمسُ صعدت، ولا تنتهي بمغيبها، قالت: لحوافرِ قوائمها كان امتدادُ بطون الحقول، ولعيونها تضاحكت ضفافُ بحيراتِها الطويلة، قالت: انظر؛ ها هي رؤوسنا محشورة في قناة، تتزاحم على العلف المُصنّع، وحوافرنا طريت؛ حتى صارت مضربا للدود!
وظلّت عينا أمِّه تسكبان الكلام؛ إلى أن هاجموها يوما، وعقلوها بالحبال، فودّعها بدمعِه، وهي إليه تدور، وترمقه بنظرةٍ أخيرة،
قال، وهو ينوحُ للعجول: سَمَّنوها؛ فجاءت سكينها، وهي التي كانت تردد: في البريّة لا سكاكين تهوي على حناجرنا، ولا كلاليب تعلّقُ لحمنا ..!
هذا العجلُ ابن العجل .. حفيدُ سلالة الأرضِ الوسيعة، هجَّنوه على كل السلالات، حتى انتفخ في الزريبة، ومكث بحوافره يدقُّ الأرض بغيظٍ، إلى أن جاءه ذاك الزائرُ، صاحب البذلةِ، يحني إلى جانبٍ طربوشه، رماهُ بنظرةٍ، ثمّ قاربه، لطم مؤخرته، وقال: هذا!
في ( التندر ) رأسُ أمّه عاد .. هزّ قرنيه، وامتثل مبتورا، عيناهُ تقولان: ها .. جئتَ صغيري!
عندما دفعوه إلى الأرض؛ هوى على مفاصل قوائمه، وقد رأى الصغار في دائرةٍ يهتفون، ويجاوره رجلٌ بجزمةٍ طويلة ... رأى أمّه ثانيةً تعود، مكتملةً تعود ... ثمَّ وهو يُطعنُ؛ رآها


تهيج .. ودمُ عنقِه قد شرع يفرُ مثل ماء نافورة ... والعجلُ ... رأى الهواء كتلا ... يتجمّع كلّه، ويروحُ .. هناك ... بعيدا ... في غيمةٍ بعيدة!

0 تعليقات:

إرسال تعليق