الدكتور عادل عامر
هل قانون العزل السياسي يتفق مع مقاصد العدالة الانتقالية؟ وللإجابة على هذا السؤال فإن الضرورة تقتضي معرفة مفهوم العزل السياسي ،ومفهوم العدالة الانتقالية ،والمصالحة الوطنية. فالعزل السياسي يعني الإقصاء عن ممارسة الحق ، والعدالة الانتقالية تعني تطبيق العدالة أثناء المرحلة الانتقالية من الحرب إلى الاستقرار وبناء الدولة ،والمصالحة الوطنية فإن القصد من العزل السياسي هو الإقصاء ،وهذا يمثل عقوبة بدون حكم قضائي ناتج عن محاكمة عادلة يسحب بمقتضاها الحقوق المدنية والسياسية من المدان لفترة محددة ،وتعتبر هذه العقوبة باطلة لأنها لا تستند على نص ،وتنتهك مبادئ حقوق الإنسان،والحريات العامة التي تكفلها كل دساتير العالم بما فيها الإعلان الدستوري الليبي المؤقت في مواده 6،7،8، 31،ويتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،وفي مقدمة كل ذلك الشريعة الإسلامية حيث يقول الله جل شأنه( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل))سورة النساء58، وقوله جل شأنه((وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) سورة المائدة42 .كما أن الإقصاء لا يحقق العدالة الانتقالية بل يخلق الظلم الذي يؤدي إلى مضاعفة التصدع في النسيج الاجتماعي،ويعمق الخلاف ،مما يعرقل تحقيق المصالحة الوطنية المستهدف الوصول إليها من اجل البناء. فالمرحلة حرجة وتتطلب شيء من الحكمة والتعقل وتدبر الأمر لتضييق فجوة الخلاف ،ورأب الصدع ،والسعي لتحقيق العدالة الانتقالية من خلا ل تفعيل القضاء والشرطة والجيش حتى تتحقق سيادة القانون، ويتم تقديم من أرتكب الجرم في حق المجتمع إلى القضاء لينال جزاءه، وتقديم التعويض العادل لمن أرتكب الجرم في حقه،وإعادة توطين من تم تهجيره تمهيدا لإعادة اللحمة الوطنية من أجل المصالحة الوطنية التي تقتضيها مرحلة البناء.إن هذه المصالحة لا تأتي بقانون العزل السياسي والإقصاء والصراع على المناصب القيادية،وإزاحة الآخر ،واستغلال الفرص لتمييل كفة الميزان لصالح فئة دون غيرها ،ولا تأتي بالتنظير لفكر بعينه على حساب رأي الآخر ،وإنما تتحقق المصالحة الوطنية التي تستهدفها العدالة الانتقالية من خلال التضامن والتعاون ،وأن نحب للآخر كما نحب لأنفسنا ،فالبلد للجميع ،وتسع الجميع ،والمصلحة واحدة ،والتحديات واحدة ،والمصير مشترك. بهذا فقط نبني دولة الغد التي يشارك فيها الجميع،دون إقصاء أو تهميش، دولة محصنة من الاختراق الذي يستهدف خيراتها ووحدة شعبها وأرضها ودينها.فهل من مدرك بخطورة المرحلة ليجنبنا شرها؟إن ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، خاصة حقا الترشيح والانتخاب، تُعد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة السيادة الشعبية، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بالحق في اختيار مرشحيهم، على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التي تعنيهم، أم كان بوصفهم مرشحين يتناضلون – وفق قواعد منصفة – من أجل الفوز بالمقاعد التي يتنافسون للحصول عليها، وهما حقان مترابطان ومتكاملان، يتبادلان التأثير فيما بينهما . ومن ثم، كانت ممارسة المشرع لسلطته التقديرية فى تنظيم تلك الحقوق رهنًا بالتقيد بالحدود والضوابط التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، وتضحى كفالتها ، وضمان حق كل مواطن فى ممارستها ، وفق قواعد موضوعية – لا تنال من جوهرها، أو تنتقص منها، أو تؤثر فى بقائها، أو تتضمن عصفًا بها، أو إهدارًا ومصادرة لها – التزامًا دستوريًا على عاتق المشرع، لا يملك منه فكاكاً ، وإلا وقع ما يسنه ، خروجًا عليها ، فى حومة المخالفة الدستورية.
وحيث كان ما تقدم ، وكان ما قضى به النص المحال ، من وقف مباشرة الحقوق السياسية، خلال المدة التي حددها ، لكل من عمل بأحد المناصب التي عددها ، إنما يمثل - في واقع الأمر - حرمانهم من مباشرة هذه الحقوق ، ومن المشاركة في الحياة العامة طيلة المدة التي حددها، دون مقتض أو مبرر يتفق وأحكام الإعلان الدستوري، بما ينطوي على إهدار لأصل هذه الحقوق، ويمثل اعتداء عليها، ومصادرة لها، وقيدًا على ممارستها ، يجاوز حدود دائرة تنظيم الحقوق التي يملكها المشرع،
إن القانون من الناحية القانونية المجردة يخالف مبدأ الأثر الفوري للقانون أي أن القانون يسرى على الواقعات والأفعال التي تحدث بعد نفاذ القانون فإذا نص القانون على غير ذلك فعاقب على أفعال سبقت نفاذه كان مخالفا للدستور وهذا المبدأ موجود في الإعلان الدستوري في المادة 19 منه. وهذا المبدأ مستقر عليه في الأعراف القضائية في العالم المتحضر أجمع. فضلا عن مخالفة القانون لمبدأ المساواة وغيره من المبادئ. ويحدد المرسوم، الذي أصدره المجلس الأعلى، عددا من الجزاءات لمرتكبي جرائم إفساد الحياة السياسية، وتشمل العزل من الوظائف العامة القيادية وسقوط العضوية في مجلسي الشعب أو الشورى أو المجالس الشعبية المحلية، والحرمان من حق الانتخاب، أو الترشح لأي من المجالس السابقة لمدة أقصاها 5 سنوات من تاريخ الحكم، وكذلك الحرمان من تولى الوظائف العامة القيادية لمدة أقصاها 5 سنوات، والحرمان من الانتماء إلى أي حزب سياسي لمدة أقصاها 5 سنوات من تاريخ الحكم، إضافة إلى الحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات أو الشركات أو المؤسسات التي تخضع لإشراف السلطات العامة للمدة نفسها.
وستبقي المادة (3) المعدلة على اختصاص محكمة الجنايات دون غيرها بالنظر في الجرائم المنصوص عليها، ويتم تحريك الدعوى الجنائية بمعرفة النيابة العامة، وذلك من تلقاء نفسها أو بناء على بلاغ يقدم إليها متى توافرت بشأن المتهم أدلة جدية على ارتكابه أي من هذه الجرائم، وذلك بعد تحقيق قضائي تجريه النيابة العامة في هذا الشأن، وتكون لها جميع الصلاحيات المقررة قانونا بشأن سلطات التحقيق، والاتهام ومباشرة الدعوى أمام المحكمة.
يذكر أنه تم تطبيق قانون الغدر على عدد من الرموز السياسية التي شاركت في نظام حكم ملك مصر السابق فاروق الأول بعد ثورة يوليو 1952، وذلك لمنعهم من الترشح للانتخابات أو ممارسة أي نشاط سياسي، فتعرضوا لمحاكمات وفقا لهذا القانون، وكان أشهرهم فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد وكريم ثابت المستشار الصحفي للملك.
على الرغم من اختلاف آليات العزل من دولة لأخرى إلا أنه يمثل تدبيرا إداريا يهدف إلى تقليص نفوذ رموز النظام السابق على الثورة لإتاحة الفرصة لانطلاق النظام الجديد، وممارسة العزل ليست بديلا عن المسئولية الجنائية للأشخاص المستهدفين، فالعزل السياسي تدبير عقابي يترتب عليه فقد الوظيفة العامة وعدم الأهلية لشغل وظائف معينة فضلا عن الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمدد تتراوح بين خمس وعشر سنوات، وبرغم إيمان البعض مثل الرئيس التشيكي ''هافل'' بالطابع الفردى للعزل وعدم افتراض الجريمة لمجرد ارتباط العضو بالنظام السابق على الثورة، إلا أن موقع العضو فى أعلى درجات الهيكل التنظيمى فى النظام السابق مثل البرلمان أو الحكومة أو لجنة السياسات أو المخابرات يقطع بوجود دليل كاف لاشتراكه فى جرم جماعى بالتشريع والتنفيذ والتآمر والتواطؤ والصمت والدفع بمشروع التوريث وتزييف إرادة الأمة وكلها جرائم موثقة يشهد عليها التاريخ، وهو ما يجعل العزل وفقا للجرم الجماعى مبررا دونما الحاجة إلى فحص كل حالة بمفردها كما هو الحال فى الجرائم الجنائية، فالتطهير أو العزل السياسى ومبرره المسئولية الجماعية ليس بديلا عن المحاسبة الجنائية ومبررها المسئولية الفردية، ولا يمكن رفض التطهير تحت دعوى التمييز بالمعنى المتعارف عليه فى العهد الدولي للحقوق المدنية ان المعايير التي تحتكم إليها هيئة تطبيق معايير النزاهة والوطنية الآن ليست كلها تتعلق بالنزاهة والوطنية لان الذين كوَنوا هذه الهيئة اندفعوا تحت تأثيرات مشحونة بالعواطف الجياشة كردود أفعال للثورة
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق