Ads

لوبيات الوصاية الجديدة على العالم العربي؟

الدكتور عادل عامر
الذين يخافون الديمقراطية وآلياتها الملزمة ويريدون أن يواصلوا الانفراد بالحكم تحت راية الشورى التي لا تلزمهم بمؤسسات وآليات محددة. النوع الثاني: علمانيون يرون أن الإنجازات الإنسانية أغنت عن المفاهيم التراثية ولذلك علينا أن نأخذ بالديمقراطية وكفى فالشورى في نظرهم نمط تقليدي تجاوزه الزمن وأتى بمفهوم محدد هو الديمقراطية وآلياتها وهي ثمرة التطور الإنساني وعن طريقها يمكن للمجتمع أن يقرر ما يشاء في حياته العامة والخاصة. المنادون بالشورى الحريصون على نفي الديمقراطية يقبلون هذا المنطق ويقولون أنه من عيوب الديمقراطية أنها تتيح لأصحاب الأغلبية البشرية حرية بلا سقف مما يتيح لهم تعطيل قطعيات الشريعة وإبطال دور الدين في الحياة العامة.
ولكن لا توجد ديمقراطية تعمل دون سقف. فالديمقراطية حيثما وجدت يصحبها توازن ويضبطها دستور وقوانين وتهيمن عليها حقوق مستعلية إلى درجة التقديس، كالسيادة الوطنية، وحقوق الإنسان، والحقوق الدينية، والحقوق الثقافية، وهلم جرا. لا توجد في العالم ديمقراطية سائبة سادرة متفلتة ولا توجد إلا في خيال غلاة العلمانية وغلاة الإسلاموية. فالديمقراطية الممارسة في الواقع توجد دائماً مسترشدة بقيم وثوابت المجتمع.هل كل من تحدث مع شخص يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية ولو في موضوع لا علاقة له بإسرائيل أو بمؤسساتها أو بالقضية الفلسطينية هو "مجرم" ينبغي معاقبته ؟إننا نرفض احتلال إسرائيل لأراضي الشعب الفلسطيني، ونطالب بقيام دولة فلسطينية مستقلة، ونعتبر التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية أمرا مرفوضا، ولكننا لا نعتبر التعامل مع يهود مغاربة جاؤوا إلى بلدهم تطبيعا مع الدولة الإسرائيلية بينما لا يوجد أي تعامل مع مؤسسات هذه الدولة أو ورموزها، كما لا يوجد أي قبول بمنطقها في الاحتلال، ما يعني ضرورة مراجعة فكرة "التجريم" من أساسها، والحرص في صياغة مقترح القانون على أن يستهدف المطبّعين الحقيقيين مع إسرائيل في مختلف دواليب الدولة والأحزاب السياسية وأوساط المال والأعمال، عوض اضطهاد كل من تحدث مع يهودي يحمل جنسية إسرائيلية ولو في أمر لا علاقة له مطلقا بإسرائيل من قريب أو بعيد. وفي حالة تبني هذا القانون كما هو في صياغته الحالية فسيكون علينا رفضه ومعارضته إلى أن يتمّ تعديله.
 حيث تصور هؤلاء الاوصياء بسذاجة او بسوء نية ان الوطنية الحقيقية هى ممارسة الوصاية على المواطن العربى وكأن الشعوب العربية هى شعوب قاصرة وكل رموزها مطعون فى شرفهم فكانت النتيجة العكسية لوصايتهم بان ساهموا دون قصد فى دعم نظم الفساد والاستبداد فى الوطن العربى وجعلوا قطاعا عريضا من المواطنين العرب فى حيرة لينتابهم هاجس اذا ما تولى هؤلاء الاوصياء الحكم يوما ما بتلك العقليات المتحجرة وهذا الجمود الفكرى وقيامهم بتخوين كل من يعارضهم فى الرأى وتحول البلاد على ايديهم الى سجن كبير ليصل قطاع كبير من المواطنين العرب الى قناعة الحقيقية هي أن النصوص الإسلامية المعنية نصوص تمنع حكم الفرد، وتمنع الاستبداد، وتكفل حقوقا مقدسة للإنسان، وتقتضي سيادة حكم القانون. ولكن الممارسة غيبت هذه الحقوق.
 هذا الاتهام قد كيل في الماضي للديانة الكونفوشية باعتبار أن فلسفتها تقدس الولاء للوظيفة وللأسرة مما يمنع التطور الديمقراطي. وكيل للكاثوليكية لما تتطلب من ولاء للبابا وأعوانه لذلك حالت  دون التطور الديمقراطي في إيطاليا وأسبانيا وأمريكا اللاتينية. ورغم هذه الاتهامات فإن الديمقراطية بزغت وانتعشت في المناطق المذكورة. لقد أشار لذلك مورافشك في مقاله المشار له آنفا حيث يؤكد  غياب الديمقراطية في العالم  الإسلامي في الوقت الذي تزدهر فيه في كل ما حولهم، يقول: حقيقة غياب الديمقراطية الفادح عن العالم الإسلامي لا تستطيع إثبات أن الإسلام يتعارض مع الحرية والديمقراطية أصلا. فقبل جيل مضى وقبل انتشار الديمقراطية في آسيا، كان يقال أن القيم الكونفوشية معادية للديمقراطية، وقبل ذلك بجيل، حينما ذبلت الديمقراطية في أمريكيا اللاتينية، وإيطاليا، وأسبانيا وبولندا، قيل كلام مثله عن الكاثوليكية. والآن فإن مثل هذه التعميمات تبدو كتعصب أعمى .
بالنسبة للبلدان الإسلامية، إن الإسلام هو أول دعوة جاءت بولاية الأمر المؤسسة على الشورى والخلافة غير الوراثية والحقوق المقدسة للإنسان، وسيادة حكم القانون. وكان يرجى أن تدفع هذه المبادئ إلى تكوين آليات ومؤسسات لتطبيقها. ولكن هذا لم يحدث بل الذي حدث هو العكس تماما. بقيت هذه المبادئ نصوصا معلقة في الهواء بينما سيطر الاستبداد والتغلب على مفاتيح السلطة ونظم الحكم. لقد فجع الضمير المسلم في خلاف الصحابة بالصورة الدموية التي جسدتها الفتنة الكبرى وما تلاها من سفك  الدماء التي خضبت النصف الثاني من عهد  الخلفاء الراشدين، وعهد بني أمية، وعهد بني العباس بصورة جعلت الرأي العام الإسلامي كما تمثله أغلبية المذاهب والفرق كما أوضحنا تفضل الاستقرار الذي يحققه التغلب على الاضطراب الذي يسببه التصدي للحاكم أو الخروج عليه. ومن المشرق العربي ايضا تعلمت البشرية صناعة الثورة. فمنذ حكم الفراعنة في مصر والاشوريون في العراق، وحتى ظهور الاسلام شهد الشرق اندلاع ثورات عديدة ضد المستعمرين وحكومات الاستبداد، ولعل اقدم الثورات القومية في المشرق العربي هي ثورة الاسرة الفرعونية السابع عشرة، بقيادة الفراعنة الثلاثة، ضد حكم الهكسوس الذي دام 100 عام ومن ثم طردهم من مصر. واما اول حقبة استعمارية غربية طالت الامة العربية فهي الاستعمارين الروماني والبيزنطي بين عام 64 ق.م انتهت بظهور النور الاسلامي637 ق.م. وتجلياته الروحية والمبدأية في صقل العقل العربي وقيادته نحو المجد ثانية. انذاك بدأت الامة تعيش ميلاد عصر جديد خطت فيه بثبات وبصيرة في نموها الفكري والاجتماعي، وظهرت طبقة فكرية غذت ولادة الفلسفة والعلوم وانحسرت قوى الجاهلية وافلست قوى الاقطاع والجور الاجتماعي والتخلف الذاتي المتمثلة بقيادات قريش الظلامية واستسلمت طوعا وكُرها لنظام الحُكم الجديد، ومنها ما بقي يضمر العداء لنبي الامة والنخبة الصحابية الثورية، التي قوضت النظام الجاهلي اقتصاديا وسياسيا. ورغم الكم المعرفي الهائل الذي اعتمد على التشريع لارساء قواعد المجتمع الاسلامي ثقافيا وروحيا وتربيته باحكام القرآن الكريم وارشادات نبي الامة مُحمد صلى الله عليه وسلم، كان طبيعيا جدا ان تتكتل القوى المهزومة في لوبي ضاغط مُناوئ ومُجابه لقادة الدين الثوري الجديد، مع التستر بالزي الاسلامي واقامة طقوس الدين والاستفادة من قانون التأهيل والتساوي مع بقية المسلمين، حين الاجهار بالشهادتين كورقة قانونية ذات صلاحية نافذة تؤهل اعداء الامس للنفوذ الى اعلى مراتب الدولة الاسلامية ومن دونما تجريح بماضيهم او تمحيصٍ لايمانهم او تخوين.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية 

0 تعليقات:

إرسال تعليق